العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ

كلمة بحق البروفيسور نايجل رودلي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

(كلمة الأكاديميين - زملاء البروفيسور نايجل رودلي - في تاريخ 22 مارس/ آذار العام 2017)... يود الزملاء والأصدقاء في مركز حقوق الإنسان، بكلية القانون في جامعة إيسكس أن يؤبنوا الراحل البروفيسور سير نايجل رودلي (Sir Nigel Rodley) الذي رحل عنا في بداية العام.

كان نايجل رودلي شخصية دولية عامة ومحامياً كرس حياته لحقوق الإنسان، لقد دمج عالمين داخل وخارج الجامعة، كان وفي وطنه يعمل على تحويل حقوق الإنسان إلى نظرية قانونية، فيما كان يتخذ قرارات صعبة لقضايا كعضو في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة. وهنا تتداخل الالتزامات العملية مع العمل النظري. وفي كلا العالمين فقد كان نايجل يحترم ويجسد الصرامة، وفي الوقت ذاته كان يجمع بين الصرامة والغريزة حيث إنه فيما يتعلق بالمؤسسات فقد كان مهماً له ما هو غير عادل وما هو عادل. ذلك جعل من هذا الإنسان الذي تسنم مسئوليات كبيرة أن تجر عليه اختلافات، من ناحية أخرى كان نايجل يحترم الصرامة والقيم للمجادلات، بحيث إنه يستهدي بها فقد كان صارماً ولكن ليس متحجراً.

كان نايجل نشطاً أكاديمياً وعالمياً بطبيعته. وبعد دراسته في الأكاديمية الأولى في إنجلترا، فقد كان أول منصب أكاديمي كأستاذ مساعد للقانون في جامعة والهاوس في كندا في 1965. ومن هناك انتقل إلى نيويورك، حيث عمل كمشارك في الدائرة الاقتصادية والشئون الاجتماعية للأمم المتحدة، حيث عمل على إقامة روابط قوية مع جامعة نيويورك، والتي كان يعمل بها كأستاذ زائر في العلوم السياسية، وباحث مشارك حتى العام 1972 عندما عاد إلى المملكة المتحدة.

أسس ورأس نايجل المكتب القانوني لمنظمة العفو الدولية (الأمانة الدولية) خلال السنوات 1972 - 1990، ومن موقعه هذا لعب دوراً حاسماً في تطوير مجموعة من الآليات الدولية لمعاملة السجناء، بما في ذلك الاتفاقية الدولية المهمة بتجريم التعذيب، والعهد الدولي لمناهضة التعذيب وجميع أشكال المعاملة القاسية والعقوبة الحاطة بالكرامة خلال عمله مع منظمة العفو الدولية، فقد عمل نايجل جزئياً كمحاضر مع مدرسة لندن للاقتصاد (LSE) خلال 1973 - 1990. وكان كتابه التوجيهي بشأن معاملة السجناء بموجب القانون الدولي قد نشر في العام 1987 مؤكداً على كفاءاته العملية والأكاديمية. وبعد 17 عاماً من العمل مع منظمة العفو الدولية، قرر أن يتفرغ للعمل الأكاديمي في جامعة إيسكس في العام 1990.

وفي إيسكس كتب نايجل الطبعتين الثانية والثالثة لكتابه بشأن معاملة السجناء، والأخيرة بمشاركة مع مات بولارد (Matt Polard) في 2005، ويظهر هذا الكتاب أهليته العملية العالية.

تعرف جامعة إيسكس بأنها تجمع بين النظرية والممارسة لحقوق الإنسان، وقد عُين كثاني مقرر خاص بشأن التعذيب وغيره من المعاملة والعقوبة القاسية والحاطة بالكرامة. في 1993 ومن موقعه هذا استطاع أن يكشف عن الانتهاكات في عدد من أسوأ الأنظمة. وبعد انتهاء مهمته كمقرر خاص في 2001، بدأ مهمته كعضو في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، فيما كان عضواً في منظمات حقوقية مهمة مثل الحرية من التعذيب، والإصلاح الجنائي العالمية وريدرس ومجموعة الحقوق العالمية، وكان رئيساً للجنة الدولية للحقوقيين (ICJ) وإلى جانب مهمته المتطلبة في العمل مع الأمم المتحدة، فقد أضحى نايجل ولايزال عضواً مركزياً وملتزماً بالكامل بمركز حقوق الإنسان في جامعة إيسكس حتى وفاته عمل في بداية عمله بجامعة إيسكس كعميد لكلية الحقوق (1992 - 1995) إلى جانب كيفن بويل، وفرانسواز هامبسن وجيوف جيلبرت في كلية الحقوق، ومع ميشيل فريمان في دائرة الحكومة، ومع اونورا اونويل في الفلسفة، ومع بريان تيرنر في دائرة الاجتماع، وحول مركز قانون حقوق الإنسان الدولي إلى مركز متعدد الاهتمامات بشأن حقوق الإنسان كما هو اليوم. كان دائماً صارماً وإيجابياً وفي الوقت ذاته متوجه للتفاعل مع الآخرين المختلفين معه، لتوسيع آفاقه بشأن القانون الدولي وحقوق الإنسان.

لعب نايجل دوراً حاسماً في تشكيل وصياغة ما تقدمه جامعة إيسكس لطلاب القانون في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكان يعتقد أنه يتوجب على طلاب القانون أن يكونوا أولاً وأخيراً محامين عامين دوليين، وبخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن وجهة نظره فإن من الضروري أن نعد محامين صارمين قادرين على التعاطي مع انتهاكات حقوق الإنسان بنجاح. وقد كان اهتمامه بالتفاصيل القانونية أحد صفاته الشافعة، وكان ذلك حاضراً في كل حصة مدرسية التي كان يدرسها، وكذلك في إشرافه على أطروحات الدكتوراه، كان يشجع دائماً طلبته على عدم التركيز على ردات الفعل العاطفية لانتهاكات حقوق الإنسان، ولكن وضع وتقديم أفضل مجادلة بشأن أسباب وجود هذه الانتهاكات، والتي تتطلب معالجة.

وكان دائماً فخوراً للاجتماع مع طلبته حيثما ذهب، حين يريدون المعرفة والتحليل الصارم للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي الواقع فقد ذكر خلال إحدى مناسبات لقائه مع طلبة كلية الحقوق في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2016 أنه أثناء مشاركته كعضو في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، فقد كان سعيداً بشكل خاص للاستماع لأحد خريجي الكلية في إحدى جلسات اللجنة وهو يجادل عارضاً وجهة نظر الضحية والحكومة المنتهكة في الوقت ذاته.

ركز نايجل في تدريسه على القانون الدولي العام، والقانون الدولي لحقوق الإنسان وآليات الأمم المتحدة والنظام الإقليمي، غير أنه درس مواد بشأن مواضيع مختلفة مثل التبادل الاقتصادي الدولي والعقود والتحكيم. وقد مكنته معرفته وخبرته أن يدرس أي أنموذج لحقوق الإنسان كمتطلبات للدراسات العليا، ولهذا فإن آراءه كانت أساسية في تصميم وتنفيذ النماذج لطلبة الليسانس والماجستير، ولكن الأنموذج الأساسي، أي المنتدى العام المعروف القانون الدولي لحقوق الإنسان المؤسسات والممارسات.

كان نايجل يستمتع بالتدريس، وكان طلبته يستمتعون بالتعلم منه. كان من عادته أن يبدأ الفصل مسترجعاً ذاكرته لإخبار طلبته كيف وصلنا إلى ما نحن عليه حيث أضحينا عرضة للتعذيب والقتل خارج النطاق والاختفاء القسري. وكانت بصماته على المستويات والأنماط الدولية موجودة في كل ما يتم تبينه للأحكام، المستويات الأدنى للأمم المتحدة حول معاملة السجناء المعروف حالياً (بأحكام نيلسون مانديلا). وعندما يناقش أدوات حقوق الإنسان، فقد كانت لديه قدرة عجيبة لاستخراج التفاصيل الدقيقة ومسودات معينة وآراء ممثلي الدول، والخبراء المستقلين ومسئولي الأمم المتحدة والمجتمع المدني، ونقاط التنازع خلال التفاوض. وبغض النظر عما إذا كان مدرساً في صف أو مشاركاً في اجتماع في مكتبه، فقد كان يربط دائماً بين التاريخ (والذي كان هو جزء منه) والنصوص المقرة لمعاهدة تتعلق بالقانون المعني وفي مجال اختصاصه، فلم يكن هناك مقال أو بحث ينافس معرفة نايجل المتميزة.

كان نايجل في أفضل أوقاته عندما يستشيره طلابه أو زملاؤه بالأسئلة. إن عمق إجاباته وخبرته متميزة. قد يشعر طلبته بالتوتر في البداية لمناقشة مواضيع صعبه مع نايجل، أخذاً بالاعتبار قامته السابقة في مجال القانون الدولي، لكنه سرعان ما ينقلهم للاسترخاء، لأنه يستمتع بالاندماج في مناقشات مفعمة مع طلبته، وكان حريصاً للاستماع إلى تجاربهم، فلم يكن رجل مونولوج بل التفاعل مع الآخرين، قد يكون أعظم إرث نايجل في جامعة إيسكس إسهامه في الانتقال من جيل مؤسس للمركز إلى جيل جديد من الزملاء ذوي الرؤى المتميزة لحقوق الإنسان، ودور المركز هناك من وقف في طريق تطويره؛ لكن نايجل لم يكن منهم بل كان ممن أسهموا في التحول مقدماً خبرته ونصائحه الرفاقية ودعمه. وفي الواقع فإن السنوات التي قضاها في المركز، قد وسعت اهتمامات المركز دراماتيكياً بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعدالة الانتقالية وسياسات مكافحة المخدرات والسجناء وحقوق الإنسان والتجارة وحقوق الإنسان. إن سمعة المركز عالمياً قد نمت أيضاً.

إن كثيراً من زملاء نايجل في جامعة إيسكس وأبعد، قد تأثروا عميقاً في أعمالهم بقدرة نايجل لعمل تحليل قانوني تفصيلي، فيما لا يترك وراءه التزاماً أخلاقياً بوجه هذا التحليل. ولكن لم يحدث أن يكون هذا الالتزام الأخلاقي أكثر بروزاً في أعماله عن معالجته للتعذيب. إن إرث نايجل القوي، سيظل يذكرنا أن التعذيب فيما يتركه بأضرار بعيدة المدى للحضارة لا يمكن تبريره بأن شكل من الأشكال، كان نايجل رفيقاً رائعاً، وكان دائماً يهتم بالآخرين بغض النظر من هم، كان يحنو على كل واحد منا وعلى أطفالنا وعائلاتنا، كان يحتفل معنا بإنجازاتنا كما لو كانت إنجازاته، وكان دائماً إلى جانبنا في اللحظات الصعبة التي ترافق الحياة وكان رجلاً حنوناً وذا قلب كبير.

كان نايجل حاداً جداً في عمله؛ ولكن كان يتجنب أن يجعل من نفسه محور العمل، وحتى عندما يناقش موضوعاً ما بشأن القانون فإنه يصبح عاطفياً، ويتبع ذلك بضحكة أو نكتة وتربيتاً على الكتف، وأحياناً بسخرية من شمال إنجلترا.

ترك نايجل وراءه زوجة (ليان) إذ كان مخلصاً لها، وترك أصدقاء ورفاقاً على امتداد العالم وعائلته الأصغر في إيسكس.

أصدقاوه الأساتذة جيوف جيلبرت وفرانسواز هامبسون وبول هنت وشيلدون ليدر ونعوم لوبيل، ولورينا مارجير وسابين ميشلسكي وكلارا ساندو فال، وأحمد شهيد ومورسي سنكن، جامعة إيسكس 22 مارس 2017.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً