العدد 5359 - الثلثاء 09 مايو 2017م الموافق 13 شعبان 1438هـ

ماذا بعد انتصار إيمانويل ماكرون؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

بشعور الانتعاش بالنصر وعلى وقع موسيقى بيتهوفن، سار بخطوات ثابتة الرئيس الفرنسي الجديد ايمانويل ماكرون نحو المنصة، وسط ساحة متحف اللوفر التي اختارها لإلقاء خطابه الأول كرئيس، وباختيار هذا الموقع يبعث برسالة قوية للعالم ولأوروبا مفادها «إنه فوز لأوروبا القوية والموحّدة». فثمة من اعتبر أن الفوز ليس لماكرون فقط؛ وإنما للعواصم الأوروبية التي تنتصر للمشروع الأوروبي الوحدوي، كما أنه هزيمةٌ للتيار الشعبوي المتنامي فيها.

حصل ماكرون على 66.06 في المئة من الأصوات مقابل 34.5 في المئة لمنافسته مارين لوبان، فيما سجّلت نسبة الامتناع عن التصويت ومقاطعة الانتخابات ممن وجدوا في ماكرون شخصية باهتة وبرنامجه السياسي ملتبساً، لم يستطع من خلاله كسب 25.38 في المئة من الناخبين ومعهم أصحاب البطاقات اللاغية «البيضاء» التي بلغت 11.5 في المئة، إذ يُعتبر هذا الرقم قياسياً بالنسبة لانتخابات رئاسية على رغم تقديم ماكرون لنفسه بأنه مرشح تغييري غير مؤدلج للقضايا الاجتماعية والاقتصادية.

ماكرون هو أنا

وتبعاً لآخرين، لم ينزل ماكرون من الفضاء وإنّما هو اختراع سياسي في وقت حرج، حصل فيه على دعم من اليسار واليمين السياسي الذي على رغم هزيمته في صنادق الاقتراع، إلا أنه كان حاضراً ومؤثراً في فوز ماكرون إلى جانب فريق المستشارين الذين أحاطوه ومعظمهم من الأغلبيات السابقة. الأهم قول الرئيس هولاند «إن ماكرون هو أنا»، فضلاً عن دعم التكتلات المالية المؤثرة في صياغة السياسة العامة لمؤسسة الدولة، وحدث ذلك كله بالطبع لمنع وصول لوبان إلى قصر الأليزيه، وللمحافظة على النظام الاجتماعي الذي تمثله الرأسمالية المتوحشة.

حدث الانتخابات شكل انعطافة في تاريخ فرنسا التي تشهد تحولات سريعة في المشهد السياسي، وكانت عرضة لأن تكون جزءًا من هذه التحولات الكارثية عليها فيما لو فازت زعيمة اليمين المتطرف لوبان. انتخابات شهدت تجاذبات وتناقضات اعتبر فيها محللون أن تصويت الدورة الأولى كان بمثابة عقاب الشعب ضد الأحزاب التقليدية، أما في الدورة الثانية فكان اقتراعاً بشأن الهوية التي يريدها الناخب، لم لا؟ ولوبان تصدح صباح مساء، نهاراً جهاراً، بمواقفها المتطرفة ضد المهاجرين؛ ومع الخروج من المنظومة الأوروبية ومن دائرة اليورو، فضلاً عن مواقفها تجاه التعليم الذي تريد العودة به إلى الوراء، حيث المعلم هو محور العملية التعليمية بدلاً من التلميذ؛ وفي الصحة بإلغاء القانون الذي تتحمل فيه فرنسا علاج المهاجرين غير الشرعيين لأسباب إنسانية، وإلغاء الدعم المالي عن مؤسسات المجتمع المدني.. إلخ، الأمر الذي زاد من خوف الناخبين من التداعيات الاقتصادية بمجازفة التخلي عن اليورو، فكان هذا الجانب علامة فارقة لترجيح كفة ماكرون، فقد خشيت الغالبية الانتخابية (من سن الأربعين فما فوق) على مدخراتها المالية وقدرتها الشرائية أكثر مما انشغل بالها بمحاربة العنصرية والتطرف، حيث قلقت من ارتفاع نسبة التضخم التي قد تقضم 30- 40 في المئة من مدخراتهم، فكان الخيار لماكرون أهون الشرين.

اختراق المشهد السياسي

توافقت آراء كثيرة بأن ماكرون شكّل ظاهرة سياسية مزعجة للقوى السياسية التقليدية، التي تعثر أداؤها السياسي والاقتصادي، وفقدت قدرتها على اجتراح المبادرات والمشاريع والفرص لمواكبة التحولات التي مست عمق البنى والهياكل في المجتمع الفرنسي، وبما أنتجته الأزمات الاقتصادية والسياسية من آثار وتداعيات واضطراب سياسي، كان له الأثر في إضعاف الثقة بالأحزاب التقليدية. لقد تمكّن ماكرون بحركته «إلى الأمام» من تكسير ثنائية اليسار واليمين، فاخترق المشهد السياسي بإحداث دينامية في نشاطه وبالاستفادة من الأزمات والاختلالات التي أصابته بهذا القدر وذاك، قوى اليسار واليمين والوسط، ويشكل هذا برأيهم أحد نقاط قوته، لاسيما أن فوزه جاء نتيجة لتفشي الفساد، وفشل تلك القوى والأحزاب التي احتدم الصراع بين قياداتها، فهو على نقيضها.

وتصدّرت حركته استراتيجية التواصل مع المجتمع المحلي، وبخطاب براغماتي حاول فيه الاقتراب من الشباب والفئات الشعبية العريضة، والتمسك بالانتماء إلى الاتحاد الأوروبي. وهو يدرك بأن فوزه المتحقق يواجه تحديات وليس «شيكاً على بياض»، بيد أن وجهات نظر متباينة ترى بأنه بلا خبرة سياسية، ويفتقد للآيدلوجيا وتعاني شخصيته من ضعف كاريزمي، وبرنامجه السياسي غير محدد أو متكامل، فهو مقتطف من توجهات مختلفة، ولم يكن متماسكاً مقارنةً ببرنامج الجمهوري فيون الذي حل ثالثاً في الجولة الأولى. وعليه فإن اليأس والضجر في الشارع الفرنسي كان سبباً كبيراً في صعود نجمه.

تحديات

على رغم تنفس الصعداء عند بعض الاتجاهات التي وجدت في فوز ماكرون انتصاراً لقيم الثورة الفرنسية من حرية وعدالة ومساواة وديمقراطية، إلا أن اتجاهات أخرى ترى بأن فرنسا، وإن أفلتت من سيطرة اليمين المتطرف، إلا أنها وقعت في تطرف من نوع آخر، واصفة إياها «بالفاشية المالية».

إن التحديات أمام ماكرون حسب تقارير عدة، انتهت للإشارة لأمرين مهمين أولهما، صحيح أن الجبهة الوطنية تمثل صوت التطرف والعنصرية؛ لكنها تمثل جزءاً لا يستهان به من عموم الطبقة السياسية الفرنسية التي أشار فيها الاقتصادي الإيطالي إيمياليانو برانكاتشيو إلى مأزق المجتمع الفرنسي في مقالة له بأن «اليساريين الباحثين عن التصويت لما يسمونه أهون الشرين، لا يدركون أنه في ظل الظروف التي نمر بها، فإن أهون الشرين هو سبب وجود الشر أساساً، فليست لوبان ومناصروها سوى عوارض كارثية للمرض السياسي الذي تعانية أوروبا، والذي يجسده ماكرون».

وعليه فإن هذا الواقع السياسي يحمل في طياته بذور احترابات اجتماعية، وما يزيد الأمر خطورةً تحديات محاربة الإرهاب، ومعالجة قضايا الاقتصاد والبطالة والهجرة، وانقسام المجتمع الفرنسي الذي كشفته أرقام نتائج التصويت بما لها من دلالات ومؤشرات على تدهور قيم الجمهورية، وإرث عصر التنوير الملهم للشعوب والدول، فنسبة 34.4 في المئة من أصوات الشعب منُحت لليمين المتطرف، وتحت حجج الخوف من الإرهاب والأمن، في ظل تجاهل التركيز على معالجة الأزمات الحقيقية التي يعاني منها المجتمع وما شاع فيه من «رهاب الإسلاموفوبيا» وكراهية الأقليات العربية والإسلامية. وهذه النسبة وفي تطورها التراكمي خلال السنوات القادمة لاسيما مع تزايد حوادث الإرهاب، تنذر بمخاطر كبيرة على الإرث الثقافي والحضاري الفرنسي.

أما خلاصة التحدى الآخر، فتتمثل من أن فوز ماكرون لا يزال محفوفاً بالمخاطر، وبمواجهة تحدٍ لم يبدأ بعد في معركة الانتخابات البرلمانية التي سيخوضها في يونيو/ حزيران المقبل في ظل غياب داعم حزبي قوي له، إذ يتوجب عليه في إطار اللعبة الانتخابية الحصول على غالبية برلمانية تمكّنه من تشكيل حكومة، وإلا فعليه التعايش مع حكومة من طيف سياسي وبرنامج مختلف.

هنا يشكك المحللون في قدرة حركته «إلى الأمام» من انتزاع غالبية برلمانية كونها حزباً حديثاً، وبالتالي سيكون بحاجة إلى عقد تحالفات دقيقة تعتمد على مرونة برنامجه السياسي، بيد أن ثمة مخاطر من تحالفات أخرى قد تتشكل بين اليمين التقليدي والجبهة الوطنية لتشكيل أكثرية نيابية، حينها وإن لم يحقق ماكرون غالبية، فسيضطر لتسمية مارين لوبان رئيسة للوزراء، الأمر الذي يضعف موقعه الرئاسي، وفي حال لم يتمكن اليمين المتطرف من تشكيل غالبية، فسيكّون معارضة قوية بالبرلمان، ما يعني أن هذا اليمين احتل في كل الأحوال وضعاً مميزاً، ذا بعد رمزي في المشهد السياسي.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5359 - الثلثاء 09 مايو 2017م الموافق 13 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:11 ص

      لن تتغير فرنسا سواء جاء ألف رئيس وألف عبقري ، سيتسة فرنسا استعمارية وعنصرية ، هذا لا يفيدنا ولن يغير من واقعنا شيْ سيلجأ كما غيره في السابق الى الفتن والدمار ضد الشعوب.. نحن لم نفرح ولم نحزن ، كفاية مدح في شخصيته التي لا أجد فيها مايجعلنا نتباهى به.

    • زائر 1 | 11:21 م

      هذا الرجل عبقري وذكائه لا مثيل له ومنذ ان كان في المدرسة كان يقول سأصبح رئيسا لفرنسا ، وجميع الأطفال كانوا يلعبون وهو كان يقرأ ويقرأ ويقرأ انه خطير ويعرف من أين تؤكل الكتف ، هذه تربية المجتمعات العلمانية الأوروبية .

اقرأ ايضاً