العدد 539 - الخميس 26 فبراير 2004م الموافق 05 محرم 1425هـ

بين التشكيل النقابي و«المؤتمر الدستوري»

سيف الإجراءات القانونية

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حدثان مهمان كان للسلطة التنفيذية دور مباشر في محاولة منعهما وعرقلة قيامهما، بلغة متشابهة وأسباب متماثلة: الحدث الأول هو محاولة التصدي لتشكيل نقابات عمالية في القطاع العام، والحدث الآخر هو محاولة منع انعقاد «المؤتمر الدستوري» الذي نظمته الجمعيات الأربع في 14 و15 فبراير/ شباط الجاري.

كانت اللغة المستخدمة في محاولة التصدي للتشكيل النقابي في القطاع الحكومي هي (استكمال الإجراءات القانونية)، وكانت اللغة نفسها التي استخدمت للتصدي لانعقاد الدستوري وهي (عدم استكمال الإجراءات القانونية).

في المناسبة الأولى كان الضحايا هم الموظفون الذين أصروا على حقهم في تشكيل النقابات انطلاقا من قانون النقابات العمالية رقم 33 لسنة 2002م، وكان اللاعب الاساسي في اتخاذ الاجراءات ضد النقابيين هو الوزارات التي تشكلت فيها نقابات عمالية كالبريد والأشغال.

اما في المناسبة الثانية فكان الضحايا فيها هم رؤساء وناشطو الجمعيات السياسية الأربع التي قامت بالاعداد للمؤتمر الدستوري وكان اللاعب الرئيسي في اتخاذ الاجراءات ضدهم هو وزارة العمل والشئون الاجتماعية ووزارة الاعلام بالاضافة إلى المؤسسة العامة للشباب والرياضة.

وتبقى (الإجراءات القانونية) هي السيف المسلط على رقاب المواطنين لمنعهم عن ممارسة حقوقهم المشروعة في التعبير عن آرائهم.

ولا أدري كيف نستطيع فك رموز كلمة (الإجراءات القانونية) المعقدة فهي بمثابة اللغز الذي يستعصي على الحل.

في الحدث الأول كنا قد استبشرنا خيرا عند لقاء ملك مملكة البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مع مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال البحرين في 16 يونيو/ حزيران 2003م حين أكد أحقية العاملين في القطاع العام بتشكيل نقاباتهم المستقلة، وكذلك تأكيده في لقائه مع مجموعة من موظفي القطاع العام في 15 يوليو/ تموز 2003 على هذا الحق.

إلا أن الاجراءات القانونية بحسب عرف الأجهزة التنفيذية لم تستكمل بعد... وأصبحت تنتقل في دهاليز معقدة للجان في انتظار بارقة أمل حتى يومنا هذا...

واقتصر الجزاء في الحال الأولى على التهديد بالتوقيف عن العمل وتوجيه الانذارات إذا لم يتراجع العمال عن الاستمرار في تشكيل نقاباتهم.

إلا أن الجزاء في الحالة الثانية كان أشد وطأ وصل الأمر إلى التدخل المباشر لمنع انعقاد المؤتمر ومنع الضيوف من الدخول إلى البلد وكذلك ارسال قوائم بأسماء شخصيات وطنية لمنعها من دخول الأراضي الكويتية.

لقد بدأت التطورات الدراماتيكية في قضية المؤتمر الدستوري بشكل مذهل، ففي البداية وجهت رسالة بتوقيع وكيل وزارة العمل إلى الجمعيات الأربع المنظمة للمؤتمر تتضمن رؤية وزارة العمل والشئون الاجتماعية بشأن لزوم الحصول على إذن مسبق لاقامة المؤتمر، بعد ذلك تم اعتبار المؤتمر الدستوري (غير قانوني).

وتبلغ الأمور ذروتها عندما تدخل وزارة الاعلام على الخط وذلك بتهديد وزير الاعلام باللجوء إلى القضاء بحجة عدم استكمال الاجراءات القانونية.

أما المؤسسة العامة للشباب والرياضة فلا بد أن يكون لها نصيبها من حصة التهديدات، إذ هددت بحل مجلس إدارة العروبة إذا استضاف المؤتمر الدستوري بعد منع انعقاده في مقره الأصلي وهو فندق الدبلومات.

والأمر المثير للدهشة هو احتجاج وزارة الإعلام على المشاركة الخارجية على رغم من تأكيد الجمعيات المنظمة للمؤتمر بأن المشاركة ليس لها دور في صوغ قرارات المؤتمر ونقاشاته وانما ستقتصر على المندوبين الأساسيين في المؤتمر، بينما تغض وزارة الاعلام الطرف عن مشاركة البروفيسور فرد هاليداي الذي استضافة مركز الدراسات التابع للحكومة للتحدث عن الإصلاح السياسي في البحرين.

والاغرب من ذلك ان يدخل البرلمان على الخط معتبرا ان ليس من حق المواطنين مناقشة أو اقتراح أي تعديلات دستورية.

حال من الهستيريا صاحبت هذا المؤتمر قبل وبعد انعقاده... ضيوف أعزاء وإخوة أشقاء طُردوا من البلد واعتبروا (أجانب)، وقوائم سوداء تحركت لتمنع مواطنين بحرينيين من الدخول إلى أراضي خليجية شقيقة ثم نتحدث عن (منظومة خليجية موحدة) فمن يستطيع أن يفك رموز هذا اللغز المحير؟!.

ولنا أن نسأل بصفتنا مواطنين لهم الحق ان يبدوا آراءهم في مجمل القضايا التي تهم الوطن، لماذا كل هذا الخوف من النقاشات الهادئة والمثمرة عن الدستور؟، ولماذا تضييق الحريات لهذا الحد؟

فالاشكال القانوني قائم نظرا للمواد التي تحدد أن الشعب مصدر السلطات جمعيا كما في المادة (1) وأن نظام الحكم يقوم على فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كما جاء في المادة 32 وأن القوانين لا تصدر إلا إذا أقرها المجلس الوطني وصدق عليها الأمير بحسب ما ورد في المادة 42 من الدستور.

وحددت المادة 104 آلية التعديل لأي حكم من الاحكام إذ تقول يشترط لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بغالبية ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس وأن يصدق الأمير على هذا التعديل.

وعند الرجوع إلى ميثاق العمل الوطني الذي تم على أساسه التعديل إلى نظام المجلسين نجده ألمح إلى أن المجلس المعين سيكون للاستشارة والاستعانة بآراء ذوي الخبرة والاختصاص، إذ ورد في استشرافات المستقبل «تعدل احكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور الخاصة بالسلطة التشريعية لتلائم التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم وذلك باستحداث نظام المجلسين بحيث يكون الأول منتخبا انتخابا حرا يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولى المهمات التشريعية إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة».

ومع تعدد القراءات لتلك النصوص فإن الحوار والنقاش يمثلان ظاهرة صحية من أجل الوصول إلى رؤية تتقارب فيها وجهات النظر للارتقاء بالتجربة الاصلاحية في المملكة، لذلك نتمنى أن تتسع مساحة الحوار بدلا من إطلاق كلمة التخوين على من يخالفنا في الرأي، فالنهج الحضاري في العملية الاصلاحية هو أسلوب الحوار بعيدا عن التشنجات والاتهامات لانها لا تنتج إلا حالة من الاحتقان لا تصب في إطار المصلحة العامة

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 539 - الخميس 26 فبراير 2004م الموافق 05 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً