إذا كان الشاعر الكويتي العملاق المرحوم أحمد مشاري العدواني بدأ قصيدته «برقيات إلى القائد» بتكرار هذا البيت: هزمتنا الأنظمة، هزمتنا الأنظمة ثلاث مرات... كان على حق لأن الشعب العربي لم ينهزم لضعفه أو لعدم رغبته في تقديم التصحيحات المطلوبة، بل لأن أنظمته قزمته وقتلت ما يخلق فيه روح الشجاعة والنضال وحجبت عنه الحرية، إما بإعطائه مجالس نيابة لا تمت بصلة إلى الديمقراطية إلا اسمها أو بإعطائه مجالس نيابية مشروطة ومدجنة. والأبطال لا يخلقون أبطالا إلا باستنشاق هواء الحرية وإذا كان العدواني قال «هزمتنا الأنظمة ثلاث مرات»، فأنا أقولها عشرات المرات. إن الصحافي البحريني هزمه قانون المطبوعات الذي يعتبر عارا في بلد آل على نفسه أن يكون دولة ديمقراطية من خلال الانفتاح الذي أعانه مليكه بإعلانه ميثاق العمل الوطني. إن هذا القانون - وفي مثل هذه المرحلة - يذكرنا بالمثل القائل بحسب تعبير أحد المثقفين: «أسمع كلامك يعجنبي وأشوف فعايلك آتعجب» على اعتبار كيف يمكن لبلد أعلن قائده الحرية والشفافية والانفتاح ودولة الإصلاح بينما يصدر قانون مطبوعات يحد من حريات الكتاب والصحافيين بهذا الشكل!... ويتم الحديث عن تصحيحه من دون تنفيذ. وبم يجيب المثقف البحريني عن أسئلة زملائه وأشقائه في دول الخليج حين يُواجه بالحديث عن قانون صحافة يكرر عدد مرات التهديد بالسجن للصحافي كلما كح أو تنحنح بما لا يرضي وزارة الإعلام، بينما يريد أن يتباهى ويتفاخر بأنه في عهد الديمقراطية والانفتاح؟

الأسوأ من ذلك هناك صحافيون وكتاب وخصوصا الجدد يعيشون حالة رعب دائمة ويفرضون على أنفسهم رقابة ذاتية لأن قانون أمن الدولة مازال مزروعا في قلوبهم ويحتاجون إلى علاج نفسي حتى يتشافوا منه، حتى صار بعض المسئولين في الصحف يضايقون الصحافي و(يقصقصون) مقالاته وأعمدته من خلال رقابة ذاتية قاسية. كان هذا جوابي على اتهامي من قبل أحد الأحبة أن عمودي «العوسج» يتراوح بين القوة والضعف بحيث يشعر القارئ بأنه قوي أحيانا بينما يجده في أحيان أخرى وكأن من كتبه كاتب مازال يحبو في مجال الصحافة وليس صحافيا قضى أكثر من ثلاثين عاما في هذه المهنة