العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ

اغتيال الشيخ أحمد ياسين... تواطؤ الإرهاب والسياسة

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

استطاع الإرهاب؛ إرهاب الدولة الرسمي وإرهاب المجموعات شبه العسكرية، أن يضرب في أقل من شهر واحد، مواقع مدنيّة متفرقة في أصقاع الدنيا، من الكاظمية وكربلاء في العراق إلى كويتا في باكستان، ومدريد في إسبانيا، وأخيرا لا آخرا، في قطاع غزة في فلسطين المحتلة.

لقد أصاب في ضرباته المجنونة مصالح شعوب متعددة، أنزل فيها خسائر بشرية ومعنوية بالغة، تجاوز فيها كل منطق عقلي وكل مقدس روحي.

وأثبت لكل من لديه نظر يرى وسَمْعِ يسمع وعقل يدرك؛ أنه ذو أصولٍ واحدة على تشعب قواه، وأنه قطعي الضرر، تجمعه سنخيّة واحدة، على ما قلنا مرات عدة في هذه الزاوية، ولكن ما استطاع الإرهاب أن يحققه في شهر واحد ضدّ المصالح والأرواح الإنسانية، وضدّ السياسات المتحالفة والمتعارضة، يكشف أن ما يقال عن الحرب على الإرهاب لا يعدو لغو كلام وذرا للرمادِ في العيون وأنه يوجد تواطؤ ضمني بين الإرهاب وسياسات دولية تسعى إلى السيطرة وشن الحروب واحتلال أراضي الآخرين بالقوة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن خطر «إرهاب الدولة الرسمي» كما هو الحال في ممارسات الكيان الصهيوني، لا تقل خطورة، على المصالح والأرواح الإنسانية، من إرهاب المجموعات الدولية شبه العسكرية، والتي تقيم لها شبكات متعددة، ليست مغلقة بالكامل عن إمكان اختراق أجهزة إرهاب الدولة الرسمي، بل يحصل بينهما ما يشبه تبادل الخدمات، إلى جانب تبادل الخبرات، بصرف النظر عن تبادل الضربات، في مراتٍ محددة.

كانت عملية اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس ومرافقيه ومن كان معه من المصلين مرحلة من مراحل تأوج الإرهاب الرسمي الصهيوني، وهو كما يعرف خبراء الإرهاب، أصيل وعتيق في هذه الصنعة القاتلة، بل لعلّ «دولة إسرائيل» مصداق واقعي للإرهاب الصهيوني؛ من الوجهة المعرفية والتاريخية على السواء، وهو وفق هذا النعت يمثل أصل الإرهاب ونموذجه، بل لعلّه المثال له إذا أردنا استخدام المصطلحات الإفلاطونية في حدّ جوهر الإرهاب وتعيين «مثاله» الذي تحقق على صورته.

إن القراءة السياسية المعمّقة لاغتيال الشيخ أحمد ياسين، وما سبقها وما سيعقبها من ممارسات الإرهاب الصهيوني بصفته الأساسية كإحتلال استيطاني لفلسطين وعملية إبادة منظمة للكيان السياسي للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في وطنه فلسطين، نموذج لإرهاب الاحتلال الذي يجثم على أرض فلسطين، ويضغط على ضمير العالم منذ أكثر من نصف قرن، وهو بذرة كل إرهاب آخر، ومنبت لفروعه المتشعبة.

هذا من جهة أصل الموضوع ومن جهة نتائجه فإن القراءة المتعمقة في ظاهرة الإرهاب الدولي وعملياته الأخيرة، تكشف بشكل صريح أن ضحية الإرهاب الأولى هم العرب والمسلمون وذلك على مستويات مختلفة من مستوى الوجود الإنساني إلى احتلال الأرض، إلى تهديد المصالح إلى تدمير الكيان السياسي والاقتصادي، إلى تخريب عملية النمو والبناء، إلى تخريب الزمان نفسه في الحاضر والمستقبل.

في عمليات كربلاء والكاظمية وكوتيا، العرب والمسلمون هم الضحيّة، وكذلك في عملية مدريد في إسبانيا، إضافة إلى العمليات في فلسطين وتأوجها في اغتيال الشيخ أحمد ياسين في كل هذه العمليات الإرهابية يوجد قاسم مشترك، هو الضحية. وهي في المآل الأخير، المصالح العربية والإسلامية، إلى جانب الضحايا الأبرياء من الأرواح الإنسانية التي حصدها الإرهاب في جنونه القاتل.

لا يعني ذلك أنه لا يوجد إضرار بمصالح الشعب العراقي والباكستاني والإسباني والفلسطيني، كمجال واقعي مباشر لعمليات الإرهاب في الشهر الماضي، ولكن هذا الجانب من الضرر، هو الجانب المباشر والفوري والحاضر، أما الأضرار غير المباشرة واللاحقة والمستقبلية، فهي أضرار تنال من المصالح العربية والإسلامية، بشكل أكثر خطورة من الآثار المباشرة للعمليات الإرهابية ومردّ ذلك إلى مكانة الإرهاب الرسمي الصهيوني، في هرم الإرهاب الدولي؛ وإلى تشعب قواه، حتى يبدو كشرٍ شامل ظاهر ومضمر، وله رياسة الإرهاب في هذا العالم.

لن تستطيع عمليات الإرهاب في المدن والمناطق العراقية أن تقوّض طموح الشعب العراقي لبناء نظامه الجديد، ولن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء في بغداد، واستطاع الإسبان استيعاب المجزرة القاسية، وعادوا إلى حاضنتهم الأوروبية، من موقع أكثر قوة من السابق، ولن تمكن عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين حكومة شارون من تحقيق أهدافها في تدمير الكيان السياسي للشعب الفلسطيني، أو لحركة حماس والمقاومة في فلسطين المحتلة، وإن كشفت عن مراحل جديدة في الصراع، ينعى فيها المسئولون العرب عمليات التسوية ويشكون من عدم وجود شريك لهم في الطرف الآخر، ويطلبون تدخل أميركا، ويرفعون شكواهم إلى المؤسسات الدولية الفاقدة لكل عناصر القوة، ثم يجتمعون بعد أيام في تونس، لتكرار الخطاب العربي القديم وهم يعرفون أن هذا الخطاب لن يجد إذنا صاغية في واشنطن وعواصم القرار الدولي الأخرى إذا وجدت.

فيما تستطيع حركة حماس أن تكمل مسيره المقاومة بعزيمة أشد وتصميم أقوى، ولن يستطيع شارون أن يبتلع بحر غزة ولا أرض فلسطين وتستفيق أوروبا على حقيقة الخداع الأميركي المضلل، وعلى الكذبة الشنعاء في الحرب على الإرهاب فيما نواته الأصلية في الكيان الصهيوني، تجد من قبلهم كل سقاية ورعاية. سيفيق العالم على هذه الحقائق الصعبة ولعلّ دم الشهيد الشيخ أحمد ياسين الممزوج بماء وضوء صلاة الفجر، سيكون كأس جام رؤية حقيقة العالم المعاصر؛ في حروب القتل والإرهاب بلا وازع من عقل أو ضمير.

سيفيق العالم على حقيقة قديمة جديدة، مفادها أن الظلم التاريخي اللاحق بفلسطين وأهلها، هو المقدس الوحيد، الذي يستمطر عذابات الضمير المعاصر، ويكشف عن سوء السياسة الدولية، وعن أشكال العلاقات الملتبسة بين عتاوة الإرهاب الدولي الذين يقدمون أنفسهم زورا وبهتانا، في مواقع محاربة الإرهاب.

نعم إن دماء الشيخ أحمد ياسين الممزوجة بماء وضوء صلاة الفجر، هي كأس جام الإنسان المعاصر الناظر فيه كل أسباب القلق الوجودي؛ المصحوب بكل أسباب القتل والدمار، حين يكون على رأس هذا العالم أشخاص موهوبون بالقتل مثل من نعرف ومن لا نعرف من الأسماء التي يشعر الإنسان عند ذكرها، بكل الحضور البائس والمقيت للشر. فيما يبقى اسم الشيخ أحمد ياسين مقرونا بمعنى الخير ومعنى مقاومة الشر، مصداقا شاهدا على حرية الإنسان وخلاص الإنسانية وعنوانها حرية فلسطين والشعب الفلسطيني

العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً