العدد 579 - الثلثاء 06 أبريل 2004م الموافق 15 صفر 1425هـ

إنني أبحث... إنني أجهل!

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

رصد الإنسان الوجود وما يحيط به من ظواهر ووقائع منذ نشوء الكون وما يزال، فتبلورت عنده الأفكار، وبتكرار محاولاته في التفكر لتفسير وفهم الظواهر الكونية التي وقف عاجزا حيالها في بعض الأحيان، تراكمت لديه حصيلة من المعرفة التي شكلت بعدا حضاريا وإنسانيا تطور بتطور العصور، وأصبح من الاستحالة سد منافذ شغف الإنسان للعلم والمعرفة.

بيد أن الطريق التي يسلكها الإنسان عموما، والباحث في حقول العلم والمعرفة خصوصا، ابتغاء الكشف عن الحقيقة وفي هذا العصر بالذات، تحتاج إلى حسن النظر والدراية بطائفة أساسية من مقومات العلوم والمعرفة بشتى منابعها، علاوة على تملك الأدوات والتقنيات التي تتمثل في مجموعة من القواعد والإجراءات التي قد يراها البعض واضحة وسالكة بمجرد الحصول على المؤهلات العلمية، لكنها في حقيقة الأمر تستدعي بالإضافة إلى ذلك، استحضار تلك الطرق والقواعد والإجراءات والأدوات في صورة سلوك يأخذ شكلا ومضمونا هادفا يساعد في الوصول إلى الحقيقة التي تساهم في تنمية وتحضر المجتمعات الإنسانية، كما أن الحاجة تتطلب بالمقابل صوغ رأي عام عن التعامل مع الحقيقة المنشودة ذاتها، بمعنى، ما إذا امتلك ذلك الباحث إيمانا مسبقا بوجود حقيقة مطلقة، أم حقيقة نسبية تتفاوت في نسبيتها بحسب ظرفيتها الذاتية والموضوعية، الزمنية والمكانية، هذا فضلا عن قدرته على بلورة سؤال مهم، (ماذا؟) يريد الباحث دراسته، وما هي الحقيقة التي ينشد الوصول إليها من وراء هذه الدراسة أو ذلك البحث؟ ليلحقها بالإجابة المهمة عن (الكيفية) التي ستساعده على صوغ تلك الإجابات وغيرها أثناء عملية البحث والدراسة، كما ستعينه على بلورة رؤية واضحة بشأن قضايا مهمة، من مثل مواصفات المنهجيات التي سيسلكها الباحث في استقصاء الحقيقة، وأخرى لها صلة بالموضوع أو بالظاهرة المبحوثة، ولابد من التوقف في محطة مهمة تلك التي تتناول جانبا إنسانيا وعلميا وعلى درجة كبيرة من الحساسية والخطورة وهي ماهية المواصفات والخصائص التي اتفق المهتمون في حقول العلم والمعرفة على توافرها في أي باحث علمي مسئول.

لقد تعددت الآراء والمذاهب بشأن توصيف الباحث، ولعل أهمها كما نرى، هي المواصفات الفكرية والأخلاقية، أما الفكرية، فهي التي تمثل قدرة الباحث على التعبير عن حبه للحقيقة والشعور بها وتمسكه برصد ظواهرها وإدراك أمورها وعلاقاتها، فلا يغير من أمر الحقيقة شيئا مما يتوصل إليه، فقط لأنها تتعارض مع مصالحه الشخصية والمادية، لا بل أن تكون الحجة والبرهان دليله، وهذا ما يميزه كإنسان باحث مسئول عن الإنسان العادي. هناك أمر ثانٍ وهو قدرته على تبني المنهجية العلمية في البحث واستقصاء المعلومة، ودراسة الفرضيات والإشكالات، وبالتالي عرض النتائج التي توصل إليها وتحمل مسئولية الدفاع عنها ونشرها للجمهور.

ثمة أمر آخر، أجمع عليه أصحاب العلم والمعرفة، هو أن يتمتع الباحث بروح النقد والحس النقدي التي تبتعد عن النزوات والأهواء الشخصية، ويفسر هذا السلوك، بالموضوعية والمنطقية، فلا يصدر أحكاما مسبقة من دون تمحيص ودراسة دقيقة مسئولة، إن هذه السمة بالضرورة تبعده عن قبول ما يقدم له على أنه مسلمات وحقائق لا تقبل المجادلة، هل يبدو أن في المسألة مغالاة عندما طالبوا الباحث وحذروه من مغبة الانزلاق في الغرور؟ الإجابة الموضوعية:لا!

وعلى رغم أن المواصفات الفكرية مهمة، فإن الأخلاقية منها تتصدر هي الأخرى القائمة، فمنها الأمانة العلمية التي تعني ألا ينسب الباحث لنفسه ما ليس له، ويستبعد ما يخالفه في الرأي والتوجه، والأمانة تقتضي أن ندين للآخرين بحقوقهم ونعترف بها، وعندما نتوصل إلى الحقيقة: لا نخفي ما لا يناسبنا من الوقائع، فضلا عن تجنب سرقة جهود الغير، فالكشف عن مصادرنا ومراجعنا مهم للغاية، بعيدا عن ظاهرة القص واللصق المعمول بها من قبل الكثير من الباحثين.

والنزاهة هي الأخرى تطل بهيبتها، وتؤكد تجنب كسب العيش من أجل الربح فقط، وبالتالي إنتاج وإعادة إنتاج البحوث المستهلكة فقط لغرض ملء الفراغات بأقلام الباحثين في صفحات الصحف وأرفف المكتبات، أو لقصد الشهرة الشخصية للباحث. وأخيرا، سيكون الباحث إنسانا ناجحا فاعلا في المجتمع حينما يتمتع بالروح العلمية والحيوية والذكاء وحدّة الملاحظة، وسعة الإطلاع، والإيمان العميق بتطور العصر الذي أثبت خلل ظاهرة الباحث (السوبرمان) القادر على إنجاز البحوث والدراسات من دون المشاركة مع فريق عمل أو الانضمام إلى جماعات من الباحثين الهادفين إلى تقصي الحقيقة كل في مجاله... أية حقيقة نقصدها؟ طبعا النسبية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 579 - الثلثاء 06 أبريل 2004م الموافق 15 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً