العدد 593 - الثلثاء 20 أبريل 2004م الموافق 29 صفر 1425هـ

السبورة التي لا يود أحد رؤيتها

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

ستظل «إسرائيل» مشغولة بالدم، هاجمة أو مدافعة عن كيانها، وهي بذلك لن ترى «السبورة» التي يعلقها التاريخ في درسه المجاني، والمكتوب عليها «إن الدم لا يأتي بالسلام، بل يأتي بدم آخر»، وأن «لا سلام عن طريق السلاح»، وبالتالي فإن شهوة إراقة الدماء (دماء الفلسطينيين خصوصا)، ستظل تعمل عملها في دفع هذه السياسة إلى الأمام دائما.

وستظل «إسرائيل» تعتقد أنها باغتيال الرموز الفلسطينية والقيادات الميدانية ستعمل على إنهاك الشعب الفلسطيني ومنظماته، وبالتالي يسهل إملاء شروط السلام عليهما، ولم تتعلم أيضا أن لا استشهاد أبوجهاد، ولا عياش، ولا أبوعلي، ولا الشيخ ياسين، ولا حتى الرنتيسي، ولا الكثير الذين سبقوهم والذين لا شك أنهم سيأتون بعدهم، سيخبو جذوة الانتفاضة، أو العمليات الجريئة في كل الأراضي المحتلة.

ولم تتعلم «إسرائيل» إلى الآن، أن الوقود الحقيقي للعمليات الاستشهادية، هم الشباب الصغار الذين تستثمر اندفاعتهم في تفدية مبادئهم بأرواحهم، فلم نسمع عن استشهادي في الأربعين من عمره مثلا إلا عندما كان عبدالقادر الحسيني يقود الكفاح المسلح ضد العصابات الصهيونية في بدايات قيام الكيان الصهيوني، وبالتالي، فإن الأوقات المقبلة على هذا الكيان لن تكون - بأية حال - أفضل مما مضى، فقوافل الاستشهاديين ستتواصل ما دام الكيان يواصل الاستفزاز والدهم والهدم والاغتيال العشوائي والانتقائي، واستخدام أميركا كغطاء دائم ولازم لأية خطوة يقوم بها.

إن اغتيال الرنتيسي قد يربك «حماس» لفترة من الزمن، وقد يدخلها في حسابات معقدة في النهج الذي ستسير عليه في المستقبل بعد أن فقدت في أقل من شهر واحد المرشد الروحي والقائد الميداني الصلب والمحنك، ولكن الحركة لن تعدم توليد قيادات عسكرية وسياسية أخرى، وعلى «إسرائيل» إما دراستها من جديد وحفظها عن ظهر قلب، وإما التعامل معها بأقصر الطرق وأقلها حنكة، وهي التصفية، على ما للتصفيات من تبعات دموية.

هذا على الجانب الإسرائيلي، أما على الجانب العربي الفلسطيني، فلا أحد أيضا يود النظر إلى السبورة ذاتها التي كتب عليها أيضا أن «الحق مع القوة» على رغم «وقاحة» هذا التعبير، إلا أنه الواقع الذي لا نزال لا نود تصديقه أو الإيمان به أو السعي إليه، مع حفظنا وترديدنا «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...»، فلا تزال الدول العربية تتفاوض و«تبوّس» لحى بعضها من أجل عقد قمة معروف سلفا ما سيصدر عنها، محفوظة تلك العبارات التي تزخرف البيانات الختامية والتوصيات، والتي لم ترق في أية قمة مضت إلى مستوى الألم الذي يعتصر الأمة، والتي لم تزد عن ترديد أن الأمة تواجه منعطفا خطيرا، حتى باتت حياة هذه الأمة لا تخرج من المنعطفات، ولم تعش يوما في خط مستقيم أبدا، ولا يعلم الشارع العربي لم الإصرار على عقدها مادامت ستنتهي بهم إلى بيان ورقي، وليت الدول المشاركة تطبق معشار ما يجيء فيه، وعلى من يشك في هذا الكلام أن يرجع إلى آخر خمس قمم عربية ليرى مدى ما أنتجته البيانات الختامية من ضعف، وما تم تطبيقه من هذا الضعف أيضا.

لم نتعلم إلى الآن، أو لا نود أن نتعلم أن في يد الولايات المتحدة 99 في المئة من أوراق الحل، هذه الأوراق التي قدمتها الأمة طوعا إلى أميركا، وصارت الآن تطالب بأن تستخدمها الولايات المتحدة بما يفيدها، ولا يمكننا تفهّم هذا التعلق بأميركا مادامت تقول - وعبر كل الإدارات المتوالية على البيت الأبيض - أنها ملتزمة بأمن وتفوق «إسرائيل» على جيرانها، هكذا بلا مواربة أو «اكتشاف» من خلال سقطات اللسان، وليس أدل على هذا ولا أقرب من الرسالة التي رد بها جورج بوش على رئيس الوزراء الإسرائيلي عقب إعلانه «خطة فك الارتباط»... وفي المقابل فلا أحد يدري أين تكمن الورقة الوحيدة من الأوراق المئة، لعلنا نستفيد منها إذ من الواضح أنها أيضا خارج أيدينا.

لم نتعلم من هذه التجارب أن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، فلم نفلح في اتخاذ موقف قوي وصلب تجاه أي من قضايانا المصيرية، إذ يتوالى ظهور المتراخين والصبيانيين، وتطفو المشكلات العالقة لمدة سنة مضت لتتفجر في القمة، وتسقط المقترحات إلى الهاوية، وبالتالي، تم جر الدول العربية إلى مفاوضات سلام الواحدة تلو الأخرى، ومن تعفف عن هذه اللقاءات «اخترعت» له طريقة يواري بها سوءته وذلك عن طريق لقاءات الدهاليز، ولما انكشف الغطاء فجأة ووجدت هذه الدول نفسها تحت النور عارية من جميع ما أنتجته الإنسانية السياسية من تبريرات، راحت تتواقح وتنفض عنها الخجل المصطنع، وتبرر ـ بل وتشجع - المضي قدما في التعاون والتفاهم مع العدو... أو من كنا نظنه عدوا، أو أوحت إلينا الأنظمة بعداوته في وقت مضى. أما الذين تعلموا حقا، فذهبوا إلى حيث يستحقون، ففي حديث له صفة التهكم، قال محلل إسرئيلي - كان يتحدث يوم أمس الأول (الأحد) إلى محطة «بي بي سي» العربية إن عبدالعزيز الرنتيسي إن أراد أن يستمر في التحريض ضد «إسرائيل» فليفعل ذلك الآن في «جنان الله الوارفة، بين أيدي 72 من الحور العين»

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 593 - الثلثاء 20 أبريل 2004م الموافق 29 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً