العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ

خربشات... ولكنها جميلة

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

في النصف الثاني من التسعينات، زار البحرين وفد فني روسي، ليعرض بعض أعماله وليتعرف أيضا على ما لدى الفنانين البحرينيين من تقدم على هذا المستوى، إلا أنه أراد الخروج من الصالات المغلقة إلى فضاء الناس والشارع، فاسترعت انتباهه تلك البيوت الكثيرة التي صبغت جدرانها بأكثر من لون في غير تناسق، وبشكل كان القبح هو المسيطر عليها... وبعد تردد سأل بعض أفراد الوفد دليله البحريني: «هل هذا ذوق البحرينيين في صبغ جدران بيوتهم؟».

بعد شرح قصير من الدليل، تبين للوفد أن هناك احتجاجات سياسية، كتبت على جدران منازل كثيرة، سواء برضا أو عدم رضا أصحابها، وتمت إزالة هذه الشعارات أو بالأحرى طمسها مرة تلو المرة، حتى تشكل هذا المنظر المتناهي في القبح والذي لا يستقيم مع الذائقة السليمة.

كان التفكير ينصب على كيفية إزالة هذه المخلفات والظهور بشكل جديد للتدليل على نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة، ولكن العوائق المادية، ووجود ملفات أكثر أهمية لدى القائمين على الشأن البلدي ربما أخرت أمر العناية بعدد كبير من البيوت التي لا يستطيع أصحابها إعادة دهنها من جديد، إلا أن تجارب شباب البلاد القديم، والتي عرضتها «الوسط» في وقت سابق، واليوم، مع تأصيل فن الجداريات من خلال «أصيلة البحرين»، فقد آذن للقبح أن يتغير، وللخربشات الجميلة أن تحل محلها، وخصوصا أن الفنان البحريني أصبح مشاركا فاعلا في هذا اللون من التعاطي، وأن ما يرسم على الجدران بات يشكل علامات فارقة عن الأشكال الجامدة التي اكتفت البيوت بها بشكل عام.

سيظل لتعانق الخط العربي، واللون والفنون الجميلة الأخرى وقع لا يُنسى، فمنذ ربع قرن أو أكثر، والعين لا تمل تأمل مشهد رجل بدوي مع صقوره وطيوره في الصحراء، وهو المرسوم على «جدارية» أحد المنازل في القفول، إذ كانت جدارية يتيمة ربما حتى سنين قليلة، قبل أن «ينتفض» شباب البلاد القديم ويزينوا بخطوط رائعة جدران منازل منطقتهم، ويتبعهم اليوم فنانون محليون وعرب وعالميون في عمل الشيء نفسه، وبإيقاعات مختلفة.

إنها دعوة متجددة للخربشة على الجدران من جديد، إضافة روح لها، لتجب بألوانها وأفكارها وروحها ما عملت علب «الرش» و«الرش المضاد» على تشويهه، وحتى تغدو الريشة البحرينية في ورشة عمل مفتوحة الوقت، مفتوحة الساحات، منبهة إلى أن حياكة الجمال هو قدر الناس هنا، مهما مرت علينا من أوقات عصيبة، أو استثناءات متوحشة

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً