العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ

الأكراد أيضا عقبة أمام دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي

تركيا وتعاطيها مع الملف القبرصي

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

عاملان يشغلان تركيا في هذه الأيام، العامل الأول: سعيها لدخول الاتحاد الاوروبي، والعامل الثاني تتمة للعامل الأول، وهو إزالة العوائق أمام الطريق المؤدي الى هذا الاتحاد.

ولعل أمرين يشكلان عقبة كبرى تحول دون وصول تركيا الى تحقيق مسعاها، الأول مشكلة قبرص التي نتجت عن احتلال تركيا لجزء من جزيرة قبرص العام 1974، والثاني متعلق بحقوق الإنسان والحريات وخصوصا المسألة الكردية.

من دون شك أن تركيا حريصة على التفاهم مع الطرف اليوناني بشأن قبرص أكثر من أي وقت مضى، ولعل السر الذي يقف خلف الحرص التركي هذه الأيام هو تحقيق الحلم التركي العتيق بدخول البيت الاوروبي، ولأجل هذا الحلم استطاع اردوغان ان يقول لدنكطاش في زيارته الاخيرة لتركيا: «على رؤوف دنكطاش الذهاب الى قبرص وان يطلب الدعم من شعبه. على دنكطاش ألا يعمل في تركيا، الدعم الوحيد الذي يفيده هو من الشعب القبرصي».

كلام اردوغان له معنى ودلالة كبيران، ولعل في جديته يكمن قبول الخطة التي عرضها عنان اخيرا على الاطراف. ومن المعروف ان اردوغان جدي جدا في سعيه لقبول هذه المحاولة الاخيرة للدخول الى البيت الاوروبي، ولكن ما لا يستطيع ادراكه هو ان دخوله الاتحاد الاوروبي ليس سببه مشكلة قبرص فقط بل هناك مشكلات عدة تقف عائقا امام الاختراق التركي للوسط الاوروبي ولعل المشكلة الكبرى: المسألة الكردية، وهي مسألة لا تفيدها علاجات وقائية تشوبها انتهازية مفرطة، إذ كل الحلول التركية عادت على المسألة الكردية بالسلبية، ويمكن قراءة ذلك من خلال النقاط الآتية:

- استطاعت تركيا انتزاع اتفاقات أمنية مع جيرانها: اتفاق «أدنة» الامني مع سورية، وفيما بعد في زمن حزب العدالة والتنمية استطاعت ان تبني علاقات اقتصادية وثقافية وسياحية معها؛ ومع إيران اتفاق مشابه، الأمر الذي دفع الدولتين إلى ملاحقة انصار وقيادات حزب العمال واعتقالهم وزجّهم في السجون، ومن ثم تسليمهم الى السلطات الامنية التركية.

- استطاعت تركيا وقف نشاطات حزب العمال الكردستاني وحصره في زاوية جبلية في كردستان العراق لا حول له و لا قوة، وينتظر القرار الأميركي بقلق غامر.

- استطاعت ان تقنع الحكومة الاميركية وخصوصا في الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان للولايات المتحدة بضرورة إضافة حزب جديد «مؤتمر الشعب الكردستاني» الى قائمة المنظمات «الإرهابية»، وبالتالي إقناعها بأن الحزب الجديد لا يختلف عن حزب «العمال» بل تتمة أو استمرار لذاك الحزب الذي مازال اسمه موجودا في القائمة الأميركية والأوروبية للمنظمات المتهمة بالإرهاب.

- تحت الضغط التركي يتابع الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر أنصار «الحزب» الذين مازالوا موجودين في كردستان العراق وتبليغهم - ابلاغ عناصر الحزب - بأن أي عمل ضد تركيا انطلاقا من شمال العراق أمر غير مرغوب فيه، بل ان رسالة بريمر كانت أقوى الى حزب العمال حينما صرح بأن مؤتمر الشعب الكردستاني منظمة إرهابية، أو هو استمرار لحزب «العمال الكردستاني الإرهابي»، وبالتالي لا مكان «لمنظمات إرهابية» في العراق.

- الضغط التركي دفع حزب العمال الى تأسيس أحزاب جديدة في باقي أجزاء كردستان، ودفع عناصره في تلك الاجزاء إلى الانضمام اليها للتخفيف وطأة الثقل عن انفسهم، وهو سلاح ذو حدين لدى تركيا، سلاح يمكن من خلاله تهديد سورية وإيران من خلال نشاطات هذه الأحزاب ضد هاتين الدولتين ومطالبتها بحقوق الأكراد فيها، وسلاح تقلل به تركيا من حجم الضغوطات والتهديد على نفسها.

- استطاعت تركيا أن تقنع الجانب الاوروبي بأن وطأة الاضطهاد على الأكراد لدى تركيا قد خفت وفي طريقها الى الزوال على رغم ان تركيا لم تعط للأكراد شيئا يناسب حجمهم ووجودهم وهي التي لا غيّرت الدستور ولا أضافت فيه بأن الأكراد شعب أساسي في تركيا.

- استطاعت أن تقنع الحكومة الفرنسية بأن قناة (ميديا) التلفزيونية، وهي القناة نفسها (medya tv) التي أغلقت بسبب أنها تشجع الارهاب في الأيام التي تلت اعتقال اوجلان، الأمر الذي دفع فرنسا إلى عدم تمديد المهلة للبث، وبالتالي أغلقت هذه القناة. يذكر ان إغلاق الفضائية الكردية كان احد الشروط الامنية التي قدمتها السلطات الأمنية التركية قبل أكثر من عام الى حزب العمال حتى تكون تركيا جاهزة للعفو الجزئي عن الحزب.

- لم تنقل مكان سجن اوجلان الافرادي بعيدا عن السجناء ولم تراع وضع اوجلان الصحي، وكما هي - تركيا - لم تطلق سراح البرلمانيين الأربعة بما فيهم البرلمانية ليلى زانا، على رغم دفاع المنظمات الحقوقية والمدافعة عن الحريات في اوروبا وأميركا عن هؤلاء البرلمانيين.

- الضغط على الدول الاوروبية للحؤول دون قبول الدعوة التي قدمها محامو اوجلان الى محكمة حقوق الانسان لمحاكمته في محكمة حقوق الإنسان الاوروبية.

- لم تقم بأية عملية تنمية في القرى والمدن في كردستان تركيا، ولم تعوض المهجرين، ولم تبن القرى أو تعيد المهجرين إليها. كما انها لم تحل الميليشيات التي أسستها السلطات الأمنية (حراس القرى) لأجل محاربة حزب العمال الكردستاني وإفشال خططه.

- الضغط التركي على اوجلان وضغط مشروع اوجلان للحزب (تحت اسم قديم أو جديد) ما دفع الحزب الى تغيير اسمه ثلاث مرات من «العمال الكردستاني» الى «كاديك» الى «مؤتمر الشعب الكردستاني»، إذ أخلّ هذا الضغط بتوازن الحزب ووضعه في وضع غير مستقر ومضطرب.

من المفيد القول هنا ان حدود العقبات لا تقف عند المشكلة القبرصية والمسألة الكردية، بل هناك فضلا عما سلف نقاط عدة هي بمثابة عوائق أمام تحقيق هذا الحلم. ولعل حال العسكر في تركيا وحال الهوية الدينية هذا فضلا عن ان للمسألة الجغرافية دورا كبيرا في ذلك، فليست كل مناطق تركيا اوروبية، واذا سلخنا تركيا من اسطنبول وازمير فلا يبقى شيء من اوروبيتها.

ربما امام تركيا طريق وحيد هو معالجة كل العوائق بشكل اكثر ديمقراطية من خلال مشاركة شعبية فاعلة (الاحزاب، منظمات، نقابات، القوميات) ومن خلال إيجاد بيئة ملائمة ومناسبة لظروف دولية جديدة

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً