العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ

هل يستطيع اتحاد نقابات عمال البحرين تحقيق مطالب العمال؟

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

الاحتفال السنوي في البحرين بعيد العمال في الفاتح من مايو/ أيار، ربما يكون مؤشرا على الانفتاح السياسي في في البحرين، وربما يكون مؤشرا على محدودية حرية الحركة العمالية في البحرين، التي سمح لها بتكوين اتحاد نقابات خاص بها، لكنها وبكل تأكيد لن تحصل على استقلاليتها الكاملة لكي تكون نقابات عمالية فاعلة لا تكون للحكومة وصاية عليها، ليس هناك مجال للشك في أن إدارة النقابات العمالية منتخبة انتخابا ديمقراطيا لكنها لا تستطيع تحقيق مطالب العمال لعدة أسباب، وبما ان حقوق العمال أصبحت من الإرث الديمقراطي الذي تجب صيانته، فقد أصبح الشغل الشاغل لنقابات العمال العمالية بعد ثورة العمال في شيكاغو العام 1886، على الظلم الاجتماعي واستبداد أصحاب العمل.

الحركة العمالية في العالم نجحت العام 1900 في اعتبار الأول من مايو من كل عام عيدا لها، وفي إخضاع الحكومات لتنفيذ مطالبها، بتحسين أوضاع العمل وإنشاء نقابات عمالية تحمي مصالحهم، وتطبيق قوانين حماية الفرد من البطالة. الحكومة الديمقراطية التي لا تستطيع توفير الحد الأدنى من مطالب العمال، أو تخفض مستويات نسبة البطالة إلى 2 في المئة تتعرض للسقوط في أول أزمة مواجهة مع العمال، وحدث ذلك في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وكندا واستراليا.

وسنتعرض لأسلوب البلدان الديمقراطية في صيانة حق العمل وحماية الفرد والمجتمع والاقتصاد الوطني، من الآثار المترتبة على عدم استفزاز سوق العمل وتفشي البطالة في المجتمع. وكان لمسألة الوجود العمالي الأجنبي في ثورة العمال في شيكاغو على الظلم الاجتماعي واستبداد أصحاب العمل، كانت أميركية بحتة قبل أن تكون أممية، ولها خصوصيتها الأميركية. لكن الحركة العمالية في العالم التي نجحت في اعتبار الأول من مايو من كل عام عيدا لها، لها منطلقات ومفاهيم أممية تؤمن بحتمية تلاحم العمال الأممي، ومازالت تطور الحركة النقابية العمالية. حقوق العمل في البحرين تكفله الدولة وفقا للمادة 13 من دستور البحرين التي تنص الفقرة (ب) منه على ما يأتي: «تكفل الدولة توفير العمل للمواطنين وعدالة شروطه». كذلك وردت هذه الفقرة في الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني «المقومات الأساسية للمجتمع» سابعا «العمل واجب وحق» الفقرة الثانية: «وتكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برنامج التنمية الاقتصادية الوطنية».

حركة النقابات العمالية ظهرت في بريطانيا في القرن الـ 18 مع مطلع الثورة الصناعية في أوروبا، وامتدت إلى أوروبا وأميركا في القرن الـ 19. وشهدت تطورا سريعا بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا، وبذلك أصبحت قوة سياسية لا يُستهان بها وخصوصا في أوروبا بعد إنشاء حزب العمال البريطاني العام 1906. ونال العمال البريطانيون حقوقهم في العام 1871 بموجب تشريع البرلمان الذي أصبح قانونا فيما بعد، وأنشئت بموجبه النقابات العمالية، وتبعتها الولايات المتحدة بإنشاء الاتحاد العمالي الفيدرالي الأميركي AFL العام 1886 على يد الزعيم العمالي بيتر ماكويير، عندما تمكن من جمع 10000 عامل في وسط نيويورك للمطالبة بالحقوق العمالية وإنشاء نقابة خاصة بهم.

الحركة العمالية أخذت الشكل الدولي عندما أنشئت منظمة العمل الدولية العام 1919، وكانت آنذاك إحدى وكالات رابطة الأمم المتحدة حتى تحولت إلى منظمة دولية بعد إنشاء الأمم المتحدة العام 1946. من أهداف المنظمة: حماية حقوق العمال حول العالم، تقديم العون المادي والمعنوي والتقني للحركات العمالية الدولية. المنظمة تعترف بالتجمعات العمالية غير الرسمية وتقدم إليها المساعدات المالية للمشاركة في الاجتماعات السنوية للمنظمة لكونها منظمات دولية غير حكومية، وتستطيع هذه الحركات العمالية مناقشة الوفود العمالية الحكومية في البلدان التي لا تعترف بحق العمال في إنشاء نقابات خاصة بهم. بعد الحرب العالمية الثانية صدر أهم قرار عن المنظمة، الذي وضع معايير دولية لإنشاء النقابات العمالية.

العمالية البحرينية ظهرت في الثلاثينات من القرن العشرين ولكنها لم تأخذ شكلا تنظيميا إلا في الستينات، وحصلت على الاعتراف الحكومي في السبعينات لما أنشئت لجنة عمال البحرين، وتطورت الحركة لكي تصبح اتحادا، وفي سبتمبر/ أيلول 2002 قرر جلالة الملك السماح بممارسة العمال للعمل النقابي المنظم رسميا بقوة القانون. من أهم إنجازات النقابات العمالية اعتراف الحكومات بالقوى العاملة الوطنية ومساهماتها في تنمية الموارد البشرية، الواقع أن القوى العمالية إذا لم تستخدم كل طاقتها للتنمية الاقتصادية، ستكون مؤشرا على تردي الأوضاع الاقتصادية، وسيقاس ذلك المؤشر بمقدار نسبة الارتفاع في البطالة التي قد تصل في بعض البلدان النامية إلى 40 في المئة. لكن النقابات البحرينية ليست لديها القدرة على فرض مطالبها بالاحتجاج العلني في الشوارع إلى اللجوء إلى الإضراب العام لرفع الأجور وتحسين الوضع المعيشي للعمال، وهذا يحتاج إلى جهود لتثقيف العمال بالحركة وأهدافها.

وللتغلب على المصاعب التي تنشأ من تفشي البطالة لجأت النقابات العمالية إلى وضع برامج حكومية لحماية العاطلين عن العمل اقتصاديا. وهناك عدة برامج تتبعها الدول لحماية الفرد من البطالة معتمدة على الإحصاءات التي تنشرها مكاتب النقابات العمالية عن حال البطالة، وفي حال حدوث أزمة بطالة خانقة، وُضع ما يُعرف ببرنامج التشغيل الكامل: في العام 1941، تبنت بريطانيا سياسة جديدة للعمل، تهدف إلى إتاحة الوظائف لكل من يرغب في العمل. وبموجبها عندما تفشل الاعمال التجارية والصناعية في توفير وظائف كافية، فإن الحكومة يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لإيجاد الوظائف. وقد تبنت كثير من الدول الصناعية الديمقراطية مثل هذه السياسة. والواقع أن سياسات التشغيل الكامل تهدف من ضمن أمور أخرى، إلى خفض معدلات البطالة إلى 3 أو 4 في المئة، وبذلك تنحصر البطالة في شكلها الهيكلي أو قصير الأمد. ويجادل بعض الاقتصاديين في أنه من المحتم أن تكون معدلات البطالة أعلى من ذلك من أجل كبح التضخم أو ارتفاع الأسعار.

نحن في البحرين بحاجة إلى رفع الوصاية الحكومية المفروضة على الحركة العمالية، وتأسيس نقابات عمالية يجب أن يحظى بالنصيب الأكبر من النقاش. من ناحية أخرى، تجب مناقشة وضع العمالة الأجنبية في البحرين، عمال البحرين يعتبرون وجودها خطرا ربما يقوّض نضال عمال البحرين من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة. إذا تطبيق المعايير الدولية لإنشاء النقابات العمالية يجب أن يتماشى مع القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية المواطن من تفشي البطالة في المجتمع. ليس هناك شك في أن حقوق العمال أصبحت من الموضوعات الساخنة في الأنظمة الديمقراطية وهذا يتطلب من ضمن أمور أخرى تطبيق المعايير الدولية التي أقرتها منظمة العمل الدولية، ومن ضمنها عدم التمييز بين العمال سواء كانوا أجانب أو مواطنين.

السؤال المطروح هو: كيف يمكن للنقابات العمالية البحرينية تكيف الأجانب، وإدماجهم في قضايا ومشكلات العمال البحرينيين؟ وهل تستطيع وضع أولويات لخصوصيات الحركة العمالية، لدرء أخطار تطبيق بعض المعايير الدولية الخاصة بعمل النقابات العمالية فيما يتعلق وحقوق العمالة الوافدة؟ ليس هناك مجال للشك في أن غالبية القوى العمالية في البحرين من الأجانب، وهذا يفرض مواجهة مشكلات العمالة الأجنبية منها:

1- الاعتراف بحق العمال الأجانب في الإضراب وتحسين الأوضاع المعيشية وزيادة الأجور.

2- الاعتراف بالمواطنة للعمال الأجانب، وهذا يتطلب منحهم جوازات سفر بحرينية وامتيازات وطنية.

3- الاعتراف بحق العمال الأجانب في الانتخاب والترشيح للنقابات العمالية، وهذا يتطلب دمجهم في المجتمع البحريني.

لذلك، فإن عدم اعتراف النقابات العمالية بحقوق العمال الأجانب سيعرضها للمساءلة في منظمة العمل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان الدولية، بالإضافة إلى منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، والنتيجة ستكون تبني البحرين تركيبة سكانية تعمد على تعدد الأعراق تماما كما حدث في سنغافورة.

في الحقيقة ان تعرضنا لهذا الموقف يفرض علينا إيجاد حل عملي للمشكلة يتمثل في وضع قوانين ولوائح داخلية لكل نقابة بحرينية، تعتمد على نظرة أحادية للنموذج والخصوصية البحرينية. وهذا طبعا يتطلب إيجاد المصوغات القانونية لإبعاد العمال الأجانب عن الجانب التنظيمي للعمال، باعتبار أن العمال مأجورون مؤقتون يتم جلبهم عن طريق العقود القصيرة الأجل التي لا تتجاوز مدتها السنة الواحدة. السؤال المطروح هو: ما خطط اتحاد عمال البحرين للقضاء على البطالة؟ هل لديه برنامج للتشغيل الكامل أو برنامج تأمين ضد البطالة؟ لماذا لا تشكل لجنة وطنية تضم ممثلين عن الحكومة وأصحاب العمل والعمال لوضع خطة متكاملة للتغلب على مشكلة البطالة؟ الواقع أن اتحاد نقابات العمال لم يحقق هدف القضاء على البطالة في البحرين بنسبة 10 في المئة سنويا، من هنا لابد من الاستعانة بالخبرة الدولية لمنظمة العمل الدولية في مجال وضع برامج التدريب وصقل العمال. الواقع أن استمرار جلب الأيدي العاملة للعمل في جميع القطاعات الاقتصادية ووظائف الدولة سيخلق مشكلات قانونية في لجان منظمة العمل الدولية وحقوق الإنسان العالمية تتفاقم كل سنة. كما يجب نشر إحصاءات منتظمة عن حالة البطالة في البحرين لتقييم حجم المشكلة

العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً