العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ

ما أخبار جدحفص؟!

علي الشرقي ali.alsharqi [at] alwasatnews.com

سألني أكثر من سائل، في أكثر من مكان، وفي أكثر من مناسبة: كيف حال جدحفص؟!

سؤال خطير، مكون من كلمتين، وقد أجبت عليه بكلمتين أيضا فقلت: جدحفص كما هي!!.

وفي اعتقادي أن السؤال المتقدم لا تكفي إجابته كلمتان ولا صفحتان، بل صفحات وصفحات، إذا أردنا أن نتحلى - فعلا - بـ «الشفافية» كما يقولون، أي قصدنا كشف الحقائق وتسليط الأضواء على الواقع الذي لايزال متخلفا عن واقع الآخرين، وعن آمالنا نحن تجاهه، لأسباب بعضها معلوم، وبعضها الآخر مجهول.

وهنا مقدمة لابد منها:

إنني قروي جدحفصي بالأصالة، فيها وُلدت، وفيها نشأت، وأتمنى أن أُدفن تحت ترابها بجوار أمي وأبي، وأهلي وأبناء «ديرتي»، يسرني ما يسرها، ويضرني ما يضرها، وأعتز كثيرا لكوني قرويا جدحفصيا، ولا يغير عندي أن أسماها قوم «قرية» وأسماها آخرون «مدينة» فالعبرة باللباب، وليس بالقشور.

والآن، دعونا نجيب على السؤال القصير الكبير الذي افتتحنا به هذا الكلام.

إن قولي: جدحفص كما هي، أعني به أنها لم تتغير نحو الأفضل الذي ينشده المخلصون من أبناء جدحفص وغيرهم، الذين يتألمون لرواسب الماضي الذي ظل يتحكم - حتى الآن - في سلوكيات البعض وأخلاقياتهم، هذا البعض الذي يمر بك فلا يُسلم، أو تمر به وتُسلم فلا يرد السلام، وفي كلا الحالين تجده معرضا، وكان بالأمس القريب غير ذلك تماما... هذا مثال واحد. ومثال آخر: لايزال البعض يرى شرار قومه أفضل من خيار قوم آخرين، وحتى شعائره الدينية غير شعائرهم، بفعل العصبية الجاهلية، متناسين قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله «ليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية».

كم يؤلمني ويؤلم الغيارى غيري أن تتحول جدحفص - وهي دار العلم والعلماء، والمفكرين والأدباء، ورجال الأعمال والبسطاء منذ القدم - أن تتحول الى كيان ضعيف معزول عن أشقائه وشركائه في العقيدة والوطن، لا لشيء إلا لاختلاف بعض الآراء وفعل العصبية السوداء.

لقد ضاع معظم المواهب والطاقات التي كانت تزخر بها جدحفص، وطُمست غالبية تلك الابداعات التي كانت يُضرب بها المثل، وحلت محلها قلوب مليئة بالشحناء، ونفوس ترى الآخرين أعداء أو شبه أعداء.

نعم... لقد تقطعت الأرحام، وانفصمت العلائق، ولم يبق الا بعض كلمات خاوية ومظاهر بعيدة عن الصدق، وذابت المشاعر الاجتماعية الحقة القائمة على المودة والحب... فوا أسفاه.

لست أهدف من وراء كلماتي هذه الإثارة، أو المساس بأي أحد كما قد يتصور البعض، بمقدار ما هي تذكير وتشخيص لأسباب الجراح التي مازالت تنزف، والجسد الذي سيبقى يعاني ويعاني ما لم تتداركه أيدي المسعفين من أبناء جدحفص وسواهم، حتى يعود هذا الجسم معافى، بعد أن أهلكته الأسقام وأنهكته كثرة الآلام.

وأعتقد - جازما - أن جدحفص لم تخلُ من مخلصين قادرين على فعل الخير وانتشال السفينة التي تشرف على الغرق، وإصلاحها حتى تسير بأهلها على هدى، غير عابئة بالأمواج العاتية والعواصف الهوجاء، معتمدة على سواعد أبنائها الغيارى الأقوياء، وعند ذلك ليسألْ السائل: ما أخبار جدحفص؟! فنجيبه بكل فخر: جدحفص ليست كما هي، فقد عادت قوية في جسدها وقلبها وعقلها، بصيرة بأهدافها، قادرة على تحقيق آمالها التي هي آمال الوطن في الوحدة والألفة والتلاحم الذي يتحدى الزمن، وعندها نقول: أهلا جدحفص، فانتِ في قلوبنا جميعا، ودمتِ سالمة... اللهم آمين

إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"

العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً