العدد 622 - الأربعاء 19 مايو 2004م الموافق 29 ربيع الاول 1425هـ

خالد آل خليفة: مطلوب تشديد العقوبة على المجرمين

حتى لا يصبح جزاء السارق مغريا

الحديث عن ظاهرة السرقات، وفتح الملفات المتعلقة بالظاهرة بكل أبعادها ودواعيها والمطالبات الشعبية المنادية بالحد منها، تذكرنا بظاهرة الحوادث المرورية، إذ تتقاطع هذه الأخيرة مع ظاهرة السرقات (الجديدة القديمة) في نقاط التقاء كثيرة منها الانتشار وتحول المشكلة إلى ظاهرة ووقوف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام تعاظمها، مقابل صوغ حلول جذرية وتفعيلها. فلا الحوادث على رغم تكثيف الجهود ومعها العقوبات توقفت عن حصد الأرواح، ولا القبض على الجناة والسراق، كان رادعا يحول دون استمرار مسلسل السرقات الذي ينشط بين الفينة والأخرى لكنه لم يشل يوما. يرى المراقبون أن ارتفاع وتيرة السرقات يرتبط بموسم الإجازة الصيفية والفراغ، بينما يرجعه البعض إلى داء البطالة الذي يدفع المحتاجين من أصحاب النفوس الضعيفة إلى السطو على ممتلكات الآخرين... في سياق التحقيق الآتي نقف عند ظاهرة السرقات علنا نوفق في عرض زواياها.

«تعرضت ثمانية منازل في سترة للسرقة خلال أيام العيد فقد استغل اللصوص فرحة الأهالي بالعيد والخروج لزيارة أقاربهم وقاموا بسرقة ثمانية بيوت دفعة واحدة وعلى رغم وجود دوريات شرطة في المنطقة إلا ان اللصوص قاموا بدورهم على أكمل وجه».

«تلقت النيابة العامة بلاغا بقيا ملثمين بمهاجمة مخزن في بناية تحت الإنشاء إذ قاموا بشل حركة الحارس بوضع قطعة خشبية كبيرة على رقبته، وأقدموا على طعنه بآلة حادة، وأمرت النيابة العامة بضبط الفاعلين وإلقاء القبض عليهم».

«دورية تلقي القبض على أربعة لصوص سرقوا سيارة ومحل هواتف».

وكثير من العناوين المختلفة التي نقرأها على صفحات الصحف المحلية، والتي تجعلنا نسأل عن أسباب تغير المجتمع البحريني؟ ففي السبعينات كانت الأهالي تترك أبواب البيوت مفتوحة طوال الوقت، حتى ان البعض لم يكن يعرف كيف تغلق الأبواب.

لماذا أصبحنا نغلق الأبواب، البعض يضع أجهزة إنذار، والبعض يتخذ كل الاحتياطات الممكنة، وعلى رغم ذلك تتكرر حوادث السرقات؟

رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس الشورى الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة يتحدث عن الأمن الوقائي باعتباره من أهم الوسائل التي يمكن أن تحقق الأمن في المجتمع البحريني، كيف يمكن أن نطبق الأمن الوقائي؟ وهل يمكن أن يحل مشكلة السرقات التي أصبح يعاني منها المجتمع؟

ليس قانونا

ما مفهوم الأمن الوقائي؟

- الأمن الوقائي ليس قانونا تصدره جهة تشريعية، ولكنه مجموعة من الإجراءات تتمثل في توعية الناس بالمحافظة على ممتلكاتها، سواء كانت هذه الممتلكات مؤسسات تجارية أو صناعية أو ممتلكات خاصة، فسرقات المصارف التي بدأت في مجتمعنا هي نوعية جديدة من السرقات لم تكن موجودة في السابق، ولم يعرفها المجتمع البحريني من قبل وهي ناتجة عن تزايد متطلبات الحياة التي تدفع البعض لإيجاد وسائل غير مشروعة للحصول على هذه المتطلبات، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم الجهاز الأمني في وزارة الداخلية أن يوفر حراسة وحماية لكل فرع من فروع المصارف والمؤسسات في البحرين، لا توجد دولة في العالم يمكن أن توفر هذه الحراسات.

إذا ما المطلوب بالتحديد؟

- لابد أن توفر المصارف حدا أدنى من الحراسة، ونحن لا ننكر التقنيات العالية التي وصلت إليها المصارف والتي تتمثل في المعاملات المصرفية المختلفة، ولكن المصارف لا تمتلك وسائل الحراسة التي يمكن أن تحمي بها أموالها، فحتى المصارف الصغيرة بحاجة إلى توفير حماية لها لامتلاكها مبالغ لا يستهان بها، وهنا لابد من استخدام تقنيات للحماية مثل تركيب كاميرات التصوير، وأجهزة التسجيل، والحمايات الالكترونية، إذا التركيز على الحارس والموظفين والأجهزة ثم إذا وقع حادث جنائي تستدعي له المعنين بالأمر، وتكون الأجهزة الأمنية وحدها المختصة بالبحث عن الجناة، وهذا لا ينطبق على المصارف وحدها ولكنه ينطبق على كل المؤسسات الكبيرة حتى على البيوت.

مجتمعية وأمنية

ما السبب في زيادة حوادث السرقات؟

- لا شك في ان المجتمع عندما يقدم على تطور كبير مثل التطورات التي حدثت في المجتمعات الخليجية بشكل عام وفي المجتمع البحريني بشكل خاص لابد أن يصاحب هذا التطور تطورات أخرى على أصعدة مختلفة ومنها التطورات الأمنية، والمجتمع البحريني بعد الانفتاح السياسي والديمقراطية في أمس الحاجة إلى تطوير الأمن الوقائي وخصوصا فيما يخص التوعية، فلم يعد هناك مصدر واحد فقط مسئول عن الأمن فالأمن اليوم مسئولية الجميع، أولها المرء نفسه ثم البيئة المحيطة ثم الوزارة المعنية وهي وزارة الداخلية أو الجهاز الأمني، ولم يعد المجتمع اليوم بسيطا نتيجة لزيادة المتطلبات الاقتصادية التي أدت إلى زيادة متطلبات الفرد نفسه، ففي السابق كانت احتياجات الأسرة محدودة جدا، ولم تكن تتجاوز أساسيات الحياة وهي التعليم والصحة وغيرهما، ولكن اليوم زادت المتطلبات بسبب الانفتاح الاقتصادي والتغيرات السياسية.

وما مواصفات شركات الحراسة؟

- في البحرين هناك شركات حراسة تعمل ولكنها تعمل من دون وجود قانون ينظم عملها لحمايتها وحماية المواطن، فأية مشكلة بين هذه الشركات وبين المواطن لا تحل من خلال قانون يمكن الرجوع إليه، من ناحية أخرى لن تأتي الشركات الكبرى للاستثمار في البحرين ما لم يكن لدينا وضع آمن يتيح الفرصة لهذا الاستثمار، وبيئة قانونية لعمل هذه الشركات، وهذا يتطلب إصدار قانون لعمل هذه الشركات، هذا بالإضافة إلى ان مؤسسات الحراسة يمكن أن تستثمر استثمارا مجديا من خلال حل مشكلة البطالة لدى الشباب.

الشعور بالبلبلة

هل وجود هذه الشركات يشعر الناس بالبلبلة؟

- من ناحية واقعية في أي مجتمع من المجتمعات تتطور الجريمة، كذلك الأجهزة الأمنية، ومن هذا المنطلق يبدأ المجتمع يطور نظرته إلى الجريمة، ووقوع الجرائم على اختلاف أنواعها تعد ظاهرة طبيعية والبحرين ليست استثناء وفترة السبعينات تعد فترة استثنائية بالنسبة إلى البحرين، واليوم أصبحت البحرين مثل مختلف الدول، وعلى رغم زيادة معدل حوادث الجرائم في البحرين إلا أن معدل وقوع الجرائم في البحرين لا يزال منخفضا إذا قورن بمعدل الجريمة في البلدان العربية الأخرى.

وكيف يمكن أن نحمي البيوت من خلال الأمن الوقائي؟

- البيوت لا تدخل ضمن المؤسسات الكبيرة، ولكنها بحاجة إلى أنظمة مختلفة عن تلك التي تطبق في الشركات والمصارف والمؤسسات الكبرى، وهناك نظام مطبق في بريطانيا وهو مراقبة الجار لبيت جيرانه، وهذا النظام يشترك فيه الجيران وفقا لرغبتهم، ويقوم كل جار مشترك في النظام بمراقبة البيوت الأخرى لجيرانه المشتركين في النظام نفسه، وخصوصا إذا لاحظوا وجود أي غريب أو كان أحد الجيران غير موجود في البيت، وهذا النظام يعني أن تعرف من هم جيرانك، وأن يكون المرء على وعي يمكن أن يحميه ويحمي بيوت جيرانه من أية محاولة للسرقة يمكن أن تقع لهم.

وفي رأيي إن مثل هذه المشروعات البسيطة والتي لا تكلف الكثير يمكن أن تحمي الكثير من بيوتنا.

جزاء مغرٍ

وماذا عن الأحكام الرادعة التي يمكن أن تحمينا من تكرار وقوع الجرائم؟

- الجانب القضائي هو المسئول عن تطبيق الأحكام الرادعة، فإذا لم يكن الجزاء رادعا فهو سيصبح مغريا، وهذا يعني انه سيكون له أثرا عكسيا، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقوم شخص بسرقة عشرة آلاف دينار، ثم تأتي الأحكام بغرامة ألف دينار، وهنا يكون الحكم مغريا ومشجعا للسرقة بدلا من أن يكون رادعا، ففي أي من المجتمعات المتقدمة - إذا لم تكن هناك مشكلة - يبدأ القضاء بتحمل مسئوليته ويرفع العقاب، وهناك حد أدنى للعقوبة وحد أقصى، و يستطيع القضاء أن يختار العقوبة القصوى حتى تكون رادعا لوقوع مثل هذه الجرائم، وعلى سبيل المثال كانت عقوبة الاغتصاب في بريطانيا لا تتجاوز الثلاث سنوات، ولكن عندما بدأت تتكرر جرائم الاغتصاب رفع القضاء العقوبة إلى 15 عاما وأحيانا إلى المؤبد، فالقضاء لابد أن يتفاعل مع الأزمات المجتمعية برفع العقوبة، ولكن حتى الآن في البحرين لم يتجاوب القضاء مع أزمة تطور الجرائم في البحرين، لابد أن تكون هناك أحكام رادعة تقي المجتمع من تكرار وقوع الجرائم.

ويضيف: «الجانب الآخر من الوسائل الوقائية هو التعامل في السجون مع مرتكبي الجرائم كافة بحيث تتحول هذه السجون إلى إصلاحيات، تنظر ما هي مشكلة هؤلاء السجناء، وهنا تدخل الكثير من العوامل سواء كانت عوامل نفسية إو اجتماعية، وهي تتطلب تعاون وزارة الصحة ووزارة العمل والشئون الاجتماعية بالتنسيق مع وزارة الداخلية لحل مشكلة السجناء وفقا لنوعية المشكلة التي يعاني منها كل سجين والتي ساهمت في دخوله إلى عالم الجريمة، هي ليست مسئولية وزارة واحدة فقط، ولكنها مسئولية عدد من الوزارات، والجهات المختلفة.

هل المجتمع البحريني أصبح يتصف بالعنف؟

- في الواقع إن المجتمع البحريني لا يتصف بالعنف، ومعظم الجرائم التي تقع في هذا المجتمع ليست جرائم عنيفة، ولا يمكن أن تصنف تحت هذا البند، وإنما هي مجرد سرقات وتهديد باستخدام العنف، ربما كانت سرقات المصارف المسلحة مجرد تهديد بالسلاح ولا يمكن أن نعدها أيضا جرائم عنف، ففي البحرين لا أحد يمكن أن يصدق إن المجرم الذي يهدده بالسلاح يمكن أن يقتله، ولكنه مجرد تهديد بالسلاح فلم نصل إلى استخدام العنف، ففي أميركا ومن دون التهديد بالسلاح مجرد التهديد، يشعر المرء بالخوف لأن استخدام العنف طبيعي للغاية، مجتمعنا بسيط متعاون ربما بدأت تتزايد المتطلبات المعيشية والتي قد تدفع البعض لاستخدام وسائل غير مشروعة، ولكنه لا يزال يعد مجتمعا آمنا لا يتسم بالعنف

العدد 622 - الأربعاء 19 مايو 2004م الموافق 29 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً