العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ

متى نمارس الحقوق بدل المطالبة بها؟

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

علمونا في المدارس، تلك المعادلة الكيماوية الشهيرة القائلة: «إن الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة واحدة من عنصر الأوكسجين»، فيما علمتنا الحياة والطبيعة أن الكائنات الحية لا يمكن أن تعيش من دون ماء أو من دون أن تتنفس الأوكسجين.

المجتمعات أيضا، لا ترتقي، ولا تتقدم، ولا تزدهر في حراكها نحو التنمية المستدامة، من دون وجود ماء للحياة من نوع آخر يسمى عرفيا بـ «القوانين الناظمة للحقوق والحريات» التي تعبر عن إرادة هذا المجتمع أو ذاك بمجموعه الكلي؛ وحتى تجري الأمور وتتطور بشكلها الطبيعي، لا ينبغي تبني «قوانين الحقوق والحريات» على عجل من دون حوار وطني، كيلا تعبر تلك القوانين عن فئة واحدة ضمن مقاسات خاصة بمصالحها وتحميها على حساب الغالبية العظمى.

هناك فرق بين أن نمارس الحقوق وبين أن نطالب بها، والعرب مازالوا يحبون صوب المطالبة: فالمطالبة بالشيء يعني فقدانه على رغم حاجتنا الماسة إليه، والمطالبات الكثيرة والدائمة لتصويب خلل ما تؤكد وجود نواقص حقوقية كثيرة في المجتمع غير معبرة عن إرادة الغالبية فيه.

نريد ممارسة الحقوق وليس المطالبة بها، أي نسعى إلى تنفس طبيعي في هواء طلق، ونطمح في أن نشرب ماء صالحا للاستخدام الآدمي... نريد حقوقا وحريات، ومن دون ذلك، لا ينبغي لأحد أن ينزعج من المعارضة السياسية السلمية والحضارية التي تطارد «عدالة مفقودة» بسلاحٍ يسمى «مقابلة الحجة بالحجة»، أو «من فمك أدينك»، لا بأسلحة العنف الكريهة، ويتهمها بتهم جاهزة معلبة ملت آذاننا من سماعها.

بعض الأنظمة العربية، أو جلها، وليس كلها طبعا، يضعون مواطنيهم في حيرة: كمن يرمي شخصا في الماء ويمنعه أن يبتل، ويعاقبه إذا ابتل! فهم يمارسون أقصى درجات الظلم، وأفظع الانتهاكات، ويخرقون القوانين باسم القانون الذي فصلوه على مقاساتهم، ويضعون شعوبهم في حال يرثى لها، وإذا ما عبر مواطن عن سخطه وتذمره واستيائه مما يجري من حوله بقول: «لا»، حلت عليه اللّعنة. وكلمة «لا» هذه عند البعض، تقال فقط عند الشهادة وقت الصلاة؛ وهم بارعون فقط في قول «نعم» والتطبيل والتصفيق، وهو ما ينطبق عليه المثل الإنجليزي الشهير: «من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد».

كيف نرمى في الماء ولا نبتل؟!... لو كنا نمارس الحقوق بشكل طبيعي لما استدعى الأمر أن يبلل أحدنا الآخر بسبب أو من دون سبب، ولا يعاقب شخصٌ ما «دفع» عنوة ليعارض على رغم المعارضة عمل طوعي لا يدفع مقابله أجر، بل يبهدل صاحبه في وطننا العربي الكبير: والمعارضة بالمناسبة ليست مرض «إيدز» والعياذ باللّه، بل هي غاية حضارية، وفي الدول الديمقراطية العريقة، التي يتم فيها التداول السلمي للسلطة، وتغيير السلطتين التشريعية والتنفيذية، هناك حكومات ظلت معارضة مكونة من أحزاب خسرت الانتخابات، لتصويب المسارات المنحرفة في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وخلق توازن في المجتمع بالمعارضة القوية.

عندما يكون من الجائز أن تقارن التشريعات في بلدان ديمقراطية وتشريعات عربية، وممارسة الديمقراطية عندهم وعندنا، تصاب بخيبة أمل من الديمقراطيات العربية (إن وجدت طبعا في جلّ الدول الناطقة بحرف الضاد).

يقول الكاتب الصحافي والباحث القانوني يحيى شقير في كتابه «الحريات الصحافية في الأردن - دراسة مقارنة في التشريعات»: «في أكبر ديمقراطية في العالم، وجدت أن القضاء الهندي، يباري المعايير الدولية لحرية التعبير وحرية الصحافة في قراراته، ويتأثر بالاجتهادات القضشائية في الدول المتقدمة ديمقراطيا في تفسيره لهذه الحريات».

وعلى رغم عدم وجود قانون لحرية الوصول إلى المعلومات في الهند، أو قانون يؤكد حق المعرفة، فإن المحكمة العليا في الهند أكدت حق الوصول إلى المعلومات من تفسيرها لضمان حرية التعبير والرأي في المادة 19 من الدستور الهندي. والملاحظة الجميلة أن رقم هذه المادة هو رقم المادة 19 نفسها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأعتقد أن ترقيمها لم يأت صدفة، وإنما عملية مقصودة من المشرع الدستوري الهندي». (ص195). ومن المفارقة، فإنه في الهند أيضا، حتى في حال الطوارئ والتوتر السياسي فإنه من غير المسموح للحكومة بوقف الحوار السياسي، وهناك حادثة شهيرة وقعت أثناء حكم الراحلة أنديرا غاندي عندما أعلنت حال الطوارئ في العام 1975، وحينذاك أمر مفوض شرطة بمنع عقد اجتماع سياسي سيتم فيه توجيه انتقادات لإعلان حال الطوارئ، إلا أن محكمة بومبي العليا اتخذت قرارا قالت فيه: «حرية الحوار أساسية لتنوير الرأي العام في دولة ديمقراطية، ولا يمكن انتقاص ذلك من دون التأثير على حق الشعب»

العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً