العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ

القوة والخوف كيف تجتمعان كدعوى للحرية في عصر الجرح النرجسي

منى غزال comments [at] alwasatnews.com

إن أي فرد من أفراد الأمة يعي تماما معنى كلمتي الحرية والديمقراطية، وكيف يجب أن تكونا الحق الشرعي لجميع شعوب الأرض، وما كان لأحد أن يمضي في نزعته النقدية لولا افتراشه مظلة الحماية التي يجب أن توفرها له آلية الدستور والقوانين والمنافحة الدفاعية الشعبية، وربما اقتران النزعة النقدية لدى صاحب الرأي، بالنزعة التعظيمية لدى صاحب القرار - ولو كان اقتران الضد بالضد - هو الذي وفر لنتاجه الفكري والعملي الحماية من المنع الذي كان سيصيبه لا محالة لدى سلطات الرقابة المحلية وعلى صعيد المؤسسات الدولية أو على مستوى جماعات الضغط التي ترتدي حلة رجال القضاء والقانون - فيما لو أسفرت النزعة النقدية عن نفسها بعري لا يطاق، ومن ثم تقديم البناء الواقعي البديل - بالتضاد مع الواقع الموضوع على مشرحة النقد. ولا ينكر أحد على الأمة أن ترفض رئيسا أو وزيرا أو حكومة، وأن توافق على آخر ما دام فيه مصلحة شعبها ومؤسساته، وهل تنكر أي حكومة في الدنيا بأنها موجودة للحفاظ على مصلحة شعبها وحريته وتقديم جميع أنواع المساعدة والعلم والقوة للأخذ بيد شبابه وتقدمهم، من أجل مستقبل حر يكفل الحرية والديمقراطية؟

في لعبة التناقض السياسي شطرنج متحرك ما بين قطبين متساويين ولكن لا يفوز إلا القطب الذي يسيطر على الموقف بالقوة والذكاء والحيلة والبديهة، والانتقال من قطب تجريح الذات إلى قطب تعظيم الذات، يتيح لنفسية اللاعب، المهددة بالانشطار، إمكان المحافظة على وحدتها، فهي وضعية مولدة للفصام كالوضعية التي يجد فيها الكثير من المثقفين العرب أنفسهم داخل المجتمع العربي في طور عصر الصدمة الحضارية.

ولدينا اليوم في البحرين صورة من هذا الوضع ما يجعل الازدواج في الموقف هو البديل عن الازدواج في الشخصية الرسمية، والحال أن الازدواج في المواقف يبقى أهون شرا من الازدواج في الشخصية، وإذا كان لنا أن نتوقع نهاية ما - ونحن نقر سلفا أنها بعيدة الاحتمال - لقضية المتناقضات ما بين القول والفعل والرأي المقدم والرأي المؤخر، والايحاء بالمحبة وإضمار العدواة، وما تقدمه لنا الأخبار والانباء المعلنة والمضمرة بسرعة البلياتشو الذي يقدم في ساحته ونمرته في السيرك عرضا سريعا مأساويا ومضحكا في الوقت ذاته من القوانين المتتالية، وهي في هذا تريد أن تجعلنا نطلبها على صعيد قبول المقدم إلينا عملا ورفضه ذهنيا، ومحاولة استعادة السيطرة على الموقف النفسي رهنا بانتظار تحولات إيجابية على صعيد الواقع الموضوعي، مما يعيد وضع المجتمع على طريق النهضة والتقدم كطريق وحيد إلى الشفاء من الجرح الانثروبولوجي، أما اذا كان واقعنا سيتجه إلى المزيد من التردي كما هو شأنة منذ العام 1973م فإنه سيكون من المحتم أن يتزايد الطلب على الحلول الوهمية وعلى البدائل السحرية من قبل منتجي الأيدولوجيا المحلية ومستهلكيها معا، وفي هذه الحال لن يقف الأمر عل الإصرار على الدستور الجديد بل سيتعداه إلى تزايد الطلب لظهور قوانين كثيرة يصعب حصرها تقدم بصورة سريعة وبشكل لا يمكن معها للفرد تأدية دوره الرقابي كما يجب عليه، أو القاط الأنفاس ما بين القانون والقانون وبالتالي تكثر تتكدس وتصبح سارية المفعول ولا يمكن تغييرها أو المطالبة بتصحيحها، وفي هذا الظل من السرعة في الوصول إلى السيطرة الكاملة والخوف من بروز الجنود الصغار من تهديد اللعبة تبقى لعبة الشطرنة بيد القوة والخداع، مما يهدد أن يأتي المقبل أسوأ من الأصل

العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً