العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ

هذا الرجل «ن - 1»

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

كان الراحل الحاج عبدالله بن جاسم فخرو، الذي انتقل إلى رحمة الله في 6 أغسطس/ آب الجاري، وووري الثرى في 9 من الشهر نفسه بمقبرة المحرق بحضور آلاف المشيعين والمعزين من قرى ومدن البحرين، رجلاً من الرجال النادرين، إذ يقول «كلمته ولا يمشي» على رغم ما يعرف عنه بأنه «إذاعة متنقلة للكرامة الوطنية»، وصاحب كلمة مناضلة حرة وصادقة وجريئة استحق من خلالها بجدارة أن يرمز إليه بالرمز (ن - 1): وحرف «النون» يعني أنه فئة نادرة، أما الرقم «واحد» فيعني أنه الأول من نوعه، تماماً كما تطلق المخابرات المصرية على أبطالها لقب «رجل المستحيل» وتعطيه هذا الرمز (ن - 1) في سجلاتها.

أسرّإلي شرطي بحريني ذات مرة خلال تسعينات القرن الماضي سائلاً: أتدري أين عبدالله فخرو مسجون؟ وأضاف قبل أن أجيبه بـ «لا»: إنه عندنا في مركز الحد. كل الشرطة هناك يحبونه ويحبون الاستماع لكلامه ويمضون الوقت معه ويسعون إلى إسداء أية خدمة له ولعائلته، لكنهم في الحقيقة يرتعبون من جرأته في طرح الموضوعات السياسية في المركز، حتى ان شرطياً يمنياً عندنا قال: «كم هذا الرجل عجيب وطيب، وكم أتمنى أن أقضي معه المناوبة الليلية لولا حديثه عن الظلم والفساد وفلتات لسانه في السياسة التي أخاف عليه وعلى نفسي منها!».

حدثت نفسي وأنا استمع إلى ذكر محاسن الفقيد عندما كان حياً يرزق من ذلك الشرطي البحريني البسيط قائلاً: «آه... لو تعلم شيئاً عن «لسان» فخرو السياسي، انه لا يرعب الشرطة فقط، بل يخشاه معارضون سياسيون باختلاف تلاوينهم، وخصوصاً أولئك الذين قدموا «صك براءة الذمة من تاريخهم النضالي»، وبضعة «متقنفذين» يخفون شيئاً ما غير محق، فيجعلهم يتوارون كالجرذان عن نظراته، في الندوات وفي التجمعات، في الأفراح والأحزان، وأيضاً أثناء لقاءات الصدفة».

فعلاً، جلنا نحب عبدالله، مثلما جلّنا نحب البحر، فقد زرع فينا هذا الرجل معاني المواطنة الصحيحة بعفويته الشديدة، ومعاني النضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بكلماته البسيطة والشجاعة، كما زرع في ذاكرتنا كراهية الظلم والفساد ومواجهتهما بشجاعة والتحريض ضدهما حتى أن يقشعا من تربتنا.

والفقيد الذي كرّس حياته للبحث عن العدالة المفقودة، وبناء الحقيقة بطريقته الخاصة «المتفق المختلف عليها» والتي أصبحت ظاهرة بحرينية تتجسد في شخصيته بمميزاتها الفريدة دون غيره؛ لم تمت قضيته برحيله، بل ستبقى تاريخاً لا يمكن دفنه مرتين.

لم يبق إلا أن يقدم محبو الفقيد الراحل أحرّ عبارات التعازي لعائلته، والأمنيات لها بالصبر والسلوان، ويهدون روحه الطاهرة فقرة بليغة من «إصحاحات الوعد الفراتي»، نقلها لنا المفكر العربي الكبير هادي العلوي البغدادي رحمة الله عليه تقول: «غداً يظهر لي المسيح في سحابة النور المثقلة بالمطر الكوني فأجمع حولي فقراء الأرض وأسلمهم السلاح ليدخلوا به ملكوت النار، ثم يخرجون منها وقد فاضت لهم كنوز الدنيا فيوزعونها ولا يملكونها، لأنهم ملوك الحرمان ومن الحرمان تزهر حقولهم وتزهر بساتينهم، فلا ينغصهم فقرٌ ولا غنى، وأعطيهم ما تمناه لهم بلبل الأرواح فيشبعون بعد الجوع ويكتسون بعد العري ويعزّون بعد الذل وتعود للأرض ظلالها وحروفها»

العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً