العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ

الحصانة البرلمانية للنائب: شروطها وحدودها

مقارنة بين دستوري 1973 و2002

خالد علي أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

عضو البرلمان أو عضو مجلس الشورى يحتاج عندما يحمل هذه الصفة (صفة عضو) إلى من يحصنه ويقيه من أي إجراء يمنعه من التحدث في المجلس، وعلى هذا فإن الدساتير قد منحت العضو حصانة يستطيع من خلالها ان يطرح ما يشاء من الافكار وان يجادل من يشاء من الوزراء من دون ان تلقى عليه المسئولية، ولكن هل هذه الحصانة التي منحتها الدساتير للنائب هي حصانة مطلقة ام انها حصانة نسبية؟ وهل يجوز للعضو بناء على هذه الحصانة ان ينال من شخوص الوزراء او الاعضاء او حتى عامة الناس او ان يقوم بالتهديد والانتقام؟

إلى ذلك فإنني سأتطرق الى مفهوم الحصانة البرلمانية والمسئولية البرلمانية من خلال دستور مملكة البحرين الصادر العام 1973 والدستور الصادر العام 2002، وايضا من خلال اللائحة الداخلية للمجلس الوطني المنحل العام 1975.

مفهوم الحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية

كلا الدستورين (دستور 1973 ودستور 2002) فرّقا بين الحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية للنائب، فالحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية يحتاجها العضو كما قلنا سابقا لكي يبدي ما يشاء من الآراء والأفكار من دون أن يمنعه مانع قانوني عن ذلك.

1- الحصانة البرلمانية:

الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها العضو تشمل الجرائم التي وقعت خارج قبة المجلس وهي حصانة لجميع الجرائم سواء أكانت جنحا أم جنايات شريطة الا يضبط النائب في حال تلبس بالجرم المشهود، ففي هذه الحال (أي في حال الجرم المشهود) لا يحميه ولا تشمله الحصانة البرلمانية، وعلى هذا فالحصانة المقصود بها أنه لا يجوز أن تتخذ ضد عضو البرلمان أية إجراءات تتعلق بالتحقيق عند اتهامه بجريمة وقعت خارج المجلس او داخل المجلس الا بعد الحصول على اذن من المجلس وهذا ما نصت عليه المادة (63) من دستور 1973 والمادة (89) من دستور 2002.

2- عدم المسئولية البرلمانية:

المسئولية البرلمانية تتعلق بجرائم الرأي والتعبير داخل المجلس، وتشمل المسئولية المدنية والمسئولية الجنائية.

1- الحصانة البرلمانية

تطرقت المادة (63) من دستور 1973 الى الحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية فالفقرة (ج) من المادة نفسها نصت على أنه (لا يجوز اثناء دور الانعقاد في غير حال الجرم المشهود ان تتخذ نحو العضو اجراءات التوقيف او التحقيق او القبض او الحبس او اي اجراء جزائي آخر الا بإذن المجلس. وفي غير دور انعقاد المجلس الوطني يتعين أخذ إذن من رئيس المجلس) وهذه الحصانة البرلمانية نص عليها كذلك دستور 2002 في المادة (89) (ج) ايضا ولكن دستور 2002 مد هذه الحصانة لتشمل عضو مجلس الشورى.

كما ان الفقرة (أ) من المادة (63) من دستور 1973 والفقرة (أ) من المادة (89) من دستور 2002 تمنح العضو حصانة عامة وعدم مسئولية برلمانية بقولها: «عضو المجلس الوطني يمثل الشعب بأسره ويرعى المصلحة العامة ولا سلطان لأية هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه».

وهذه الحصانة البرلمانية كما أسلفنا سابقا تختلف عن عدم المسئولية البرلمانية، فهي تشمل الجرائم التي تقع خارج المجلس أو داخله سواء كانت هذه الجرائم جنحا أو جنايات فتشملها الحصانة، فالعضو بما أنه إنسان قد تصدر عنه تصرفات فعلية تجاه الغير يعتبرها القانون من قبيل الجنح أو من قبيل الجنايات كاعتداء على زميل له بالمجلس أو أحد الحضور أو صحافي، وهذه الحصانة لا تشمل السب أو القذف لأن هذه من الأقوال وليست من الأفعال وهي تدخل ضمن عدم المسئولية البرلمانية فإذا صدرت عن العضو تصرفات كالاعتداء فلا يجوز أن تتخذ ضد هذا العضو الذي قام بالاعتداء إجراءات التوقيف أو التحقيق أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس. كما أن هذه الحصانة تنسحب حتى على الجرائم السابقة التي قام بها عضو المجلس قبل أن يكتسب صفة عضوية المجلس، لأنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء ضده إلا بإذن المجلس.

إن الحصانة التي يكتسبها عضو المجلس مشروطة بحيث لا يمكن أن يكتسبها العضو إلا خلال انعقاد أدوار المجلس فإذا وقعت الجريمة من العضو والمجلس منعقد في أدواره فالحصانة تكون سارية في حقه ولكن هذه الحصانة تسقط في حال إجازة المجلس أو في حال حل المجلس أو في حال انتظار انتخابات جديدة للمجلس، وأثناء إجازة المجلس بين أدوار الانعقاد فإن عضو المجلس يظل محتفظا بصفة العضوية ولكنه لا يتمتع بالحصانة فحينئذ يجوز للسلطات القضائية أن تمارس إجراءاتها في مواجهة العضو. ويجب أن نلفت النظر إلى أن هذه الإجراءات التي تمارسها السلطة القضائية تتوقف عندما يعود المجلس للانعقاد وعلى هذه السلطة أن تطلب الإذن من المجلس لكي تستمر في اتخاذ الإجراءات وهذا صريح نص المادة (63) من دستور 1973 ونص الفقرة (ج) من المادة (89) من دستور 2002 إذ نصت على أنه «... يجب إخطاره دوما في أول اجتماع له بأي إجراء اتخذ أثناء إجازته ضد أي عضو من الحصانة»، كما نصت الفقرة نفسها على أنه «ويعتبر بمثابة إذن عدم إصدار المجلس أو الرئيس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه»، كما أن اللائحة الداخلية للمجلس الوطني المنحل نصت في مادتها رقم (7) الفقرة (أ) على أنه «يقدم طلب الإذن برفع الحصانة عن العضو إلى رئيس المجلس من الوزير المختص أو بناء على طلب النيابة العامة أو ممن يريد رفع دعواه مباشرة إلى المحاكم الجزائية»، فإذا لم يبت المجلس في الطلب المقدم إليه ومضى شهر واحد على تاريخ وصول الطلب اعتبر هذا السكوت بمثابة إذن من المجلس لرفع الحصانة عن العضو وبذلك تتخذ ضده الإجراءات الجنائية كافة.

في حال انتهاء العضوية

قد يرتكب العضو جريمة من الجرائم وهو يحمل صفة عضوية المجلس النيابي أو عضوية المجلس الاستشاري ومن ثم تطلب السلطة القضائية من المجلس أن تمارس في مواجهة العضو إجراءاتها ولكن المجلس لم يأذن لهذه السلطة بأن تتخذ الإجراءات المطلوبة في هذا الشأن، ففي هذه الحال لا يمكن للسلطة أن تستمر في اتخاذ إجراءاتها، فالإجراءات التي اتخذت في حال عدم علم المجلس تكون باطلة ويعتبر الحكم بالإدانة الصادر في مواجهته باطلا ولكن بعد أن تنتهي فترة العضوية فإن العضو يفقد الحصانة التي اكتسبها من خلال صفته عضوا فيجوز بعد ذلك اتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهته من دون إذن لأن العضو فقد حصانته بانتهاء مدة عضويته.

في حال الجرم المشهود

نصت المادة (63) في فقرتها (ج) وكذلك المادة (89) من دستور 2002 في فقرتها (ج) على أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في حال الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التوقيف أو التحقيق أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر...». إن صريح نص الدستور في هذا الخصوص يدلنا على أن عضو المجلس النيابي كما هو عضو المجلس الاستشاري إذا ضبط مرتكبا جريمة وتم الإمساك به وهذا ما يطلق عليه «حال الجرم المشهود» أي حال التلبس بالجريمة فإنه يجوز في هذه الحال اتخاذ إجراءات الاستدلال والدعوى الجنائية من دون اللجوء إلى المجلس لطلب الإذن منه في ذلك لأن الحصانة التي منحها الدستور للعضو لا تشمله وهو في حال التلبس لأنه من غير المنطقي والمعقول أن يمسك بالعضو وهو يقوم بارتكاب جريمته ثم يترك بحجة أن لديه حصانة برلمانية وهذا خارج نطاق القانون والمنطق.

2- عدم المسئولية البرلمانية

إن عدم المسئولية البرلمانية تتعلق بالأقوال وليست بالأفعال وهي تعطي عضو المجلس حرية الرأي والفكر والتعبير حتى يستطيع أن يكشف الأخطاء التي يرتكبها المسئولون وغيرهم من دون أن يخشى أحدا أو يتعرض له أحد بالمساءلة ولكن نجد أن دستور 1973 يختلف عن دستور 2002 في معالجته لعدم المسئولية البرلمانية، إذ أن دستور 1973 أعطى العضو حصانة مطلقة بينما دستور 2002 نظم هذه الحصانة وهذبها ووضع لها شروطا لا يجوز للعضو أن يتجاوزها. فقد نص دستور 1973 في المادة (63) الفقرة (ب) على أن «عضو المجلس الوطني حر فيما يبديه من الآراء والأفكار في المجلس أو لجانه ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال»، أما دستور 2002 في مادته (89) الفقرة (ب) فنصت على أن «لا تجوز مؤاخذة عضو كل من مجلس الشورى أو مجلس النواب عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء وأفكار إلا إذا كان الرأي المعبر عنه فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة أو بالاحترام الواجب للملك أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان».

نلاحظ أن دستور 2002 قيد العضو وحدد مساره عندما يريد أن يبدي رأيا أو استجوابا بألا يستعمل العضو أيا من ألفاظ السباب أو الشتائم سواء للوزير المستجوب أو لعضو زميل له أو لأحد الحضور، كما أن هذا الرأي يجب ألا يمس العقيدة سواء كانت هذه العقيدة هي العقيدة الإسلامية أو العقيدة المسيحية أو العقيدة اليهودية لأن هذه كلها عقائد سماوية يجب احترامها، كما أنه لا يجوز أن يبدي آراء تشكل في مجملها أو في مفرداتها إهانة للأمة أو تدعو إلى تمزيق صف الأمة أو استهانة بتاريخ الأمة أو بمقدراتها، كما يجب على العضو ألا يبدي رأيا فيه مساس بعظمة وهيبة الملك.

نطاق عدم المسئولية البرلمانية

إن عدم المسئولية البرلمانية تنصرف إلى جرائم الرأي والتعبير داخل المجلس ونلاحظ أن نطاق عدم المسئولية يتمثل في الأقوال التي يبديها العضو وليست في الأفعال، فالدستور أكد ذلك بقوله: «لا تجوز مؤاخذة عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء أو أفكار» فعدم المسئولية ينصرف إلى الأقوال، أي الآراء والأفكار والتعبير، كما أن نطاق عدم المسئولية البرلمانية من حيث المكان لا يتعدى المجلس أي أثناء انعقاد جلسات المجلس أو اجتماع لجانه، أما الأقوال التي يبديها العضو خارج المجلس أو خارج لجانه فإنه يؤاخذ عليها ولا تمتد الحصانة إلى ذلك، فإذا انتهت الجلسة تنتهي حصانة عدم المسئولية البرلمانية حتى وإن كان العضو داخل مبنى المجلس لأن الإباحة تتقرر فقط أثناء انعقاد المجلس لجلساته أو أثناء انعقاد اللجان. وسبب عدم مؤاخذة العضو تجد تفسيرها في إعطاء العضو الحرية الكاملة والمطلقة في إبداء ما يراه وحتى لا تكون المؤاخذة حجر عثرة تقف أمام العضو وتجعله لا يستطيع أن يبدي رأيا أو يطرح تفكيرا أو يستجوب وزيرا خوفا من المؤاخذة.

كما أن التصريحات الصحافية التي يطلقها العضو خارج المجلس وبها مساس بأحد الأعضاء أو بأحد الأشخاص فإن عدم المسئولية لا تحميه بنص الدستور الذي جعل هذه الحصانة أثناء عقد المجلس جلساته أو أثناء اجتماع اللجان.

هل يجوز التنازل عن الحصانة؟

إن دستور مملكة البحرين سواء دستور 1973 أو دستور 2002 قد منح العضو حصانة برلمانية وعدم مسئولية برلمانية، ولكن هل يجوز للعضو أن يتنازل عن هذه الحصانة؟ بمعنى هل يجوز للعضو أن يقدم نفسه إلى السلطة القضائية أو أن يمثل أمام لجان التحقيق من دون إذن من الجلس لإثبات براءته من التهمة الموجهة إليه؟ الجواب عن ذلك يكون بالنفي وهذا ما قررته الفقرة (ج) من المادة (7) من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني المنحل بقولها: «ليس للعضو أن يتنازل عن الحصانة النيابية من غير إذن المجلس» لأن هذه الحصانة لم تتقرر لمصلحة العضو وإنما تقررت لمصلحة استمرار وسير العمل في المجلس، ولولا هذه الحصانة لأصبح في إمكان السلطة التنفيذية أن تحول بين العضو وتمنعه من إبداء رأيه إذا كانت عازمة على ذلك من خلال عدم الحضور.

الآثار المترتبة على الحصانة

يترتب على عدم المسئولية البرلمانية أن العضو لا يسأل عن أقواله لا مسئولية جنائية ولا مسئولية مدنية لأنه يمتلك إباحة تخوله ذلك فهو لا يتعرض للمسئولية الجنائية أو المسئولية المدنية وإنما قد يتعرض للجزاءات التأديبية التي نصت عليها اللائحة الداخلية للمجلس.

أما الحصانة البرلمانية فإنه يترتب عليها مسئولية جنائية ولكن لا يمكن اتخاذ أي إجراء أو رفع دعوى إلا بعد الحصول على إذن من المجلس، أما إذا اتخذت إجراءات قبل إذن المجلس فتعتبر إجراءات باطلة ويبطل كل ما يترتب عليها.

مدى الحصانة بين دستور 1973 ودستور 2002

1- بالنسبة للحصانة البرلمانية:

اتفق دستور 2002 مع دستور 1973 في مدى الحصانة الممنوحة لعضو المجلس الوطني، فالمشرع الدستوري أكد هذه الحصانة في دستور 2002 ولا يوجد فرق بين الدستورين.

2- بالنسبة لعدم المسئولية البرلمانية:

إن عدم المسئولية البرلمانية تنصرف إلى الآراء والتعبير، أي إلى الأقوال التي يتفوه بها عضو المجلس، فدستور 1973 أعطى العضو حصانة مطلقة في هذا الجانب، بينما دستور 2002 حد من هذه الحصانة أو بمعنى آخر بلور هذه الحصانة ولم يتركها على إطلاقها، لأن في إطلاقها ضررا على العضو وضررا على الغير، فدستور 2002 أعطى العضو حرية في إبداء الرأي ولكنه استثنى من ذلك «إذا كان الرأي المعبر عنه فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة أو بالاحترام الواجب للملك أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان»، وعلى هذا فإن دستور 2002 قد استدرك على دستور 1973 في هذه الجزئية ـ وحسنا فعل ـ لأنه لا يمكن إعطاء العضو الحرية الكاملة في إطلاق العبارات غير اللائقة والقذف والسب والكلام اللاذع والكاذب، وعلى هذا وبموجب دستور 2002 فإن العضو الذي يتجاوز ما قرره الدستور يكون مسئولا عن أقواله التي يدلي بها داخل المجلس إذا كان الرأي فيه مساس بالدين أو الملك أو الغير.

ونخلص مما تقدم إلى أن دستور 2002 قد عالج المسئولية البرلمانية أفضل مما عالجها دستور 1973، وهذه الجزئية تحسب لصالح دستور 2002 بلا شك

العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً