العدد 729 - الجمعة 03 سبتمبر 2004م الموافق 18 رجب 1425هـ

خذوها من الصين

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

تذكروا الحكمة الصينية التي تقول: «بدلا من اطعام الناس السمك، علمهم كيف يصطادون السمك». بهذه الحكمة يمكن ان نرد تلك الأفكار والمقاربات التي تأسس عليها الدور الاجتماعي للحكومات منذ منتصف القرن العشرين الماضي.

فبدلا من صرف المساعدات على المحتاجين، ظهرت افكار التأهيل والتدريب وايجاد موارد دخل ثابتة للمحتاجين حسب مهاراتهم. وظهرت ايضا مصارف وبرامج التنمية الاجتماعية المختصة بتقديم المساعدات المالية الميسرة للأسر الفقيرة ومساعدتها على ايجاد مصدر دخل ثابت لها ينتشلها من براثن الفقر والحاجة.

هل توجد لدينا هنا مقاربة مماثلة؟ لدينا نموذجان احدهما رسمي والآخر اهلي، لكنهما وان كانا يقدمان مؤشرا لفهم هذا الدور فانهما يقدمان المشكلة في اوضح صورها ويختزلانها بقوة.

وزارة العمل والشئون الاجتماعية دشنت منذ سنوات برنامج «الأسر المنتجة» الذي يقوم على الفكرة نفسها، أي تعليم وتشجيع المحتاجين كل حسب مهاراته على الكسب بدلا من جعلهم ينتظرون في طوابير المساعدات. لكن ايا كان حكمنا على هذا البرنامج، فان انتشار الصناديق الخيرية الاهلية يكفي باعتقادي لكي نستنتج ان مشكلة الفقر والحاجة قد تفاقمت ولم يعد بامكان برنامج حكومي يتيم ان يقدم شيئا.

أيا كان البرنامج المعني، الأسر المنتجة ام الصناديق الاهلية لابد من ان يواجه هؤلاء في نهاية المطاف السؤال الذي لابد منه: من اين نأتي بالاموال؟

حتى اليوم لا توجد غير التبرعات. وها انتم ترون المحنة لان التبرعات مهما كانت سخية لا تشكل مصدرا ثابتا ومتناميا للدخل ولا تعكس سوى دوافع فردية لعمل الخير. هذه الدوافع والنيات مهما حسنت لن تحل مشكلة الفقر لانها لا تفعل بالنهاية سوى ان تكرس المشكلة نفسها، اي تكرس مفهوم المساعدة نفسه ناهيك عن انها ليست اداة او مصدرا ثابتا للإنفاق على برامج من هذا النوع. ولان الامر كذلك، فان هذه البرامج لاتزال في أحسن حالاتها «متواضعة».

أين الاموال؟ عندما دافع رئيس كتلة المنبر الاسلامي النائب صلاح علي في مجلس النواب عن مشروع «العيدية» الذي تقدمت به الكتلة، ذهب الى القول ان مشكلة العجز في الموازنة يكمن سببه في التسيب والهدر في المال العام والفساد المالي الذي استشرى في الكثير من المؤسسات الرسمية والعقود السرية وغسل الأموال والمنافع الشخصية وإثراء قلة من الناس على حساب شعب بكامله. وخلص للاستنتاج بأن هذه الذريعة ضعيفة وغير واقعية.

هذا تفسير يقول ان الأموال موجودة لكنها عرضة للهدر جراء الفساد. لا يتعلق الامر بصحة التفسير من عدمه، لكن بالمقابل، فإن المنطق يشير إلى أن الأموال الموجودة اليوم لابد ان تنمو وإلا لن تكون هناك أموال إلى الأبد.

مشروع قانون «العيدية» هذا يؤكد من جديد أن كل مقارباتنا لحل مشكلة الفقر فشلت. ان القانون يقضي بان تكون العيدية ثابتة بقانون يلزم الحكومة بتقديمها مرتين في العام وهذا الالحاح على تثبيتها بقانون مؤشر بالغ الدلالة على المدى الذي وصلت اليه مشكلة الفقر لان اصحاب الاقتراح يتحدثون عن موظفي الدولة وليس عن اسر محتاجة.

لابد من مساعدة اولئك الذين يطحنهم الفقر رغم الوظيفة والراتب الثابت، لكن المقاربات ستظل قاصرة باعتقادي طالما انها ظلت تتلمس ذلك النوع من الحلول الذي «يطعم الناس السمك» ولا «يعلمهم صيد السمك».

واذا كانت الأموال موجودة لكنها تضيع بسبب الهدر والفساد، أليس من الأجدر ان نحارب الهدر والفساد بدلا من اهداء الناس المساعدات حتى بقانون؟

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 729 - الجمعة 03 سبتمبر 2004م الموافق 18 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً