العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ

نعرف الكثير... ولا نعرف شيئاً!

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

ألا ينتابكم ذلك الشعور الغريب وأنتم تتابعون ما يجري كل يوم بأنكم «تعرفون كل شيء ولا تعرفون شيئاً؟». إحدى فضائل الديمقراطية والانفتاح أن كل شيء يظهر للعلن، المشكلات والخطط والآراء والدوافع والمقاييس في إطار واسع من المناظرات. لكن إحدى أهم نتائج الانفتاح في مجتمع اعتاد الانغلاق والكبت طويلاً، هو وجود نوعين من المعرفة لدى الافراد.

ثمة سياق عام لكل قضية هو ذلك المطروح علناً، سواء في الصحف أم في المنتديات. آراء تطرح من أطرافٍ عدة ومتحدثين يفصحون عن آرائهم وآخرون عن شكاواهم وأخذ ورد بين الجمهور والجهات الرسمية وإيضاحات ومذكرات وبيانات و... كل شيء مطروح علناً، لكن ثمة إحساساً مزعجاً يلازمنا ولا يكف عن إقلاقنا: هل هذه هي المشكلة حقاً؟ يزيد في هذا الشعور طابع الاستعصاء في عدد من المشكلات التي تبدو وكأنها بلا حل. أليس استمرارها وتعقّدها وخروجها إلى الشارع (احتجاجات واعتصامات) دليلاً على ذلك؟

من احتجاجات العاطلين في العامين الماضيين إلى احتجاجات البحارة والصيادين هذه الأيام، تبدو المشكلات وكأنها ولدت فجأة في حين أنها ثمرة سياسات تعود لسنوات طويلة. الجديد اليوم هو أسلوبٌ مستجدٌ في التعاطي مع المشكلات. فيما مضى من السنوات، لم يكن الاحتجاج الجماهيري ولا الجهر والصراحة في قائمة أساليب التعبير عن مشكلة يعاني منها الناس حتى لو كانت منازل آيلة للسقوط. لكن قضية مثل هذه كما المشكلات الأخرى لم تصبح مادة لجدل سياسي فحسب، بل معياراً لقياس صدقية الحكومة بل وعلى حد سواء لأولئك الذين أتت بهم صناديق الاقتراع من أعضاء مجالس بلدية ونواب.

لكن لنلحظ من الجانب الآخر أن هذا التركيز الشديد على مشكلة البيوت الآيلة للسقوط يدفع بها لأن تنحصر في إطار أضيق من أن يشملها الوضع الإسكاني في البلد بأسره ومشكلة الفقر من جانب آخر. يستمد هذا التركيز دوافعه الأهم من كونها قضية لا تحتمل التأجيل وهي كذلك، لكنها في السياق الأشمل جزء من مشكلة أكبر هي مشكلة الفقر والوضع الإسكاني أحد وجوهها الشاخصة. حل المشكلة في إطارها الضيق يستجيب لبعد إنساني مهم، لكن بالمقابل فإن فصلها عن سياق المشكلة الإسكانية بشكل عام لا يفعل سوى أن يرسّخ سياسة «إطفاء الحرائق» الرائجة في أكثر من ميدان.

عدا أن هذا يبقى سياقاً نظرياً محضاً للمشكلة لأن عوامل القلق موجودة في مكان آخر. من المسئول عن حل مشكلة البيوت الآيلة للسقوط، وزارة الإسكان أم وزارة البلديات؟ أم أن الباب مفتوح للمساهمات الخيرية؟ إن التأخير في حل المشكلة لم يفعل سوى أن جعل الجدل من حولها يزيد في تعقيدها لأن حلها بات مكسباً ينتظره أكثر من طرف: المنتخبون كي يثبتوا صدقيتهم، والحكومة كي تثبت استجابتها لمطالب الناس وشكواهم كتصرفٍ أصيلٍ منها وليس بفعل ضغط الآخرين. كيف سيكون الحل؟ لا أحد يدري حتى اللحظة لأن الحل لم يعلن ببساطة، ولأن الصراخ مازال مستمراً.

من جديد: ما هي مشكلة الصيادين؟ في السياق العلني المعروف، هناك من يعترض على تطبيق قانون «النوخذة» وهناك من يطالب بتطبيقه فوراً ومن دون إبطاء. نظرياً، فإن حجج كلا الطرفين تملك شيئاً من الوجاهة، وهذا التنافس في إعلان الرأي بين الفريقين ليس سوى مناظرة مطلوبة للتدليل على صحة الرأي والحجة. لكن خلف هذا التبسيط ينتابنا التساؤل المزعج نفسه: «هل هذه هي المشكلة حقاً؟»

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً