العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ

الأحزاب السياسية العلنية: قفزة أم خطوة أولى؟!

حسن علي اسماعيل comments [at] alwasatnews.com

محام بحريني

استندت اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس النواب في رفضها الاقتراح بقانون الاحزاب السياسية في البحرين، وقبولها اقتراح بقانون بشأن تنظيم الجمعيات السياسية إلى أسباب ثلاثة منها (ضرورة التدرج للوصول إلى مستوى للديمقراطية إذ ان قانون الاحزاب السياسية في البحرين في الوضع الراهن يعد قفزة كبيرة في العمل السياسي...)، وهذا السبب هو في الحقيقة رأي وزير شئون مجلسي الشورى والنواب الذي ابداه امام اللجنة المذكورة عند مناقشتها القانون، اذ اوضح أن التجربة البرلمانية في البحرين حديثة لم يمضِ عليها عامان، وبالتالي فإن انشاء الاحزاب في البلاد يعد قفزة كبيرة بالنسبة إلى التطور السياسي والديمقراطي، واخذت اللجنة بهذا الرأي كسبب من اسباب استبعاد مقترح قانون الاحزاب.

والحقيقة ان هذا الرأي يتضمن موافقة صريحة، بأن انشاء الاحزاب يطور العمل السياسي والديمقراطي، الا أن القول بان انشاءها في البحرين قفزة كبيرة بالنسبة إلى هذا التطور، قول يتعارض مع مفهوم التحول الديمقراطى، هذا المفهوم الذي يعني انتقال النظام من حال أقل ديمقراطية إلى حال اكثر ديمقراطية، ويتطلب توافر عناصر اجرائية أو تشريعية وفي مقدمة هذه العناصر الاقرار بالتعددية الحزبية، ثم تأتي بعدها الانتخابات الدورية والنزيهة، ووجود مؤسسات دستورية، وقواعد وآليات للرقابة والمحاسبة والمساءلة، والتداول السلمي للسلطة. وعناصر أخرى تتعلق بالقيم، كضرورة توافر ثقافة المشاركة، واحترام الحقوق، والتسامح السياسي، وقبول الآخر، والاستعداد للوصول إلى حلول وسط، والقدرة على حل الصراعات بطريقة سلمية.

وبهذا المعنى فإن تشكيل الاحزاب السياسية في البحرين أو في أي بلد آخر، لا تعد قفزة في التطور السياسي والديمقراطي كما يعتقد الوزير، أو كما يرى أعضاء اللجنة التشريعية والقانونية، ولا هي شيطانية تفرق الأمة كما يصفها النائب جاسم السعيدي، بل هي خطوة أولى في سلّم التحول الديمقراطي كما رأينا، وان وجودها هو المقياس الكاشف لحقيقة هذا التحول، أو هي كما يقول المفكر اللبناني كريم مروة «هي الواسطة الحقيقية، الاداة الحقيقية، لكل حركة سياسية ديمقراطية في اتجاه التغيير».

والاحزاب السياسية العلنية فضلاً عن دورها المهم والاساسي في بناء الديمقراطية، تعد من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم من خلال برنامجها السياسي بتحديد الأهداف وتنظيم وترتيب الافكار والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الى تحقيقها، فتعمل على مساعدة الناخبين في تكوين آرائهم السياسية، وفي اعادة صوغ وعي المواطنين باتجاه أهمية حرية الرأي وأهمية الاطر التنظيمية التي تعبر عن هذه الحرية، وهي بذلك - أي الاحزاب السياسية - تشكل مع يقظة المعارضة النيابية حائلاً دون استبداد الحكومة في استعمال السلطة أو اساءة استعمالها، فتسهم بالتالي في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، فتكافح البطالة والفقر والفساد، وتجعل من مشاركة المواطن في ممارسة حقوقه، وفي الحياة السياسية، مشاركة فاعلة وواعية.

ان المواثيق الدولية تؤكد ان حرية التنظيم السياسي هي احدى الحريات الاساسية التي يجب كفالتها من أجل الحركة السلمية للمجتمع الديمقراطي، وأن هذه الحرية - حرية التنظيم وتكوين الاحزاب - لا تنفصل عن غيرها من الحقوق والحريات الاخرى، كحرية التعبير، والحق في المشاركة السياسية، وفي التجمع السلمي، وفي مخاطبة السلطات العامة، اذ ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً وتتداخل معها بشدة، بحيث يكفي النص في الدستور على مثل هذه الحقوق والحريات لتكون أساساً أو مبرراً لتأسيس الحزب السياسي وفقا للاوضاع التي يبينها القانون، هذا القانون حين يقرر مبدأ حرية الاحزاب السياسية عند تأسيسها، وفي مراحل حياتها كافة، وفي مختلف جوانب نشاطاتها من دون قيود غير التي يقررها، وتقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة، أو النظام العام أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم (بحسب نص المادة 22/2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، فانه - أي قانون الاحزاب - سيغير بالضرورة تغييراً حيوياً في مجموعة القيم السياسية والاجتماعية، قيم العطاء والتعددية والاختلاف وقبول الرأي الآخر معاً، واحترام سيادة القانون.

إن تقنين العمل السياسي في البحرين في اطار قانوني صحيح، يحترم مبدأ حرية التنظيم من دون وصاية من الجهة الادارية، ويتفق وأحكام الدستور ومبادئ ميثاق العمل الوطني، ويستجيب لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقات والمواثيق الدولية، ويتضمن تحويلاً للجمعيات السياسية القائمة بشكل تلقائي إلى احزاب سياسية من دون حاجة إلى عقد مؤتمرات تأسيسية كما ينص على ذلك مقترح كتلة النواب الوطنيين، لا يشكل أية خطورة على النظام السياسي، أو تجاوزاً للمرحلة التي تمر بها مملكة البحرين، بل يشكل احدى الضرورات المعبرة عن ديمقراطية الحكم، وأحد ابرز المؤشرات التي تعزز وتطور المسيرة الاصلاحية التي يرعاها جلالة الملك، فلا يمكن تصور وجود الديمقراطية من دون تنظيم العمل السياسي، ولا حرية سياسية من دون الاحزاب. وبهذا المعنى وفي هذا الاطار، نتفق نسبياً مع ما كتبه يوسف البنخليل في مقاله (لا لقانون الاحزاب السياسية) المنشور في صحيفة «الوسط» (العدد 740، الاربعاء 15 سبتمبر/ أيلول) في صفحة قضايا، فيما توصل اليه من نتيجة مفادها (ضرورة طرح قانون الجمعيات السياسية للمناقشة والتعرف على آراء الجمعيات والناشطين السياسيين...) وفي وصفه لهذا القانون على انه (ليس قانون تنظيم عمل الجمعيات السياسية أو تطويرها، وانما هو قانون لتقييد عملها...)، الا اننا لا نتفق على الاطلاق مع ما توصل اليه من خلاصة بأن (قانون الاحزاب السياسية غير مناسب للمجتمع البحريني في الوقت الراهن بسبب قوة البنى التقليدية في المجتمع، وتقاعس الحكومة عن تطويرها، وضعف أداء القوى السياسية، ومحدودية الوعي السياسي، وحداثة العمل السياسي العلني...) ذلك ان وجود الاحزاب السياسية العلنية الحرة هي احدى الادوات الضرورية المهمة، وربما هي الاهم، في تفكيك وتطوير البنى التقليدية ان صحّ وجودها، والاحزاب السياسية هي التي تحد من تقاعس الحكومة عن تطوير هذه البنى، وهي التي تدفعها إلى تطوير اداء القوى السياسية وتجعله أداءً قوياً، ومن الوعي السياسي لدى المواطن البحريني، وعياً حقيقياً، واسعاً، غير محدود، ويجعل من حداثة العمل السياسي العلني، مسئولية كبرى عند القوى السياسية في المحافظة على ما تحقق من هامش في الحريات العامة. ولا نزايد حين نقول إن وجود الاحزاب سيشكل حدثاً غير مسبوق في مملكة البحرين، يوازي حدث التصويت على ميثاق العمل الوطني، وحدث اهالي سترة حين افرج جلالة الملك عن ابنائهم، وحين استقبلوا جلالته بفرح لا حدود له مازال عالقا في الذاكرة.

وبهذا المعنى فإن ما كتبه عباس بوصفوان في العدد ذاته من صحيفة «الوسط» وفي (نقطة حوار) تحت عنوان (معاً ضد قانون الجمعيات السياسية) يأتي متصفاً بالواقعية ويمتاز بالعافية حين اشار إلى ضرورة قيام (المنظمات المدنية بما في ذلك تلك التي لا تحمل أهدافاً سياسية مباشرة، بتنسيق خطواتها للتحرك بنفس واحد في محاولة لتشكيل لوبي رافض للقانون، لا أن تتنافس وتتنازع... ويذهب ريحكم)، والى (ان الجمعيات كانت قد ضيعت فرصة ثمينة، حين امتنعت عن تأييد قانون الاحزاب الذي تقدمت به مجموعة الديمقراطيين، بدعوى انه مقدم من البرلمان...)، والى اهمية (الحاجة للتحالف، بشكل أو آخر، مع القطاعات النيابية الاصلاحية...).

محام بحريني

إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"

العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً