العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ

من «الباركات» إلى «القاعات»... حكاية طالب

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

هي حكاية طالب جامعي ودع للتو إجازته الصيفية (هذا إن لم يدرس فصلا صيفيا) ولكي يزيل عن نفسه هم العودة إلى الدراسة استيقظ صباحا، أو مساء لا يهم، فاستحم ولبس أجد ما عنده من هندام وتعطر كعادة كل طالب في بداية عامه الدراسي... ثم استقل سيارته متوجها إلى جامعته... حالما ربما بلقية صحبه والتعرف على الجديد في الجامعة وعلى أساتذة المقررات التي ما قرر تسجيلها إلا بعد أن تأكد من أنهم كريمون في منح الدرجات العليا بغض النظر عن حسن إدارتهم للمجموعة وتمكنهم من مادتهم العلمية واستنفاد كل الطرق العلمية الحديثة في إيصال المعلومات كاملة وبوضوح ودقة إلى الطلبة!

وها هو في الطريق... الشوارع مزدحمة بالسيارات بشكل يبعث الكسل في نفس كل من تصنع النشاط في ذلك اليوم، وبينه وبين الجامعة بضعة كيلومترات وعيناه تنظران إلى الساعة بين الفينة والأخرى... أبواق السيارات تصدع الرأس... وقلق التأخر عن المحاضرة الأولى بدأ يتسرب إلى القلب... ولكن أخيرا وصل إلى بوابة الجامعة (الصخير أو مدينة عيسى لا يهم)... كشف عن هويته الجامعية لحارس الأمن فسمح له بالدخول...

وهنا بدأ مسيرة أخرى لم تخطر له على بال... ومن الوهلة الأولى عرف أن محاضرته الأولى إن لم تفوته كلها فنصفها على الأرجح علما بأن أستاذ المادة مشهود له دقته في الحضور في التوقيت المحدد للمحاضرة، بل قبلها بخمس دقائق، وتجهمه الشديد في حال دخول أحد الطلبة إلى الفصل بعده!

الدقائق تمر وهو يبحث عن موقف مظلل يركن فيه سيارته... بحث هنا وهناك ولف ودار حول المنطقة نفسها مرات ومرات على أمل إخلاء ولو موقف واحد بالمصادفة وبرحمة من رب العالمين... ولكن لا فائدة...

كما توقع وأكثر المحاضرة الأولى ولّت وراحت... ويبقى الأمل في المحاضرة الثانية... لا مفر من الاستسلام ولننسلخ بعد ذلك من حرارة الشمس التي ستكوي السيارة قبل جسدنا... المحاضرة أهم فلنبحث عن موقف يا لشدة ولعه بأخذ حمام شمسي كل يوم...

«رضينا بالهم والهم ما رضي بينا»... فوضى عارمة وضجيج يصم الآذان... والبلوى لا موقف ولا هم يحزنون!

السيارات تزحف زحف السلحفاة لكنها بعد اليأس أراها رجعت أذيالها إلى خارج الجامعة!... هل سيمتنعون عن حضور محاضراتهم؟ ... لا، بل سيلقون بسياراتهم خارج أسوار الجامعة ويهرولون مسرعين إلى مباني جامعتهم! وسعيد الحظ فعلا - والعكس صحيح - من يدرس في جامعة مدينة عيسى ومن تكون لديه محاضرة في مبنى 36 وهو راكن سيارته عند البوابة الرئيسية! والدارس هناك يعلم جيدا حجم المسافة بين المنطقتين التي لا شك ستبدو لصاحبها مضاعفة تحت لهيب الشمس أو حتى ضوء القمر...

جرى صاحبنا متجها إلى محاضرته والعرق يتصبب من جبينه، بل جسمه... وواحسرتاه على أناقة وعطر الصباح!... لكنه وصل أخيرا متأخرا حوالي ربع ساعة عن الوقت المحدد، طرق الباب وسلم على الحضور... وفي لمحة خاطفة التفت إلى الأستاذ وعلامات الدهشة ارتسمت على محياه... اعتذر للأستاذ عن تأخره بكلمات متقطعة معبرة عن صدمة ما بعدها صدمة والأستاذ بدوره رد قبل العذر بابتسامة ساخرة وأذن له بالدخول...

أو تعلمون مصدر هذه الدهشة وابتسامة الأستاذ الساخر؟!... ببساطة صاحبنا كان قد التقى هذا الأستاذ في مقرر ما وبعد صدمته بالنتيجة التي لم يتوقعها أبدا حلم مليون يمين بألا يلتحق بأي مقرر يدرسه هذا الأستاذ؟!... ولكن «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن» إذ استبدل أستاذ المادة الكريم في الدرجات بهذا الأستاذ الذي ضاق المر والويل منه، والسبب لا يعلمه إلا الله والقائمون على الجامعة!

جلس صاحبنا وهول الصدمة زاد جسمه عرقا و«حرَّة» على عرقه و«حرَّته»... ولكنه استسلم للأمر الواقع كونه لا يستطيع الانسحاب من المقرر الذي أجله لفصول كثيرة على أمل تغيير الأستاذ بأحسن منه... «ويا فرحة ما تمت»...

انتهت المحاضرة بطلوع الروح... ومباشرة عليه التوجه إلى المحاضرة الثالثة، وكونها تقع في مبنى (15) وهو خارج من (36) إذاً عليه الهرولة إذ سيجوب الجامعة من شرقها إلى غربها، هذا إذا وضعنا في الحسبان من سيصادفه في دربه من ربعه وصحبه وسلام هنا وتحية هناك...

وعدت المحاضرة بسلام وإن كان أستاذ المادة بهدوئه الزائد عن اللازم قد سبب النعاس للجميع...

المحاضرة الأخيرة في مبنى (10) ويا للهول فالمكيف معطل والقاعة مكتظة بالطلبة الذين تجاوز عددهم الأربعين، وأستاذ المقرر التزم بإعطاء المحاضرة في التوقيت المحدد من البداية إلى النهاية، خرج بعدها الطلاب كدجاج مشوي خرج للتو من الفرن! ولا أعلم كيف أصبح حال صاحبنا بعد أن قام برحلته الأخيرة إلى سيارته المركونة في الخارج وكيف تمكن من تجاوز الازدحام الذي لا يوصف... أظنها رحلة ذهاب وإياب لا مثيل لروعتها!

صاحبنا نقل إلينا قصة أحد أصحابه الدارس للإعلام في الجامعة، وكيف أنه حلم بأخذ مقرر للإخراج الصحافي ليتمكن فعلا من المادة التي يحب، ولكنه تفاجأ بأن هذا المقرر العملي بطبعه والأساسي فيه جهاز الكمبيوتر وبعض البرامج المتخصصة سيطبق الطلاب تدريباته يدويا لأنه ببساطة الجامعة تفتقد إلى مختبرات كمبيوتر كافية! وبرامج الكمبيوتر المفترض التدرب عليها استبعدت من الخطة بسبب ذلك!! وصاحب آخر مصنف من الخطة القديمة درس مقررات شطبت من القائمة بعد ذلك...، ومقرر آخر سجل فيه للتو بحسب ما هو مدون عنده في الخطة التي مشى عليها منذ بداية التحاقه بالجامعة وتفاجأ من أصحابه بتغيير رقم المقرر، بما معنى أن الطالب سجل في مقرر آخر بعيدا حتى عن مجال تخصصه وغير مطلوب منه دراسته وهو يا غافل لك الله!

هذه حكاية طالب في الأسبوع الأول من الجامعة، والله الساتر من المفاجآت المقبلة في الطريق!

مع القراء

أحد القراء اتصل مستفسرا عن حذف بعض العبارات من مقاله على رغم أنه لم يسئ إلى أحد بشكل مباشر ولم يذكر أسماء أشخاص معينين، ما يجعل رسالته بحسب ما يعتقد في الاتجاه السليم فلم هذا التغيير؟!

نعم لم يذكر الاسم مباشرة، ولكن إن كانت هذه الشخصية لا يلتبس في معرفتها اثنان، ليست لأنها معروفة ومن مكانة مرموقة، بل لأنها الوحيدة التي تحتل هذا المنصب... فأي تدوير هذا وأي إخفاء؟! فاعذرنا إن تلاعبنا في العبارات قليلا وغلفناها ببطانة خاصة تستر المطلوب ولا تلغيه، ففي ذلك سلامة لك ولنا.

قارئ آخر يعتب على الصحيفة عدم نشر مقالاته بالمرة على رغم أنها لا تحمل من التجريح شيئا...

نعم لا تحمل من التجريح شيئا ولكن الفكرة استصعب علينا فهمها لرداءة الخط... وغيرك عزيزي حجبت رسائله لأننا لم نتمكن أبدا من الوصول إلى الفكرة التي يدور حولها المقال، ولا أجد أمامي غير شطحات من فكرة إلى أخرى تحيلني إلى جنون تام، وفوق كل ذلك لا يوجد رقم هاتف يمكننا الاتصال بصاحبه لنفهم ما استعصى علينا فهمه ومحاولة الوصول بالمقال وصاحبه والقارئ إلى بر الأمان

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً