العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ

هل يحقق أردوغان المستحيل؟

في زيارته لبروكسل...

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

من بين الأسباب الكامنة وراء زيارة اردوغان إلى بروكسل هي تبديد الخلافات التي ظهرت من جديد بين تركيا ومسئول توسيع الاتحاد الأوروبي غونتر فيرهوغن، الذي وصفه احد قادة «السعادة» رجائي قوتان بأنه «خائن» من خلال لقائه به ومن خلال إلقاء كلمة له أمام البرلمان الأوروبي. وبالتالي سعيه إلى تحقيق ما لا يستطع أحد من قبله من الحكام تحقيقه حتى على مستوى الأشخاص الذين كانوا في الحكم وهم قريبون جداً من الوسط الأوروبي والأميركي أيضاً (من المعروف أن تركيا دخلت على الخط الأوروبي منذ 1999 في قمة هلسنكي لكنها لم تتقدم أية خطوة تجاهها إلا مع الحكومة الحالية «العدالة والتنمية»)، أما سبب إسراع اردوغان في زيارة بروكسل فيعود إلى رغبته في إزالة الخلافات مع الأوروبيين قبل أن ترفع المفوضية تقريرها عن مدى قابلية تركيا للانضمام إلى الاتحاد، وهو ما سيكون في 6 أكتوبر المقبل. فبات أمام هذا الرجل لتحقيق ما كان بمثابة المستحيل بالنسبة إلى تركيا، وعندما نقول المستحيل فلوجود ثقافة سائدة في أوروبا، وهي أن يبقى الاتحاد الأوروبي نادياً مسيحياً ولو انه يحتوي على عدد من الثقافات الطائفية والعرقية إلا انه بقي في دائرة المسيحية طوال هذه العقود.

والنقطة الأخرى التي تجعل المهمة شبه مستحيلة هي حال تركيا الثقافية والشعبية والجغرافية، فمن المعروف أن تركيا على رغم ادعائها بأنها أوروبية فإن ثلاثة أرباع جغرافيتها آسيوية. وقد لا تكون أوروبية إذا استثنينا اسطنبول وبعض المدن الأخرى، التي تتداخل فيها ثقافتها وعلاقاتها ومستوى التطور الاجتماعي فيها متداخل إلى حد التماهي مع أوروبا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الثقافة فان تركية تُعتبر دولة إسلامية، بل في نيتها قيادة العالم الإسلامي، إذ ان رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي إحسان الدين اوغلو تركي الجنسية.

كما أنه من المعروف أيضاً أن الجزء الأكبر من تركيا آسيوي من حيث ثقافتها ومجالها الحيوي المتداخل عضوياً مع آسيا. لكن في المقابل هناك أكثر من شركة إسرائيلية أوروبية وإسرائيلية أميركية تطمئن أوروبا على قابلية تركية في أن تكون أوروبية. ولا ندري إن كان من صالح تركيا أن يقودها في هذه المرحلة شخص حالم بانضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي من جهة ومن جهة أخرى يريد الحفاظ على الهوية الإسلامية لبلاده، إلاّ أن هذا الشخص ربما لم يحالفه الوقت وهو يعد العدة للسفر إلى نادي الاتحاد. فهناك مسائل عدة لها صلة قوية بمصير تركيا في الاتحاد الأوروبي حيث قضية الحجاب والزنى وتوظيف خريجي المعاهد الدينية (إمام خطيب). هذا عدا المسألة الكردية ومسألة خلافها مع «الروم» - قبرص اليونانية - أو مع اليونان.

لو افترضنا أن لدى رئيس الوزراء الطموح الكافي وقوة الإقناع، وأن باستطاعته إدارة هكذا أزمات أو مآزق، إلاّ أن المتابع للوضع التركي لا يتفاءل كثيراً، وخصوصاً أن الذي يهم التركي البسيط أو الشارع التركي الإسلامي (وهو يشكل الغالبية) في هذه الأيام نتيجة فشل العلمانيين في إدارة أزمات البلد في المشهد الاقتصادي وتفشي حال الفساد و«المافيوية» في وسطها، هو تحقيق ما كان يعجز عنه من سبقه في الحكم، أي قبل ثلاث سنوات، عندما كان العسكر يقرر مصير البلاد، من أسلمة للأجواء كل الأجواء، مثل الحجاب وتوظيف المسلمين، وقبل أيام قضية الزنى.

ويبدو أن الامور الثانوية طغت على الرئيسية لدى الشارع التركي، وان مسائل مثل الحجاب والزنى أهم بكثيرٍ لديه من الحلم، و«أهم من الوطنية» بحسب تعبير احد المثقفين الأتراك. والسؤال: أين سيقف اردوغان... مع تطلعات الشارع أم مع الحلم التركي الرسمي؟ فهنا مربط الفرس!

من عادة رئيس الوزراء التركي تحقيق نجاحات على كل الأصعدة، فهو شغوفٌ بكثرة الأوراق التي بين يديه وخلطها وتصنيفها، وهو يتلذذ بلعب كل الأدوار في التوقيت نفسه. لهذا فقد يخسر كل الخيوط في هذه المرة، وربما تكون بداية نهايته. أوروبياً، ربما يكون أردوغان الوحيد الذي استطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات على مستوى الإصلاحات. وأميركياً هو الوحيد الذي استطاع أن يدير الأزمة مع واشنطن، وهو الوحيد الذي مازال يتمتع بمكان لدى القيادة السياسية الاميركية على رغم محاولات اللوبي اليهودي في الكونغرس الأميركي، إذ وصف اردوغان علاقته مع أميركا بأنه «شريك ديمقراطي»، في حوار مع قناة «الجزيرة». إسلامياً أو عربياً استطاع أن ينجز خطوات ليست بالصغيرة على المستوى العربي، فهو الذي غيَّر شكل ومضمون العلاقة الإسرائيلية التركية لكنه حافظ على بقاء المصالح التركية واحترام مصالح الدولة العبرية، وحقق إنجازات على مستوى مصالح تركيا في العراق (حيث هناك عشرات الشركات تعمل داخل العراق) على رغم محاصرة الارهابيين له. أما فلسطينياً فانه يدين إرهاب «إسرائيل» وينظر إلى المقاومة الفلسطينية بالشكل الذي يرضي العرب أو الفلسطينيين. هذا فضلاً عن أن أوروبا تدرك أن لدخول تركيا تبعات سلبية - ربما - إلا انه يدرك أيضا أهمية استراتيجية لها بحكم موقع تركيا المهم، حيث تربط تركيا أوروبا بشمال إفريقيا والشرق الأوسط. وهي تقع أيضاً في تقاطع البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى. كما ان الاتحاد يدرك أن تركيا في دخولها إلى الاتحاد ستلعب دوراً في حماية مصادر الطاقة والنفط المصدرة إلى أوروبا، فضلاً عن أن أوروبا سيكون من السهل لديها «نشر القيم الأوروبية من الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان والتسامح»، كما قال وزير الخارجية البريطانية جاك سترو في زيارته إلى جمهورية التشيك في بداية سبتمبر/ أيلول من هذا العام.

من دون شك أن زيارة اردوغان إلى بروكسل ستكون مفيدة لأن فيرهوغن كانت عيناه دائماً على تركيا، فهو يراقب مستوى التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي هناك. ولم يرى فيرهوغن، وهو مسئول المفوضية الأوروبية لشئون توسيع الاتحاد، يوماً أن تركيا قريبة من الاتحاد كما يراه اليوم، إذ اعترف وأصرّ اردوغان أن يقنعه - في لقائه الأخير - بأن «تركيا اليوم ليست كما كانت عليه في السابق».

ولعل الإصلاحات التي أجريت تنفيذاً لبنود كوبنهاغن، في تركيا لامسها فيرهوغن بنفسه، ولكن على رغم كل هذا التقدم يجب ألا تذهب أذهاننا بعيداً ونتصور أن أمام تركيا سنتيمترات لتحقيق حلمها التاريخي، بل هناك ثمة من يتشاءمون فيقولون إن الذي يفصل تركيا عن الاتحاد ربما يقاس بالأميال، على الأقل الفظائع التي رآها فيرهوغن لا يمكن القفز عليها أثناء زيارته إلى ديار بكر، إذ لم يستطع الشعار الذي كتب باللغة الكردية تبديد الانتقادات الأوروبية لتركيا في تعاطيها مع الأكراد.

ويبدو أن الأوروبيين يدركون أن ما جرى من إصلاحات على الصعيد الكردي لم يكن اكثر من قشور، فهي لم تقارب جذور المسألة الكردية ولا الانتهاكات التي حصلت في مجال حقوق الإنسان، وربما لهذا السبب أراد فيرهوغن أن يفرض شروطا على تركيا أثناء مغادرته وطلب منها أن تتناولها بشكل جدي، لعل أهمها:

1- إنجاز قانون عصري للعقوبات وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.

2- أن تقوم تركيا بإصلاحات جدية وجذرية على مستوى الأكراد، بعد أن زار ديار بكر والتقى مع الأكراد وخصوصاً ليلى زانا التي تستعد لتسلم جائزة حقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي. وبعد أن تحقق من تفاصيل الإصلاحات، من حيث اللغة والثقافة والقيام بإعادة المهجرين الكرد إلى قراهم ومناطق سكناهم، إذ دمرت القوات العسكرية التركية حوالي (4000) قرية كردية إبان حربها مع حزب العمال الكردستاني، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الجدية في كردستان تركيا. وكما يجب ألا يغيب عن بالنا أن تركيا نفسها تدرك دور الأكراد في دخولها إلى البيت الأوروبي، ونتذكر ما قاله مسعود يلماز: «إن طريق تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يمر من دياربكر».

يجب على تركيا أن تفتح المجال أمام حرية التعبير ونشاطات المجتمع المدني وحرية الصحافة والرأي . والسؤال: هل بوسع اردوغان تحقيق المستحيل في ظل هذه الذهنية؟ لكن قبل ذلك هل نفذت تركيا شيئا من هذه الشروط لإظهار نفسها على الأقل بأنها على الطريق لتنفيذ جميع تلك الشروط؟

المتابع للشئون التركية لم يلحظ أي تطور ايجابي ولم يحصل الشيء الكثير بعد زيارة فيرهوغن، بل ربما ما حصل كان سلبياً بالنسبة إلى تركيا مثل تأخرها في توقيع قانون العقوبات وخصوصاً الجدل القائم حالياً بشأن الزنى.

كاتب كردي عراقي

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً