العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ

كلنا ممثلون!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

هل من الممكن لأي شخص منا أن ينسلخ من ذاته ليسكن في شخصية تختلف تماماً عن شخصيته الحقيقية؟!... سؤال طالما شغل بالي وربما بال الكثيرين غيري... والإجابة قد تأتي مباشرة وعفوية: نعم يستطيع، وخصوصاً من يتقن فن التمثيل... ولا أعلم إن كان هذا التمثيل موهبة إبداعية تستدعي الالتفات إليها لتنميتها وتبنيها فتحل محل كل مالك للجمال أو الفرص غير العادلة ومفتقر للمنطق ومبادئ التمثيل!

لنقم بجولة سياحية في مناطق مختلفة من بحريننا الغالية... ومن البدء أقول إننا لاشك سنكتشف الكثير من المواهب... على أرصفة الطرق وعند الدوارات وبالقرب من الإشارات الضوئية، أطفال لا أظنهم تعدوا في الدراسة المرحلة الابتدائية يتحينون الفرص ليطرقوا زجاج السيارات سائلين أصحابها شراء قنينة مياه معدنية... تقرأ ملامحهم فلا تجد فيها ما يستجدي منك العطف، فهم منخرطون في مجال التجارة ولقاء جهدهم يحصلون على قوت يومهم فلا يقبلون منك شفقة ولا صدقة... وفي الناحية الأخرى رجال (أطفال) آخرون يقرأون في كتبهم المدرسية ويحلون فروضهم، وكأنهم في مناوبة عادلة للأدوار... أناس تعمل وآخرون يدرسون... هؤلاء الصغار في أجسادهم والكبار في عقولهم وتدبيرهم للأمور أليسوا في حال انسلاخ من ذواتهم الحقيقية ومتقمصين لأدوار أكبر منهم وبصورة مذهلة؟!

في الأسواق وعلى أبواب «السوبر ماركت» وبالقرب من كابينات الصراف الآلي تحديداً، تلمح رجالاً ونساء وشباباً كلهم يتوسلون الرحمة والشفقة ودرهماً يعينهم في تدبير مصروفات عيالهم وأسرهم، والشاب يطلع عليك في كل سوق بمرض آخر وتستغرب لسرعة تنقلاته وخصوصاً مع أزمة الازدحام التي تمر بها البلاد بمختلف مناطقها... أليست غالبية هؤلاء - وليس كلهم - متقمصي شخصيات غير شخصياتهم وبإتقان تام يجعل منهم صغاراً ضعفاء في قالب كبار؟!

ولو أردنا الولوج في أعماق كثير من الرجال، سنكتشف بدواخلهم أكبر موهبة للانسلاخ من الذات وبشكل كلي للعيش في قالب يتناسب وحال هذا المجتمع الرجولي بطابع الصرامة الحادة... تتقرب من أحدهم فتلمس في عينيه وبعض مواقفه - الذي أظنه يتكبد فيها العناء ليسيطر فيها على ما يموج في قلبه - ملامح من عطف وحنان تستغرب كيف يستطيع إخفاءها وراء ذلك القالب الصارم المتعجرف... ملامح ربما فرضت عليه، ولكنه استجاب إليها حتى لا يخرج من دائرة المتعارف المعتاد إلى دائرة الشذوذ عن القاعدة... أليس هؤلاء من المنسلخين من شخصياتهم الحقيقية؟

ولو انتقلنا إلى بعض كتاب هذه الأيام وتقربنا من ذواتهم قليلا، ربما نكتشف ذلك الانسلاخ أيضاً... تقرأ كتاباتهم فتلمس في بعضها الجدية والجرأة وبعضها الآخر الجد الممزوج بالهزل وغيرها السخرية التامة وإن كانت الجدية ستظهر لكل متربص من خلف الكواليس... وعندما تتعرف إليهم بما يتجاوز حدود سطورهم المنشورة ربما يصيبك الدوار فلا تستطيع تمييز الجاد من الضحوك من المعجون بالاثنين منهم! أليس هؤلاء في حال انسلاخ من ذواتهم؟ ألا يمكنهم الانخراط في سلك التمثيل فيبدعون فيه وبجدارة؟

أرى أن الواحد منا يمتلك ألف وجه وألف ذات وألف شخصية حتى كدنا أن ننسى من نكون فعلاً، وماذا نريد أن نكون... أرانا في هروب دائم من أنفسنا، من دواخلنا، ولا نعيش إلا في قشور كسينا بها أجسادنا وعقولنا كي نساير الزمن الذي نعيش، وفي حالات أخرى فرض علينا أن نكون ما لا نود أن نكون، فقط لكي لا نغضب المتسلطين علينا وعلى رؤوسنا فنطير وتطير معنا ذكرانا. ألسنا ممثلين جديرين نستحق فعلاً التفاتة من القائمين على وزارة الإعلام تحديداً لكي تنمي مواهبنا وتتبنانا في برامجها وخصوصاً أن رمضان على الأبواب؟!

مع القراء

مجموعة من المدرسين يستنكرون على وزارة التربية والتعليم إجبارهم على الخضوع لدورات تدريبية خارج دوامهم الرسمي، ما يضطرهم إلى ترك بيوتهم وأطفالهم - وخصوصاً بالنسبة إلى المدرسات منهم - لفترات طويلة... ويتساءلون: هل هذه الدورات يفرضها قانون الخدمة المدنية وخصوصاً أنها من دون مقابل وإن تمنعت عن حضورها انهالت عليك الإنذارات وكتبت فيك تقارير سيئة من المديرين؟

والمفارقة المضحكة المبكية أن أحد هؤلاء المدرسين داهمه المرض جراء الجهد الذي يبذله في المدرسة وبعدها هذه الدورات، وبدلاً من أن يعوض من الوزارة دفع من جيبه ما يلزم لمراجعة طبيب ووخز إبرة وثمن دواء!... أسئلة نظنها مشروعة ونتمنى من الوزارة موافاة هؤلاء بما يشفي غليلهم.

وفي ضفة أخرى اود طرح سؤال على جمهور القراء الأعزاء وأتمنى أن يجيبوني عليه: هل أصبحت الصحافة وسيلة للانتقام ليس من مسئول أو جهة أساءت إلينا، وإنما من جيراننا ومعارفنا وأعدائنا من البشر؟! أرجو ألا تكون الإجابة بنعم وإلا فلتت الصحافة من عقالها وأصبحت «خرّابة بيوت»

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً