العدد 800 - السبت 13 نوفمبر 2004م الموافق 30 رمضان 1425هـ

هنيئاً للجميع الدنانير الموعودة!

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تلقيت للتو أحدث وآخر نكتة يتداولها شعب البحرين في هذه اللحظة، ويتبادلونها كرسالة قصيرة على الجوالات، النكتة مفادها: «الأمر بصرف عيدية إلى كل الشعب الـ 200 دينار... وتقديم العزاء والمواساة إلى الشعب البحريني»، انتهى نص الرسالة المتداولة. وأعتذر مقدماً عن عدم الإشارة إلى الأسماء الحقيقية، بسبب الهلع الذي ينتابني هذه الأيام وعدم القدرة على تحمل المسئولية، فأقلها خمس سنوات، ما عدا تحمل مسئولية شعب البحرين (الطوفة الهبيطة). هذه «المسج» ستحقق من خلالها من دون ريب الشركتان المحتكرتان لخدمة الهاتف الجوال في المملكة أرباحاً متجددة تضاف إلى تلك الخيالية التي تحققها كل عام من (تهاني رمضان، تهاني العيد، تعازي للمفقودين، نكت العيدية والبونس، عدا الخدمات المتنوعة) الله ينعم ويزيد!

بيد أن الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يستدعي وقفة عاجلة من قبل علماء الاجتماع، والدين والاقتصاد والسياسة والنفس وكل صنوف المعرفة، وأيضاً الباحثين القابعين في معازلهم الاختيارية، جميعهم ندعوهم للنزول إلى الشارع والمعايشة ودراسة للحال عن كثب، الذي يمسي ويصبح عليه شعبنا هذه الأيام، بعد أن طفح من الحوارات الدائرة في أروقة الحكومة أو بين أعضاء المجلس الوطني، سواء المتعلق منها باقتراح بعض البرلمانيين لدفع عيدية لكل أسرة بحرينية قيمتها 500 دينار بسبب الزيادة التي طرأت على عوائد النفط، ما حدا بالبعض إلى فتح باب المزايدات فيها والتي لم تتعد مبلغ الألف دينار حتى الآن.

أيضاً آذان المواطن وعيونه تترقب الأخبار المتعلقة بتصريح الحكومة بدفع «بونس» فقط لموظفي القطاع الحكومي والعسكريين (فالبلد في النهاية تحتاج إلى رعاية وحراسة). دفع البونس لن يشمل موظفي و(فقارة) القطاع الخاص، والسبب على ما يبدو أنهم لم يسجلوا أنفسهم كمواطنين في السجلات الحكومية! مع العلم ان الصرف سيعتمد على أسلوب عجيب تتراوح نسبة المدفوع منه للموظف ما بين (20 في المئة -70 في المئة) من الراتب، وبحسب اشتراطات يبدو انها شبه تعجيزية، والحكومة لا تزال تصرح بأنها من حكومات الدول النادرة التي تطبق نظام الحوافز، وبأننا جميعاً مجتمع الأسرة الواحدة!

نحيط العلماء والباحثين بما يشغل بال المواطن من أمور وهي ليست بالخطيرة، وربما تساعدهم في إضفاء الانصاف والعلمية والواقعية على بحثهم وتقصيهم ومنها:

1- المواطنون ذكوراً وإناثاً لا ينامون جيداً هذه الأيام، يغلب عليهم القلق والتوتر وهم يفكرون بعيداً في شأن العلاوات والبونسات والمكرمات، والسبب أن رمضان الكريم قد قضى على ما في جيوبهم ولم يبق لهم شيئاً للعيد المقبل، فكلف المعيشة لا تزال ترتفع بشكل جنوني إلى الدرجة التي تمنعهم من التفكير في أبعاد هذه المكرمات وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني، وهم من دون بال أو (خلق) كي يحسبوا حساب الأجيال القادمة وضرورة الحفاظ على ثرواتها من الاستهلاك والسرقة والضياع.

إذاً فليبدأ البحث والتقصي من واقع الفقر، نعم الفقر وليس غيره، وإلى ذلك مطلوب منكم التوصل إلى أرقام بعد دراسة هذا الحال، ولكم في نتائج ندوتي الفقر أساس تستندون إليه للبحث والتنقيب في كيفية القضاء على هذا الشر المقيت!

2- لأسباب سيادة الثقافة الاستهلاكية وتأثيرها على مجمل أنشطة المجتمع فضلاً عن استلابها لكيان المواطنين، أصبح الاستهلاك هو سيد الموقف. عرجوا مثلاً على محلات الهاتف الجوال، واسألوهم عن أرقام مبيعاتهم في الساعة واليوم والشهر، ستكتشفون الكثير، اسألوا أياً من أرباب الأسر ورباتها، كم هاتف جوال غيرت لها وله وللأولاد؟ حتى ان هدايا أعياد الميلاد للأبناء والأصدقاء صارت مكلفة، ليس أقلها من جوال بكاميرا، وبلوتوث وما شابه. وهلم جراً على البضائع الاستهلاكية الأخرى، وإذ تحققتم أكثر فستجدون أن مديونية الأسرة تستهلك نصف دخلها وربما ثلاثة أرباعه. لكن مهلاً، فالحكومة مسكينة، ليست مسئولة عن هذه الثقافة، إنما هم ضعاف النفوس الذين يفتقدون القدرة على مقاومة الشره في اقتناء أحدث أصناف التكنولوجيا وأحدث صيحات الماركات العالمية من الألبسة والعطور والأكل ومطاعم الوجبات السريعة والمقاهي والسيارات والرحلات السياحية و... فشعار الجميع «كل يستهلك قدر المستطاع». صدّقوني إنها مجرد فرضية أخرى قد تثبتون صحتها أو خطأها الذي أتمناه.

3- هناك حاجة للمقارنة بين السلوك الرسمي والشعبي لمملكتنا ولحكومات دول المنطقة في التعاطي مع الطفرة التي حدثت على مستوى عائدات النفط الخيالية وغير المتوقعة، ولتكن المقارنة مع دول تعد من دول العالم الثالث أو النامي من مثل نيجيريا وإندونيسيا وإيران وبروناي، وليس آخرها فنزويلا التي عالجت الزيادة في العائدات بتأسيس صندوق يدعم كل المواطنين الساكنين في بيوت الصفيح، وصندوق آخر يدعم النساء الفقيرات لتمكينهن، وآخر للشباب من أجل دعم قدرته على المساهمة والبدء بمشروعات اقتصادية صغيرة... إلخ، فقط قارنوا وادرسوا وساعدونا حتى تطمئن قلوبنا وضمائر المسئولين على أن هذا التبذير في الثروات هو سلوك حضاري واقتصادي سليم، أم قد تكتشفون قبل فوات الأوان خيارات وحلول استراتيجية لابد من الأخذ بها والعمل بشفافية مع هذا الازدهار الفاضح في الموازنة العامة وما سيؤول إليه، على الأقل نفكر بجدية في مستقبل أجيالنا القادمة!

أكتفي بهذه الفرضيات الكامنة وراء نكت المواطنين، وقلقهم وتوترهم، وهناك المزيد الذي يشيب له شعر رؤوسكم ويتساقط حتماً على إثره شعر رؤوسنا (لا سمح الله)، وهي بحاجة إلى الدراسات والبحوث والقرارات التاريخية الجريئة، قد نتوصل من خلالها إلى نتائج واستخلاصات إرشادية، للطرف الرسمي والشعبي فالكل مسئول، وإلاّ سيزداد تبادل النكات بسبب حال الترقب والتحفز عند المواطن، والمزيد من الأرباح لشركات الهواتف، وللمصارف التجارية التي سيلجأ إليها المواطنون يمدون اليد للاقتراض ثانية وثالثة لسد الحاجات وأي حاجات؟ طبعاً غالبيتها حاجات أساسية وضرورية لا غنى عنها، هل هي حقاً لا غنى عنها؟ من يدري... ربما

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 800 - السبت 13 نوفمبر 2004م الموافق 30 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً