العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ

استقلالية النشاط الأهلي

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

في الأيام القليلة الماضية، قرأت أكثر من خبر في الصحف عن خطط لتحويل تبعية الجمعيات الشبابية إلى المؤسسة العامة للشباب والرياضة وتصريحات مقتضبة لبعض ناشطي الجمعيات الشبابية بشأن ذلك. استوقفني في تلك التصريحات والأخبار أمر واحد.

ثمة اتفاق على ما يبدو على مبدأ أن تكون المؤسسة هي الجهة المسئولة قانونياً عن الجمعيات الشبابية، لكن الناشطين الشبان اشترطوا أيضاً أن تقوم المؤسسة بدعم الجمعيات عبر توفير المقار لها ودعم الأنشطة وإعطائها الاستقلالية الكاملة.

وبالنسبة إلي، يبدو أن هناك خلطاً كبيراً في العلاقة بين الجمعيات الأهلية بمختلف ميادين عملها وبين السلطات. أحد أوجه هذا الخلط هو انتفاء الخط الفاصل بين التعبية القانونية والإدارية وبين حرية النشاط التي تطمح اليها هذه الجمعيات. معظم الجمعيات الأهلية عدا استثناءات تعد على أصابع اليد، تتلقى إعانات من الجهات الرسمية التي تتبع لها إدارياً، الوجه الآخر لهذه المسألة أن «حرية النشاط والحركة» مازالت قضية مطروحة.

يبدو أن الجيل الشاب من البحرينيين لم ينج أيضاً من إشكالات وسلبيات تاريخ طويل للعمل الاهلي في البحرين، وبالمقابل فإن الحكومة ليست بصدد إدخال أي تغيير في علاقتها مع مؤسسات المجتمع المدني بأسره. فهي لاتزال - بالمثل - تصر على تضمين التبعية الإدارية والقانونية ذلك البعد المتعلق بالضبط والرقابة لا المالية والإدارية فحسب بل ضبط النشاط نفسه.

إحدى المشكلات الكبرى التي شابت العمل الأهلي أو التطوعي في البحرين هو عدم وجود تعريف محدد لعلاقتها بالجهات الرسمية، هذا يتبدى جلياً في مسألة الاستقلالية التي يمثل التمويل أحد عناصرها المهمة والحاسمة. وإذا كانت تجربة العمل الأهلي خلال العقود الماضية ظلت أسيرة ظروف تلك العقود بكل ما ميزها من اختلال علاقة السلطة بالمجتمع المدني وهو ما يمثله قانون الجمعيات الأهلية للعام 1979 بشكل واضح، فقد آن الاوان لكي تتم إعادة بناء العلاقة بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني على أسس جديدة تنسجم مع مقاييس المجتمع التعددي والحريات.

ولكي لا يبدو المرء مغالياً، فإن الدعم المالي الحكومي لعب دوراً مهماً في تطوير نشاطات بعض الجمعيات الأهلية في العقود الماضية، لكن بالمقابل فإن هناك جمعيات ماتت وذوى نشاطها وتوقف بسبب عدم حصولها على الدعم المناسب وخصوصاً الجمعيات العاملة في ميدان الثقافة والفنون. الدعم في ميدان الرياضة والشباب مثلاً كان متفاوتاً وظل مربوطاً بتصنيف الأندية، أولى، ثانية، ثالثة... الخ. وإذا كان هذا يطرح من مدلولات فإنه يؤشر إلى أنه ليست هناك مقاييس أو معايير موحدة في التعامل مع النشاط الأهلي. تذكروا فقط الشكوى المريرة من تفضيل الرياضة على الثقافة والفنون مثلاً. وتذكروا أيضاً أن البحرين حتى الآن ليس بها مسرح وطني.

لكن المشكلة الأكبر تكمن أيضاً في الجمعيات نفسها والناشطين انفسهم. إن الذهنية السائدة في أوساط العمل الأهلي ظلت على الدوام تنتظر الدعم المالي من الدولة. الاعتماد على الذات والنمو الطبيعي ليس وارداً أبداً. معظم الجمعيات تفتقد البرامج الطويلة المدى ونشاطاتها تبدو دوماً على شكل طفرات. وإذا تصفحت القوانين الأساسية لهذه الجمعيات، ستجد أن الأهداف لن تقل عن تطوير النشاط في الميدان الذي تعمل فيه أية جمعية، زيادة ونشر الوعي، الارتقاء بالقطاع المعني أياً كان هذا القطاع، لكن المفارقة الكبرى التي وصلنا اليها جميعاً هنا أن هذه الجمعيات ظلت أسيرة اوضاعها ومعزولة بشكل شبه تام عن المجتمع.

كيف تتحقق الاستقلالية فيما انت تتسلم معونات ثابتة من الدولة؟ استقلالية الجمعيات لن تكون ممكنة طالما أن بقاءها مرهون بدعم الجهات الرسمية. لا أحد يفكر في الاعتماد على الذات وتطوير الموارد. وإذا كان ذلك ممكناً، فإن عوامل أخرى معيقة تقف بالمرصاد وهي تلك القوانين المتعلقة بجمع التبرعات التي تزخر بها القوانين. يدرك الكثير من الناشطين في العمل الأهلي مقدار الصعوبات الجمة التي اعترضتهم ولاتزال في مسألة تمويل نشاطاتها، من جهة لأن هناك إيماناً مفقوداً بالعمل الأهلي في أوساط المجتمع. أما فقدان الإيمان بالاعتماد على الذات في أوساط اعضاء الجمعيات نفسها، فقد أفضى إلى شيوع مفهومات تجعل العمل الأهلي نشاطاً أقرب إلى مسعى إلى الترقي الاجتماعي، وجاهة وعلاقات عامة. ينسى الجميع في غمرة هذا كله أن العمل التطوعي أياً كانت أهدافه تقوم مقاربته الأهم على التضحية. الاستقلالية لا تتحقق إلا بالتضحيات، بالمال والوقت والجهد.

تذكروا فقط أن الجمعيات التي بنت نفسها باستقلالية مالية بالدرجة الأولى هي التي تستوي على شيء من الجدية في نشاطاتها والفاعلية أيضاً وباتت تملك استقراراً وتقاليد ثابتة في العمل تدفعها للتطور

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً