العدد 815 - الأحد 28 نوفمبر 2004م الموافق 15 شوال 1425هـ

الحوار أكثر إلحاحاً من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء

الشعلة أمام «حوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان» في طهران:

عبدالنبي الشعلة comments [at] alwasatnews.com

.

في البداية لابد أن نستذكر بكل التقدير والامتنان دعوة رئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية سيد محمد خاتمي إلى منظمة الأمم المتحدة في العام 1998 لتخصيص سنة لحوار الحضارات تكون بمثابة نقطة الانطلاق لجهود الأسرة الدولية، لتحقيق المزيد من التعاون والتواصل بين شعوب العالم من خلال التلاقي والحوار. ولقد لقيت دعوته استجابة المجتمع الدولي إذ خصصت الأمم المتحدة العام 2001 عاماً للحوار بين الحضارات.

وفي العام نفسه بادرت الحكومة اليابانية، من خلال شخص وزير خارجيتها آنذاك يوهي كونو، للدعوة إلى عقد حوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان، وسارعت مملكة البحرين إلى تبني هذه المبادرة لتصبح البحرين واليابان البلدين المؤسسين والراعيين لهذا الحوار.

ويشار هنا إلى أن دعوة الرئيس الايراني للحوار ومبادرة الحكومة اليابانية بالدعوة إلى تنظيم حوار خاص بين العالم الإسلامي واليابان وتبني مملكة البحرين لهذه المبادرة جاءت جميعا في الوقت الذي ارتفعت وتصاعدت فيه الصيحات والتنبؤات بحتمية الصدام والصراع بين الحضارات والشعوب نتيجة للتداعيات والازمات والتحولات التي شهدتها نهاية القرن الماضي واطلالة هذا القرن.

وقد انطلقت فعاليات هذا الحوار من مملكة البحرين وعقدت الجولة الأولى منه في مدينة المنامة في شهر مارس/ آذار 2002، وكان نجاح تلك الجولة دافعاً لاستمرار الحوار وتأكيداً لمواقف البحرين الثابتة وايمانها بقيم العدالة والحرية والسلام والتزامها بمبادئ التعددية والتعايش والحوار والتعاون بين مختلف الشعوب والحضارات والاديان والثقافات. وفي العام الماضي استضافت اليابان الجولة التي لقيت القدر نفسه من النجاح والاهتمام.

وها نحن نجتمع اليوم في رحاب الجمهورية الإسلامية الايرانية الشقيقة في وقت تستجمع فيه رياح التغيير العالمي قواها، وأصبحت فيه الحاجة إلى الحوار أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وأصبحت الدعوة للتعاون أكثر استعجالاً من ذي قبل... نجتمع اليوم في طهران لنجدد معاً ايماننا وقناعتنا بأهمية هذا الحوار، والتزامنا باستمراره، واصرارنا على بلوغ غاياته وأهدافه المتمثلة في تحقيق المزيد من الفهم والتفهم بين الجانبين وتعزيز العلاقات وتطويرها وتوسيع آفاق ومجالات التعاون لما فيه خير الطرفين ومصلحة الإنسانية جمعاء. ولابد لنا من تجديد قناعتنا بأن الحوار الإسلامي الياباني تتوافر له كل عوامل وامكانات النجاح، وان فرص تحقيق أهدافه واسعة ووفيرة، فهو يقام على أرضية خصبة وصالحة، فهناك الكثير من القواسم والقيم المشتركة، وهناك الاحترام المتبادل، وهناك التقدير والاعجاب بالإنسان الياباني ومنجزاته، وهناك الرغبة في تعزيز المصالح المشتركة وتوطيد العلاقات الاقتصادية، وهناك الثقة المتبادلة التي عززها خلو تاريخ الطرفين من أي صراع أو مواجهة أو مجابهة. وعليه فإن الأمل والتفاؤل بنجاح مساعينا يجب ان يكون رائدنا وحافزنا، وان نجعل من المثابرة والإصرار سلاحنا ووسيلتنا. ان ما نصبو اليه ليس مستحيلا ولكنه ليس هيناً أو سهل البلوغ أيضاً، فالظروف المحيطة بنا تبدو من ظاهرها أقل تشجيعا واشد تعقيدا من ذي قبل، فالخلافات الايديولوجية لم تنته بالشكل الكامل حتى الآن على رغم انهيار الشيوعية، ورقعة الخلاف والصراع بين الكثير من الشعوب والأمم تبدو وكأنها آخذة في التمدد والاتساع لتشمل الجوانب العرقية والطائفية والدينية والثقافية، لذلك فإننا نحتاج إلى المزيد من المثابرة والإصرار والمزيد من القناعة والالتزام.

لاشك أن ما تم تحقيقه حتى الآن على طريق هذا الحوار يدعو إلى التفاؤل والارتياح، إلا أن هذا الطريق قد يكون طويلاً ما يوجب استمرار المطالبة وتكرار الدعوة وتأكيد ضرورة تبني خطوات عملية محددة لتفعيل التوصيات والاقتراحات التي تمخضت عن الندوتين السابقتين واقتراح المزيد عليها. وانطلاقاً من ذلك فإنني أود ان أدعو إلى ضرورة تأكيد التوصيات الآتية وتفعيلها:

1- ضرورة استمرار الحوار وتطويره، والاتفاق على خلق آلية أو سكرتارية دائمة للقيام بعملية التنسيق بين جميع الأطراف المعنية ومتابعة تنفيذ التوصيات التي تم تبنيها. وقد أبدى مركز البحرين للدراسات والبحوث استعداده للاضطلاع بهذه المهمة.

2- اعداد خطة للتعاون الإعلامي بين الجانبين تؤدي إلى توفير المعلومات وتبادلها، وفتح مكاتب إعلامية، وتعيين مراسلين دائمين، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية من الجانبين، وانتاج برامج مشتركة.

3- الاهتمام بقطاع الشباب وتشجيع برامج التواصل بينهم وتبادل الزيارات، وتنظيم الأنشطة الثقافية الخاصة بهم، وتشجيع اقامة المسابقات والمباريات والفعاليات الرياضية بينهم.

4- تشجيع التعاون بين الجانبين في مجال اعداد البحوث والدراسات وتبادلها وترجمتها، واقامة المزيد من المؤتمرات والندوات.

5- تشجيع التعاون بين الجامعات والمؤسسات التعليمية، وتبادل البعثات الدراسية، وتأسيس كراس علمية بين الطرفين، وإقامة مراكز للدراسات اليابانية في جامعات الدول الإسلامية ومراكز للدراسات الإسلامية في الجامعات اليابانية.

لقد انطلقت الجولة الأولى لهذا الحوار من البحرين من خلال 3 محاور أساسية عامة هي: التعايش والتفاعل بين الإسلام واليابان، والإسلام والعلاقات الدولية، والإسلام والعولمة.

وفي طوكيو ركزت الجولة الثانية على موضوع السلام والتنمية البشرية، مؤكدة ان تحقيق التنمية البشرية لا يتأتى أو يتحقق إلا في اجواء السلم والاستقرار. وتأتي هذه الجولة في طهران لترتقي بوتيرة الحوار لتلامس جوهر الكيان البشري وتتصدى لمفهوم محوري وقضية مركزية ولخاصية حاسمة تميز الإنسان عن باقي المخلوقات وهي الكرامة الإنسانية. فالكرامة الإنسانية تتشكل من مجموعة من المكونات ابرزها الاعتزاز بالقيم وبالذات، وبالهوية، وبالانتماء، والانتماء الأسري والمجتمعي، والانتماء القومي أو العرقي والانتماء الروحي الروحي والاخلاقي وغيرها. وهناك علاقة عضوية وطيدة بين الكرامة الإنسانية والتنمية، فالتنمية لا تتحقق إلا بالعطاء والانجاز والابداع، وعندما تهدر أو تستباح كرامة الإنسان تنهار امكاناته ومقوماته وطاقاته بما في ذلك امكاناته الانتاجية والابداعية، فامتهان الكرامة الإنسانية يعني الاهانة والاذلال، والذليل المهان لا يستطيع المساهمة والعطاء، ولذلك فإن تحقيق التنمية، بل ان تقدم الإنسانية برمتها، رهن بصيانة كرامة الإنسان.

ان صيانة الكرامة الإنسانية يتحقق من خلال تحقيق جملة من المبادئ منها الحرية والعدالة والمساواة، وهي من المبادئ التي تأتي في مقدمة وطليعة منظومة القيم الإسلامية، وان تجربة الحضارة الإسلامية تؤكد أهمية ودور الكرامة الإنسانية في بلوغ الغايات وتحقيق الانجازات. فإذا استذكرنا مرة أخرى أن الكرامة الإنسانية تتكون من جملة من المكونات ابرزها الاعتزاز بالانتماء بما في ذلك انتماء الفرد للمجتمع الإنساني، فسنرى ان المسلمين قبل ان يبدأوا في الانزلاق والانحدار إلى مأزق الضعف والاحباط الذي يعانون منه الآن كانوا قد وضعوا الكرامة الإسلامية في صدارة أولوياتهم، ولذلك نجحوا في بلوغ مراتب متقدمة جداً من القوة والعلم والتطور والتمدن في الوقت الذي كان الغرب فيه غارقاً في سبات الجمود والتخلف.

ان تجربة الحضارة الإسلامية تبرز بكل وضوح كخير نموذج على أهمية احترام غيرة الإنسان على انتمائه وكرامته، فالإسلام لم يمس هوية أو انتماء كل من انضوى تحت لوائه ولم يلغ حضارات الشعوب التي استظلت تحت مظلته، فالحضارات الفارسية والهندية على سبيل المثال لم تمح، بل أصبحت من مكونات الحضارة الإسلامية ومن اقوى دعائمها وروافدها، والحضارة الإسلامية نمت وترعرعت على اكتاف شعوب وقوميات مختلفة احتفظ كل منها بخصوصياته، واحترم واحتضن كل منها الآخر تحت راية التوحيد وسمو كرامة الإنسان وتحت شعار وحدة المصير البشري، ومن خلال تعدد السبل والمسالك والاجتهادات والمناهل من الفرس والاتراك والهنود والمغول والصينيين والأوروبيين وغيرهم من الشعوب والقوميات التي انصبت ينابيع حضاراتهم وثقافاتهم في نهر الحضارة الإسلامية الكبير واكسبته المزيد من النقاء والصفاء، وقوة التدفق.

ان اختيار موضوع الكرامة الإنسانية لمحاور هذه الندوة يدعونا بشكل طبيعي إلى الالتفات إلى وضع يتم فيه استباحة واهدار كرامة الإنسان بأبشع الطرق واشنع الصور، فالشعب الفلسطيني تهان كرامته وتستباح مقدراته وتنتهك مقدساته بشكل يومي، كما ان حال الشعب العراقي الآن لا تختلف كثيراً عن حال الشعب الفلسطيني فبعد ان عانى هذا الشعب من ويلات الحروب والقهر والتسلط لعقود كثيرة، أصبح الآن يعاني من مذلة الاحتلال ومن آلام القتل والتدمير. هذا الوضع يفرض على هذا التجمع - كحد أدنى أو كأضعف الايمان - ان يشجب ويستنكر ما يحصل الآن في فلسطين والعراق، وان يطالب المجتمع الدولي باتخاذ مبادرات وخطوات عملية لوقف هذا التدمير وهذا النزيف وهذا الانتهاك اليومي لحقوق الإنسان وكرامته

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي الشعلة"

العدد 815 - الأحد 28 نوفمبر 2004م الموافق 15 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً