العدد 826 - الخميس 09 ديسمبر 2004م الموافق 26 شوال 1425هـ

كيف يتغلب السوريون على البطالة؟

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تنتشر في عدد كبير من شوارع دمشق والمدن الأخرى بسطات الأرصفة، وخلفها يقف أطفال وشبان وكهول، يرسمون في واحد من المشاهد شكلاً من أشكال سعي السوريين للتغلب على مشكلة البطالة، وربما كان هذا الشكل الأكثر انتشاراً، لكن ثمة أشكال أخرى للتغلب على البطالة، منها سيل من السوريين يتدفق في رحلة ذهاب وإياب على خطوط السفر التي تربط سورية ولبنان، وبشكل أقل بين سورية وكل من بلدان الخليج العربية والأردن.

البطالة في معطيات عامة

وتختلف التقديرات بصدد مشكلة البطالة في سورية، وطبقاً للأرقام الرسمية، فإن مستوى البطالة يقترب من نسبة عشرة في المئة، فيما يشير التقرير الاقتصادي العربي للعام 1998 إلى نسبة تقترب من عشرين في المئة، وتذهب التقديرات إلى القول، إن النسبة تصل إلى ربع قوة العمل السورية، والأمر في كل الأحوال، يؤكد وجود ما يزيد عن مليون سوري عاطل عن العمل في أقل التقديرات، وقد يرتفع الرقم إلى الضعفين ونصف في الحد الأقصى.

وتترافق الملامح الرقمية للبطالة السورية مع ثلاث حقائق، أولها، أن البطالة تنتشر في الأوساط الشابة، إذ إن 80 في المئة من العاطلين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، حسبما أكد مدير «المكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار» نبيل سكر. والثانية، ان البطالة لم تعد تقتصر على الفئات الدنيا من المجتمع وبينهم الأميون وذوو التعليم المنخفض، بل صارت تشمل فئات عليا من المتعلمين وبينهم أطباء ومهندسون، وبحسب سكر، فإن هناك عشرة في المئة من العاطلين عن العمل ممن يحملون شهادات جامعية. والحقيقة الثالثة، ان البطالة أخذت تتركز في محافظات أكثر من محافظات أخرى، ما يؤدي إلى تفاوت نسبة البطالة (ما بين نسبة 41,9 في المئة في طرطوس و6 في المئة من إجمالي قوة العمل في محافظة ريف دمشق) بحسب المصادر الرسمية.

أسباب متداخلة

إن أسباب مشكلة البطالة كثيرة ومتعددة، وبين هذه الأسباب ثلاثة، الأول ترديات العمل في المجال الزراعي الذي تحيط به ظروف غير خاضعة للتحكم بها مثل معدلات الهطولات المطرية وطبيعة الأراضي، والثاني صعوبات العمل الزراعي التي تجعل كثيراً من أبناء الريف يغادرونه إلى المدن بحثاً عن أعمال أخرى مثل الوظائف الحكومية والمؤسسات الخاصة، والثالث انتشار ظاهرة عمل الأطفال، وقسم كبير منهم يأخذ فرص العاملين في الفئات الأخرى.

وتبدو البطالة في ناتج السياسات التي تابعتها الحكومات في العقود الماضية، والتي عجزت عن إيجاد حلول تستوعب القادمين سنوياً إلى سوق العمل والذين يقترب عددهم كل عام من ربع مليون شخص، لا يتم في السنوات الأخيرة استيعاب أكثر من سدسهم في دوائر الدولة ومشروعاتها، في الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة أكبر رب عمل وصاحبة أكبر استثمارات في البلاد، وهذا أسهم في تفاقم مشكلة البطالة إلى درجة دفعت بالحكومة السورية قبل عامين وللمرة الأولى إلى طرح مشروع لمكافحة البطالة بكلفة خمسين مليار ليرة سورية، يتم صرفها على مدار خمس سنوات.

مسارات في معالجة البطالة

ويطرح الواقع معضلة البحث عن حل لمشكلة العاطلين عن العمل، فيحاول البعض منهم حل المشكلة بالاعتماد على المعابر الحكومية، فيما يبحث آخرون عن حل لمشكلتهم من خلال جهود فردية، لا تستبعد الأهل والأقارب والأصدقاء للحصول على عمل في القطاع الخاص، أو البدء بمشروع ولو متواضع يخلصهم من مشكلة البطالة.

والبحث عن حل لمشكلة البطالة من خلال الحكومة، يكون غالباً في اللجوء إلى طلب وظيفة عامة، أو عمل في إحدى شركات الدولة، وهو طريق يكاد يكون مغلقاً إلا لعدد محدود للغاية من المحظوظين، يمكنهم الحصول على وظيفة أو عمل في مؤسسات الدولة نتيجة تدخلات كبار أصحاب النفوذ في الحكومة، وهو أمر لا يستبعد حضور وسطاء وسماسرة هم جزء من بنية الفساد العام والسائد، يحصلون على عمولات لقاء تأمين فرصة عمل لطالبها، والوسطاء والسماسرة حاضرون أيضاً في ممر آخر في سعي السوريين للتعامل مع البطالة، وهو الحصول على قرض من المصارف الحكومية، أو من هيئة مكافحة البطالة، التي تقدم قروضاً لمشروعات إنتاجية وخدمية، يمكن ان يقوم بتشغيلها العاطلون عن العمل طبقاً لإمكاناتهم وخبراتهم، لكن الطريق إلى القروض ليست سالكة باستمرار، وهي غالباً ما تحتاج إلى وسطاء وسماسرة، يحصلون على ما بين عشر وربع القرض، وكثير من هذه القروض تذهب في غير مكانها المخطط له، وقد يذهب بعضها إلى غير العاطلين عن العمل.

والمحصلة النهائية لمساعي العاطلين عن العمل لحل مشكلة البطالة عبر مسارب الحكومة يكون محدوداً، إذ لا توفر الحكومة بكل إمكاناتها سوى أقل من أربعين ألف فرصة عمل في العام، ولم تمنح هيئة مكافحة البطالة سوى عدد قليل من القروض لا يتجاوز بضعة آلاف.

أما المسار الآخر للسوريين في التعامل مع مشكلة البطالة، فيكمن في البحث عن حل فردي خارج إطار الحكومة، وغالباً ما يكون الأمر في البحث عن عمل لدى المؤسسات والشركات الخاصة، والتي بفعل ضغط البطالة - إلى جانب ظروف عملها الصعبة - أخذت تتشدد في شروط التشغيل في الحصول على أفضل الخبرات وإعطاء أقل الأجور، فيما اتجه آخرون من العاطلين عن العمل إلى مشروعات شخصية، تبدأ من البسطات التي تُقام على الأرصفة إلى المحلات، والتي يجري الاستعانة لفتحها وتشغيلها بأموال ومدخرات العائلة، وديون يتم الحصول عليها من المصارف أو المقربين.

والانتظام في ورشات العمال المياومين، التي يشارك فيها قادمون من الأرياف إلى مراكز المدن، هو بين محاولات السوريين التغلب على البطالة، وتنتشر تجمعات العمال المياومين بكثافة في دمشق وحلب، وغالباً فإن هؤلاء يسعون إلى أي عمل وبأي أجر كان من أجل توفير دخل يغطي احتياجات أسرهم، التي تنتظرهم في قراهم.

إن بعض جهود التغلب على البطالة في هذا المسار، تندرج في سياق الأعمال الهامشية على نحو ما يمكن وصف، ما يقوم به باعة أوراق اليانصيب وماسحو السيارات، وبعضها يذهب إلى حد حالات النصب والاحتيال، التي غدت ظاهرة ملموسة في الحياة السورية، وبعض تجلياتها تظهر في عمليات السمسرة والوساطة والعمل في تجارة السوق السوداء وفي التهريب، والأخيرين شهدا تراجعاً ملموساً خلال السنوات الأخيرة نتيجة الانفتاح الذي شهدته الاسواق السورية.

ويتجسد المسار الثالث في تعامل السوريين مع مشكلة البطالة في توجههم إلى السفر خارجاً، واتخذ هذا التوجه ملامحاً واضحة من خلال فكرة، إن الأقل خبرة ومعرفة من العاطلين عن العمل يتوجهون إلى لبنان، وأقل التقديرات لعددهم تشير إلى انهم يصلون إلى نحو نصف مليون عامل، وغالبيتهم يعملون هناك في المهن السوداء وفي أعمال البناء والزراعة، وفي الأعمال الموسمية، أما ذوو الخبرات الأفضل، فيتوجهون إلى البلدان العربية الأخرى، ومنها الأردن وبلدان الخليج العربية، التي باتت تطلب خبرات ومهارات بأجور أقل، وهو ما يمكن أن توفره العمالة السورية العاطلة عن العمل، وقد يذهب المستوى الأعلى من الكفاءات والخبرات السورية، إذا تعرضوا للبطالة للعمل في الدول الغربية، وهناك عشرات آلاف السوريين من أفضل الخبرات يشتغلون في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وبعضهم كان يعاني من البطالة أو البطالة المقنعة في سورية.

مشكلة السوريين مع البطالة، صارت مشكلة معقدة ومركبة في شروطها الداخلية والخارجية، إذ إن هناك أعداداً متزايدة من السوريين، تدخل سوق العمل سنوياً، والحكومة كما القطاع الخاص الذي تزداد معاناته، لا يوفران فرص عمل كافية، فيما الاقتصاد السوري كله على بوابة تغييرات جوهرية أساسها دخول سورية واقتصاداتها بوابتي الشراكة مع السوق الأوروبية من جهة، والمناطق الحرة مع الدول العربية، وكلاهما يهدد إلى دفع أعداد من العاملين الحاليين للانضمام إلى جيش العاطلين الحالي بفعل إغلاق مصانع وورش حرفية، تقدم عشرات وربما مئات آلاف فرص العمل حالياً.

وفي الوقت الذي تزداد فيه مشكلة البطالة تعقيداً في ظروفها الداخلية، فإن آفاق معالجتها عبر الخارج تزداد صعوبة، إذ بات السفر للخارج بحاجة إلى إمكانات وخبرات أفضل، وصارت ظروف الحصول على فرص عمل خارجية أقل وفرة، باستثناء أن الدخول والرواتب في الخارج، انخفضت عما كانت عليه، وضاقت الهوة بينها وبين الأجور المحلية، يضاف إلى ذلك كله، ان بعض الدول التي كان يتوجه إليها السوريون وضعت شروطاً أصعب لسفرهم وإقامتهم فيها، وهذا كله يعني، ان السوريين اليوم أمام شروط أصعب للتغلب على مشكلة البطالة

العدد 826 - الخميس 09 ديسمبر 2004م الموافق 26 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً