العدد 862 - الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ

"خليفة" عرفات والدم الفلسطيني الحرام!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

إذا كانت مقولة "إن الحرب هي امتداد للسياسة" صحيحة، وهي كذلك، فإنه يمكننا أن نقول إن "السلام" هو القاع الذي تنطلق منه السياسة وهي مادة خام قبل أن تتحول إلى مقولة ملتبسة بحسب استخدام الأطراف المتنازعة لها.

الفلسطينيون الذين يخوضون كفاحا مريرا وطويل الأمد من أجل كسب الاعتراف الدولي بحقهم في العيش على أرضهم ووطنهم التاريخي منذ ما يناهز القرن، ربما برزوا في السنين الأخيرة على المسرح الدولي "الأمة" الأكثر حنكة في الإمساك بعصا السياسة من الوسط وإدارة حركتها بما يخدم مصالحهم بوسائل الحرب مرة والسلم مرة أخرى.

قبل أيام انتخبوا محمود عباس "أبومازن" على مضض فقط، لأن حسهم الفطري أوحى لهم أن بالإمكان استخدام "عصا السلام" في خدمة المصالح العليا، ولكن إلى حين.

لم يقتنعوا يوما أن "إسرائيل" أرادت يوما العيش بسلام معهم، كما لم يدعوا يوما أن بإمكان قوتهم العسكرية لوحدها أن تقنع عدوهم أو تجبره بضرورة التسليم بحقوقهم المشروعة. فهم يعرفون جيدا أنه ليس باستطاعتهم كسب الحرب في إطار موازين القوى المادية المعروفة، لكنهم لا يريدون أن يخسروا معكرة السلام الحقيقي أيضا.

اليوم الواحد عندهم أربع وعشرون ساعة بالتمام والكمال فعلا. ليس عندهم من الوقت ما يضيعونه في المناقشات النظرية المجردة المعروفة لدى الشعوب والأمم الأخرى في العالم، ذلك لأن ابتلاءهم من نوع خاص وخاص جدا ولا يوجد له مشابه.

أحيانا يقاتلون 23 ساعة من عمر اليوم الواحد ويفاوضون بقدر ساعة واحدة. وأحيانا العكس تماما. لكنهم في كل الأحوال لن يسمحوا لأنفسهم بإنزال اليد عن الزناد، ذلك لأنهم يعرفون تماما بأن اختلال ميزان القوى الكبير جدا بينهم وبين عدوهم يمكن أن يطيح بكل وجودهم فضلا عن إنجازاتهم مهما كبرت في تلك الساعة تحديدا.

وعليه نستطيع القول إن الفلسطينيين انتخبوا "أبومازن" فعلا لكنهم لم يفوضوه تماما، انتخبوه رئيسا للسلطة الفلسطينية نعم ليروا إن كان بإمكانه أن يخفف عنهم المعاناة اليومية من جراء استمرار الاحتلال البشع ولم يمنحوه أي تفويض لعقد أية صفقة "سلام" مع جلاديهم. ليس لأنهم يكرهون السلام. أبدا، وليس لأنهم يريدون الحرب بأي ثمن كان، كلا. فقط لأنهم يفقهون تماما بأن اتفاق "أوسلو" المفروض عليهم بفعل انعدام تكافؤ الفرص واختلال ميزان القوى الفاضح يتطلب انتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية القادرة وحدها على عقد "الاتفاقات" مع العدو. وإلا لاختاروا مروان البرغوثي بالإجماع وبامتياز أو أي مناضل آخر يجمع عليه الرأي العام المنحاز بامتياز لاستمرار الانتفاضة والكفاح من دون كلل أو ملل.

إذا، فهم اختاروا "أبومازن" من القمة لمهمة "القاع" فيما أبقوا خيار البرغوثي - مروان - امتدادا للسياسة، في لعبة ذكية تمرسوا عليها خلال عقود الكفاح المريرة وكأن لسان حالهم يقول "السياسة فن الوجود".

ليس من شك بأنهم سيلعبون ورقة "أبومازن" حتى النفس الأخير. لكنهم لن يسمحوا من دون شك أيضا بأن يكون مفتاح الحرب والسلام بيد عدوهم الذي يريد تصفيتهم وتصفية قضيتهم "بورقة أبومازن" من خلال تجييرها باتجاه واحد.

قد يكون "أبومازن" مخلصا للشهيد عرفات كما يزعم وقد يكون خلاف ذلك. لسنا هنا بصدد تقييمه. لكن ما نريد قوله هو إن عرفات رحل من هذه الدنيا تاركا وراءه إرثا كبيرا جدا هو بحجم مكانة الشعب الفلسطيني وقضيته التي لا تتسع لها جغرافية السلطة الوطنية الفلسطينية وحدها أبدا. وبالتالي فإنه ليس بصحيح القول إن من يترأس السلطة الفلسطينية أو أن يكون عضوا في منظمة التحرير الفلسطينية أو حتى أمين سرها، فهو خليفة عرفات الطبيعي!

الأمر بحاجة إلى الوقت الكافي والاختبارات الكثيرة التي يفترض أن يجريها الشعب الفلسطيني على هذا الخليفة المفترض. وأول اختبار وأهمه ربما هو مدى تمسكه بالثوابت الوطنية. ولعل أهم ثابت وطني فلسطيني بعد إبقاء اليد على الزناد - أي عدم التخلي عن خيار البندقية والكفاح - هو الحفاظ على الوحدة الوطنية.

وفي مقدمة شروط الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية الإبقاء على مبدأ تحريم الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني مهما حصل. وهذا سيعني فيما يعني إدارة الظهر تماما لنداءات وصيحات وتهديدات الأميركيين والإسرائيليين الموجهة لمحمود عباس "بضرورة الالتزام بتعهداته" وهو ما يقصدون فيه تصريحا وليس تلميحا: ضرب وتفكيك الأجنحة العسكرية للمنظمات الفلسطينية. تحت عنوان "مخادع ومشبوه هو: محاربة الإرهاب"!

كذبة أخرى، أو خدعة أخرى قد يلجأون إليها مرة أخرى كما فعلوا في السابق وهي كذبة "وقف إطلاق النار" وهو اصطلاح يراد منه إيهام العالم وكأن هناك "جيشان" متحاربان واحد يريد "السلام" والمفاوضات وهو جيش "إسرائيل"! والثاني لا يريد ذلك! في الوقت الذي يعرف فيه العالم حق المعرفة بأن هناك جيشا محتلا مدججا بالسلاح الفتاك له مطلق الحرية في تدمير كل ما يعترض طريقه مقابل شعب أعزل بريء مدني بالطبع والطباع منتهكة حقوقه استطاع أن يسلح نفسه بأبسط الأسلحة ولا تنطبق عليه مقولة "وقف إطلاق النار" بأي عرف من الأعراف مطلقا.

وهنا لا أحد يريد الدخول في محاججة مع "أبومازن" بشأن عسكرة الانتفاضة والصواريخ و... فهذا ما نتركه لأهل الاختصاص من أهل الدار. لكن ما نريد قوله هنا هو ان ما هو مطلوب من أي زعيم فلسطيني يريد المضي على طريق عرفات وهو الحد الأدنى المتبقي لهذا الشعب العظيم هو أن يفقه معادلة الجمع بين "القاع" والقمة ولا ينزلق إلى خدعة التفريط بالبندقية والأرض فيخسر السلام والحرب معا

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 862 - الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً