العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ

ولاء راسخ ووطنية منقطعة النظير

صوَّت العراقيون... وخاب «الإعلاميون»!

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان حدس غالبية الإعلاميين العرب يصب في خانة فشل الانتخابات العراقية، وبغض النظر عن كونه حدسا (فكرياً) أم تفكيرياً فإنه لم يوفق في كشف مدى عمق الوعي في الشارع العراقي، هذا الشارع الذي قلب المعادلة وخالف التوقعات التي ظنت أن عاما من الكبت والاضطهاد كانت كافية لأن تجعله شعباً أجوف وقليل دراية بلعبة السياسة والديمقراطية.

الآن وبعد أن تبلورت الصورة الأولية، وأثبت العراق للعالم أنه بلد ربما يكون مؤهلاً أكثر من غيره من البلدان العربية للدخول في المعترك السياسي وممارسة الديمقراطية، وبعد أن تكشفت خيوط الغموض الطائفي أصبح من الصعب على الإعلاميين العرب أن يحرّكوا أصابع الفتنة وأن يثيروا زوابع التشكيك والتخويف. فمن شاهد بعض المواقف المشرفة التي تقشعر لوطنيتها الأبدان يتيقن أن العراق مازال بخير.

يقول العراقيون العقلاء إنهم ورثوا تماسك نسيجهم وتلاحمهم هذا من أجدادهم، فالتاريخ لم يسجل أية حروب عرقية أو طائفية في صفوف أبناء العراق منذ أمد بعيد. وما تلك التصريحات «الاثنية» والتفجيرات البغيضة سوى شحنات خارجية يريد بعض الظلاميين أن يفرغوها في العمق العراقي، وذلك - بحسب إصرار الشعب - ضرب من المحال. وإذا كانت قذائف الهاون والعمليات الانتحارية في قواعد قوات التحالف تدخل ضمن حساب مقاومة الاحتلال ففي أية خانة تصنف تلك الصواريخ التي تدك بيوت الأبرياء وتنتزع الأرواح الوديعة؟! هذا ما يسأل عنه العراقيون.

الغريب أن نبرات الخوف والتشكيك ما برحت تخرج برأسها بين فينة وأخرى محذرة من هلال شيعي تارة ومتخوفة من ضياع حقوق الأقليات تارة أخرى، في الوقت الذي تنادي فيه رموز عراقية كبيرة (كالشهرستاني والجعفري والحكيم) بأنها لن تتخلى عمن قاطعوا الانتخابات بل ستشركهم في صوغ الدستور في حال فوزها، وما عقد المؤتمر التنسيقي المقبل إلا بادرة طيبة تدلل على حسن النوايا. إذاً لا داعي لهذا الضرب على الوتر الطائفي من قبل البعض في وقت أحوج ما يكون فيه العراق إلى لملمة الشمل وبناء البيت الداخلي بناءً رصيناً بعد سنوات عجاف من الإذلال والامتهان.

قصص الوفاء...

الرسائل العفوية التي يبعثها عموم العراقيين هذه الأيام عبر وسائل الاعلام نافين وجود أية حساسية بين الطوائف والعشائر العراقية تثبت صدق النوايا بعيداً عن الأجواء السياسية. واللطيف في الأمر أن البعض كان يتمنى عدم زوال الحبر الأزرق من إصبعه ليظل رمزاً لولائه وانتمائه الوطني. وفي ذلك إشارة حية إلى ضمير نابض وعقل واعٍ يحمل همّ العراق الموحد.

ووجدنا خلال الأيام الانتخابية القليلة أكثر من إشارة مشابهة بل أبلغ تأثيراً وعلى رأسها ذلك الشرطي الذي مشى برجليه إلى الموت وأمسك بالانتحاري وهو يعلم أنه كان مدججاً بالألغام مضحياً بنفسه من أجل أن يقلل خطر التفجير وآثاره ويحفظ دماء الأبرياء فداءً لوطنه وشعبه.

قصة أخرى لا تقل تأثيراً عن تلك، وهي قصة المواطن العراقي الذي بُترت رجله وهو يهمّ بالتصويت جراء تفجير غاشم في أحد المواقع الانتخابية، فما كان منه إلا أن أصر على التصويت قبل أن ينقل بالإسعاف إلى المستشفى. لحظات تاريخية مشرّفة لن ينساها العالم... كل العالم.

هذه المشاهد وغيرها كثير، لم تدخل ضمن حسابات «الإعلاميين العرب» حينما كانوا يخمنون للانتخابات العراقية، بل قاسها البعض على خلفيته التاريخية والبعض الآخر قاسها على ما يطمح إليه بوش الذي انزعج كثيراً من هذه المفاجأة فخفف على نفسه الوطء بنسب هذا الانتصار إلى سياسته، وآخرون ربما قاسوها على (نواياهم)، لذلك جاءت تخميناتهم معاكسة للإرادة العراقية الصلبة وخاب «حدسهم».

المهم أن الخيوط تكشفت، ولم يعد الإعلام قادراً على حرف المسيرة التاريخية للعراقيين. فهم صمموا على أن يخطوا مصيرهم بأيديهم من دون عبث الأيدي الخارجية التي لم تفهم بعد طبيعة هذا النسيج المتماسك. فلا الاحتلال ولا الأصوات السياسية المناوئة الأخرى ولا بعض الإعلاميين العرب، يستطيعون تغيير اتجاه البوصلة مادام العراقيون يمسكون بدفة التغيير، والله خير حافظ

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً