العدد 891 - السبت 12 فبراير 2005م الموافق 03 محرم 1426هـ

التداخل الحاد لعوامل "الاستقطاب" و"الإنفراج" مع واشنطن

26 عاما على قيام الثورة الايرانية

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

في مثل هذه الأيام وقبل 26 عاما من الآن وفي شهر الثلج الإيراني - بهمن - "من 21 يناير/ كانون الثاني إلى 21 فبراير/ شباط" إذ تصل البرودة في بعض مدن البلاد إلى 25 تحت الصفر كانت حرارة الإيرانيين قد وصلت إلى أوجها لتصبح قادرة على صهر أقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط آنذاك وتعطيلها، فاتحة الباب أمام عهد جديد من الكفاح المستمر من أجل إعادة صوغ هوية المجتمع والدولة الإيرانية الحديثة على أسس مختلفة تماما عما عهده العالم من بلاد فارس.

قد توافق ذلك، الرجل الثمانيني أو تخالفه الرأي حول نظرته للسياسة والحكم والسلطة وعلاقة كل ذلك بالدين والفكر والفلسفة، لكن ما قذفه من حجر كبير في مياه "الفكر الديني" الراكدة آنذاك، ولاسيما فكر المدرسة الشيعية الفقهية التقليدية، كان بمثابة الزلزال الذي لم تنته آثاره بعد على رغم مرور ربع قرن على ذلك الحدث المثير للجدل على أكثر من صعيد. إنه فكر الامام روح الله الموسوي الخميني... الوارثون الإيرانيون لهذه المدرسة والذين يعيشون الذكرى الـ 26 لذلك الحدث الكبير الذي غير حاكمهم ونظام حكمهم ومسلكهم اليومي ونمط حياتهم ونوع علاقاتهم الإقليمية والدولية فيما هز هويتهم "القومية" في العمق، يعيشون اليوم مجددا واحدة من أهم تداعيات ذلك الحدث في لحظة يبدون فيها وكأنهم الوحيدون "الراكدة" احوالهم فيما العالم المحيط من حولهم يتحول بسرعة قصوى نحو المجهول!

طهران المصرة اليوم أكثر من أي وقت مضى على "المحافظة" على كل ما انجزته منذ 26 عاما حتى اليوم، ترى نفسها مطالبة بـ "تغيير" و"إصلاح" كل ما لديها على قاعدة مختلفة تماما عن القاعدة الايديولوجية والدينية التي ارتأتها عقيدة لها في الفكر والسلوك والممارسة السياسية.

فطهران "الخمينية" اليوم لا يمكن لها ان تتصور ولو للحظة واحدة بلادها وقد أصبحت جزءا من "شرق أوسط كبير" تعد له واشنطن منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ولا تقبل الخروج عليه من قبل احد ايا كان والا اعتبر دولة "مارقة"!

الفرق بين طهران قبل 26 عاما وطهران اليوم شاسع وكبير، كل همومها واهتماماتها تغيرت وأخذت لونا وشكلا ومضمونا جديدا اعترفت به واشنطن ام لم تعترف.

فطهران التي لاتزال "خمينية" على رغم كل التحولات الداخلية وعصر الإصلاحات والتغيير في السياسات ترى فيما ترى انه من حقها المشروع أولا وقبل كل شيء ان تنال "اعتراف" العالم بها ولاسيما من جانب ما يعرف بالعالم الغربي وتحديدا الولايات المتحدة، بانها - أي طهران - دولة مستقلة ذات نموذج في الحكم يعتبر خطا ثالثا أو خيارا ثالثا هو خيار الجمع بين الدين والديمقراطية على الطريقة الإيرانية.

بالمقابل فإن واشنطن التي صنفت "طهران" عضوا في محور الشر العالمي ترى فيها عقبة كأداء امام رياح الإصلاح والتغيير القادمة من العالم "الحر" وبالتالي لابد من ممارسة كل اشكال الضغط عليها لتغيير سياساتها ونهجها في الحكم أيضا باعتباره نهجا من زمن "الطغيان" الذي يجب تجاوزه بسرعة متناهية!

هاتان النظرتان المتقابلتان تجعلان من المستبعد إذا لم يكن من المستحيل التوافق بين طهران الحالية مع واشنطن الحالية بشأن الكثير من القضايا الساخنة والملفات الشائكة وفي مقدمتها فلسطين والعراق وأفغانستان ناهيك عن الملف النووي الإيراني الذي تعتبره طهران مفتاح استقلالها فيما تعتبره واشنطن مصدر قلق للعالم أجمع!

وبينما تعمل طهران عبر قناة الحوار والمفاوضات الشاملة مع الأوروبيين على اقناع العالم بضرورة "الاعتراف" لها بحقها في الحصول على التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية باعتبارها الوسيلة الأكثر قبولا والأقل كلفة للتوصل إلى تسوية منطقية ومعقولة بينها وبين العالم الخارجي يضمن لها استقلاليتها وحقها في الاختلاف، تسعى واشنطن جاهدة إلى الدفع بالأوروبيين إلى "التلويح" بالعصا الغليظة إلى جانب "الجزرة" الأوروبية بهدف اجبار طهران على وقف مشروعها النووي المستقل!

الأسابيع المقبلة التي تسبق عيد رأس السنة الإيرانية الشمسية "21 مارس/ آذار" ستكون حاسمة لدى الإيرانيين في تعاملهم مع القناة الأوروبية، فإن هم شعروا بالمماطلة والتسويف فإنهم سيلجأون إلى وقف المفاوضات وإعادة العمل بتخصيب اليورانيوم الذي اوقفوه تطوعا كبادرة حسن نية.

وفي هذا الوقت تكون الإدارة الأميركية وبتحريض مستمر وقوي من الإسرائيليين قد عززت خيارات ما تسميه بالضربة "الوقائية" التي طالما لوحت بها ضد المنشآت النووية الإيرانية! اما إذا ما نجح الأوروبيون في تجاوز الضغوط الأميركية وتوصلوا مع طهران إلى تسوية تتضمن اعترافا للإيرانيين بحقهم في الحصول على التقنية النووية للاغراض السلمية وإعادة ممارسة نشاطهم في مجال إنتاج الوقود النووي تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة بالاشتراك مع قوى أوروبية فاعلة، وان تطلب الأمر "شراكة" أميركية فإن العالم يكون قد تنفس الصعداء! وتجاوز اخطار "حروب" جديدة تلوح في الافق.

الأوضاع المتقلبة في كل من العراق وفلسطين ولبنان وتباعا سورية إذ يوجد الأميركيون والإيرانيون في درجات متفاوتة من النفوذ والتحالفات المعقدة يمكن لها ان تدخل كعوامل قوية على خط "الاستقطاب" أو "الانفراج" في الازمة المفتوحة بين واشنطن وطهران.

طهران التي تستعد لإجراء انتخاباتها الرئاسية التاسعة في وضع داخلي وخارجي هو الاعقد منذ قيام نظامها الجديد تغلي ساحتها الداخلية في نقاشات وجدل بلا حدود وعن كل شيء تقريبا تجد نفسها بحاجة ماسة إلى اجماع وطني ووفاق سياسي عن نقطة مركزية خارجية بعيدة عن السجالات الداخلية قد تجد في ملفها النووي النقطة الأكثر توحدا للتيارات المختلفة لتخوض تلك الانتخابات "في 17 يونيو/ حزيران المقبل" بحيوية وحراك فريدين من نوعهما هذه المرة.

فللمرة الأولى ربما يظهر المرشحون الإيرانيون للرئاسة باطياف مختلفة تتجاوز التقسيم التقليدي لما بات يعرف باليمين واليسار أو المحافظين والإصلاحيين، فيما تغيب الشعارات الايديولوجية تماما عن برامجهم وعيونهم جميعا شاخصة على الشباب والوضع المعيشي للناس.

الجميع ومن دون استثناء يخطب ود ليلى "الشباب" ويعد بالتغيير فيما ليلى "تتدلل" عليهم رافعة ثمن المشاركة إلى الحد الاقصى وهي تطالب بتعريف مجدد للهوية الاجتماعية وطنيا ودينيا وسياسيا باحثة هي الأخرى عن "الاعتراف" لها بالفضل، فضل بقاء الجمهورية الوليدة قوية ومزدهرة بعيدا عن استقطابات الخارج التي تهدد بـ "طوفان" الحرية والديمقراطية!

وسط هذا الخضم الداخلي والخارجي المتلاطم يستعد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي لتوديع موقع الرئاسة الإيراني وهو على ثقة بان الرئيس القادم من بعده ايا كان سوف لن يقدر على إدارة دفة المركب الرئاسي من دون برنامج واضح وشفاف يعتمد الإصلاح منهجا لا رجعة عنه والقانون حكما لاجدال حوله، وقد يكون هذا أهم انجاز حققه التلميذ النجيب لا "الخمينية" التي قامت أصلا على قاعدة تحريك المياه الراكدة في كل ما هو تقليدي كما أشرنا في المقدمة.

طهران الدولة والثورة تبحث إذا عن "اعتراف" لها في ذكرى ثورتها الـ ،26 بإنها خيار ثالث خارج على ثنائية اما "الحتمية التاريخية" الماركسية أو "نهاية التاريخ" الليبرالية، تبقى الكلمة الأخيرة للشباب الإيراني الذي يشكل نحو 70 في المئة من أفراد الشعب ليحسم خياراته الوطنية

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 891 - السبت 12 فبراير 2005م الموافق 03 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً