العدد 892 - الأحد 13 فبراير 2005م الموافق 04 محرم 1426هـ

"الكوتا" غير دستورية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

التصريح بعدم تبني نظام "الكوتا" النسائية الذي أدلى به المجلس الأعلى للمرأة في الآونة الأخيرة، أعاد إلى الأذهان سؤالا ملحا، هو ماذا يمثل المجلس الأعلى للمرأة البحرينية، وماذا تمثل الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي البحريني الذي يتبنى نظام "الكوتا" لها أيضا؟ فالتصريح ومبرراته جاءت تقليدية، ولطالما تبنته وصرحت به الكثير من التيارات الفكرية والسياسية العربية، إذ نظرت له وعارضته وسوغت مختلف الأسباب لتلك المعارضة، ونذكر منها على سبيل المثال أن المقاعد المعينة ستدخل المرأة في إطار العطف والشفقة وخصوصا إذا لم يتوافر "للكوتا" غطاء وحماية اجتماعية نابعة من حاجة المجتمع وإرادته، كما انه بحسب تنظيراتهم سيضعف من فرص زيادة نسبة وجودها في البرلمان وستصبح غير قادرة على المنافسة، فضلا عن احتمال خسارتها أصوات النائب الرجل، يذكرون أيضا ان "الكوتا" في الأصل تعطى للأقليات الدينية أو العرقية أو الأثنية وهذا يعني التعامل مع النسوة وكأنهن أقلية وفي هذا تجن وتخل عن مبدأ المنافسة، وهو يتعارض مع مبدأ الديمقراطية القائم على التنافس الحر والشرعي والمساواة القانونية، لا بل إن خطاب "الكوتا" يقر بدونية المرأة وعدم الثقة بها. كل هذه الأسباب يتم تسويغها على ألسنة بعض عضوات المجلس الأعلى للمرأة.

والسؤال المحرج يدور حول ماهية الرأي من قضية تعيين عضوات في مجلس الشورى، هل هو من الديمقراطية في شيء؟ ثم أليس فيه أيضا عطف وشفقة على النساء؟ بيد أن أهم أسباب رفض "الكوتا" كما صرح به كونها مخالفة لنصوص الدستور الذي يشدد على المساواة ما بين الرجل والمرأة. وقد عبرت إحدى عضوات المجلس الأعلى في مقابلة لها قائلة: إنه نظام غير دستوري، وإنه عندما تطالب المرأة بالمساواة عليها أن تنزل الانتخابات وتثبت كفاءاتها وجدارتها وتناضل في هذه المعركة من أجل الوصول، فهذا النظام سيفتح أبوابا لمطالبة تمييزية مماثلة للرجل ولكن في مجالات أخرى، وقد تصل "الكوتا" بنساء غير كفؤات إلى مجلس النواب!! "11 ديسمبر/ كانون الأول ،2004 "الأيام"، وعليه، ماذا عن التعيينات التي تمت في السابق لعضوات في مجلس الشورى، هل من آلية تعتمد الكفاءة والخبرة والتمييز لدى هؤلاء النسوة؟

أما في سياق القول بعدم دستورية "الكوتا"، فيستشهد اللبناني إدمون نعيم في دراسة له حولها قائلا: "...إن العلامة دومنييك روسو في ملخص لآراء القضاة الفرنسيين وعلماء القانون في موضوع إمكان استبعاد مبدأ المساواة، قال: السبب الأول يمكن بنظر المجلس الدستوري أن يبرر مساس مبدأ المساواة هو اختلاف الوضع، فمبدأ المساواة لا يمنع من أن ينص قانون على قواعد مختلفة بالنسبة إلى فئات من الناس تكون في أوضاع مختلفة... والسبب الآخر الذي يبرر استبعاد مبدأ المساواة هو المصلحة العامة، فهذا المبدأ يقول إن المجلس الدستوري لا يمنع المشرع من استبعاد المساواة لأسباب ما تتعلق بالمصلحة العامة".

ويضيف دومنييك روسو محللا آراء المجلس الدستوري: "... يجب أن يكون بين القاعدة المخالفة للمساواة والمصلحة العامة المدعى تأمينها رابطة ضرورية وعلاقة منطقية" كيف نفسر ما جاء به؟ نفسره بأنه لو صح الحديث جدلا من كون نظام "الكوتا" يخالف الدستور ففي الواقع تربطه علاقة منطقية بالدستور ومن خلال زيادة نسبة مشاركة المرأة ووجودها في مواقع صنع القرار، ستتحقق لا ريب المصلحة العامة للمجتمع، علاوة على أن إتاحة هذه الفرص تعني ما تعنيه عمليا لإثبات القدرات والكفاءات المعطلة وتراكمها، وليس المناداة بها كشعارات استهلاكية.

تدخل المشرع وتطبيق نظام "الكوتا" يعني التجاوز والإفلات من السلوكات التقليدية، وتمكين المرأة بشكل غير مباشر من الإفلات من التمييز، فحتى تستقيم ظروف المنافسة المتكافئة التي يدعو إليها المجلس الأعلى للمرأة بحرارة وإخلاص شديدين، تستدعي التوقف طويلا صوب الإشكاليات المتعددة التي لم تتغير بعد، ومنها ان قضايا المرأة ومشاركتها في الحياة العامة لاتزال في مجتمعنا قضايا مثيرة للجدل ومختلفا عليها، والفجوة ما بين التشريع والتطبيق واسعة، يضاف إليها ضعف أداء الجمعيات النسائية، فعلى رغم تاريخها العريق الذي لم يوصلها بعد إلى منصة الانطلاق نحو تشكيل قوة ضاغطة للتغيير وتحقيق المكاسب الحقوقية للمرأة، فهي إلى الآن لم تحظ بالاعتراف باتحادها النسائي بسبب قانون الجمعيات الأهلية.

ولهذه الأسباب وغيرها صار الواقع يتطلب أكثر من السابق، تعزيزا للوعي المتدني بالحقوق التشريعية والمهنية والسياسية، واتخاذ الإجراءات وسن التشريعات المتعلقة بالمرأة وتحديثها بما يتلاءم والمواثيق الدولية، فالتمييز ضدها لايزال ساري المفعول حتى في القوانين والتشريعات وعدم وجود قانون لأحكام الأسرة دليل ساطع على ما نقول. والأهم من هذا وذاك، تعديل القانون الانتخابي بما يفسح المجال أكثر لمنافسة عادلة، وتطبيق بنود اتفاق "السيداو"، وهذا لن يكون إلا بتنفيذ ما جاء في منهاج بيغين ونص المادة 182 المتعلقة بـ "حق الحصة" للمرأة في الحصول على موقع في مختلف مؤسسات الدولة ومجالسها التنفيذية والتشريعية، ما يعني اننا لا نتحدث عن تمييز إيجابي للمرأة أثناء خوض الانتخابات التشريعية والبلدية فقط. كلا نحن نطالب بتطبيق "كوتا" نسائية في مؤسسات الدولة كافة وتعزيزها عن طريق تشجيع الجمعيات السياسية والمنظمات الأهلية على إشراك المرأة في المناصب العامة والمستويات نفسها المتاحة للرجل وضمن آليات تعتمد الكفاءة والتدريب والتشجيع وليس الإحباط والانتقائية والمزاجية والمحسوبية عند التعينيات التي تتم على مستوى المناصب في مؤسسات الدولة وهيئاتها الرسمية.

من دون شك، هناك حاجة لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وإعادة قراءة لتاريخ المشاركة السياسية للمرأة البحرينية، إذ من المجحف ترديد القول إن البحرينية حديثة العهد بالعمل السياسي الشاق الذي لا يرفق بالقوارير. لماذا؟ أولا: لأن المرأة البحرينية شاركت مع الرجل في جميع المراحل النضالية وعانت كما عانى من الاستبداد والتسلط، كما شاركت في التنظيمات السرية، وإن لم يكتب هذا الجزء من تاريخها فهو اما لقصور المرأة نفسها بأخذ المبادرة والبدء بكتابة تاريخ مشاركتها علما بأن غالبية كتاب التاريخ هم من الرجال.

وثانيا: إن العمل السياسي لا يقتصر على خوض الانتخابات، وتجربة خوضها جديدة على الرجل تماما كما على المرأة والسبب يعود إلى حجب الممارسة الديمقراطية لمدة 27 عاما عن كلاهما.

والآن آراء المجلس الأعلى للمرأة جاءت رافضة مبدأ نظام "الكوتا" النسائية فلا غرابة أبدا من تصريح بعض النواب البرلمانيين ومنهم عيسى أبوالفتح: بأنه "إذ أرادت المرأة المساواة، فعليها نسيان مفهوم التمييز الايجابي" "2 فبراير/شباط 2005 "الوسط"". بالذمة، لهذا الرأي ولمن في أتباعه، كيف من الممكن خوض منافسة متكافئة ضد هذه التوجهات وتلك التي تستعين وتستهلك التفسير السطحي للمفاهيم المتعارف عليها دوليا، وتستحضر القيم والتقاليد التمييزية ضد النساء، تماما كما تستهلك القيم الدينية لأجل الهدف ذاته. وبناء عليه، لا بد من دعوة الشخصيات النسائية الرسمية والمعينة في مجلس الشورى واللاتي يرفضن تطبيق نظام "الكوتا"، إلى أن ينزلن إلى ميدان المنافسة في الانتخابات المقبلة مع الرجال واكتشاف ما إذا كانت الظروف متكافئة والفرص متاحة للمرأة لكي تثبت جدارتها وجديتها كما أسلفن.

بدورها طالبت رئيسة إحدى الجمعيات النسائية في ردها على القرار الرافض لنظام "الكوتا" قائلة: "لابد من تحديد آلية بديلة عن نظام الكوتا في حال معارضته" "2 فبراير 2005 "الوسط"". أثمة ضرورة للسؤال عما وراء هذا الخطاب؟ وإلى ما سيؤدي إليه؟

الإجابة: نعم، ونعم كبيرة تقودنا حتما إلى سؤال آخر، يتعلق بمستويات المناعة والتحصين وقدرة أطراف الحركة النسائية على صد الاحتواء والدفاع عن المبادئ والقيم التي تبنوها ومنها استقلالية التمثيل، وتطبيق نظام "الكوتا" الذي تتبناه بحسب علمنا غالبية الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي البحريني. لقد آمن "بالكوتا" وسوقن لها وإذ ببعضهن يصمت حيال رفضها، والآخر يتخلى عنها بعد صدور القرار الرسمي، بحثا عن البدائل! فعلا ما هي البدائل المطلوبة؟ لما لا نفكر بصوت مسموع، أعتقد وقد يكون اعتقادي خاطئا، البدائل تعني التعينيات الرسمية وتنصيب عدد من الشخصيات النسائية البارزة على المنصات هنا وهناك في مؤسسات الدولة الرسمية ومجلس الشورى والهيئات. وطبعا لا مانع من ذلك إن تم اعتماد آلية تحتكم للكفاءة والخبرة والنزاهة. سؤال أخير: أهذا ما سعت إليه مناضلات ورائدات الحركة النسائية البحرينية؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 892 - الأحد 13 فبراير 2005م الموافق 04 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً