العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ

الشيراوي.. سؤال الذاكرة

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

لو طرحنا هذا السؤال في اروقة الصحف البحرينية اليوم: من هو محمد قاسم الشيراوي؟. ترى كم من الصحافيين او العاملين الاخرين في الاقسام الاخرى سيعرف اجابة صحيحة مكتملة؟ اظن ان اولئك الذين سيعرفون الرجل لن يتعدوا اصابع اليد الواحدة في كل هذه الصحف.

السبب ليس بيدهم بل هو اكبر منهم: الزمن. فالمرحوم محمد قاسم الشيراوي ينتمي لزمن آخر، لكن الا تلاحظون معي هذه القطيعة المعرفية التي تلف صحافتنا المحلية؟. لقد دخلت اجيال جديدة من الصحافيين لكن ذاكرتهم لا تمتد الى ما هو اكثر من عقد مضى؟. لكن هل هذا ذنبهم ان يكونوا في اواسط العشرين من العمر او ما دون ذلك؟.

اقرأوا الصحف جيدا وتمعنوا في الاخبار والتحقيقات والمقابلات، ستشعرون دوما بان هناك شيئا ناقصا. اخبار بلا خلفيات على الدوام وتحقيقات تكتب عن مشكلات تبدو وكأنها مستجدة لكن آخرين لن يجدوا فيها سوى تكرار ممل لقصة تتكرر في كل خمس سنوات في الصحافة. وفي كل مرة تطرح المشكلة وكأنها وليدة الساعة، فالتاريخ غائب والذاكرة تعمل يوما بيوم.

إنه الوقت الذي تتداعى فيه ذاكرتي تلك التعليقات الذكية التي كان يطلقها صديقي الراحل حسن النعيمي سكرتير تحرير اخبار الخليج. في سنوات عمله الطويلة في الصحافة، عاصر المرحوم حسن اجيالا من الصحافيين وهو الذي بدأ العمل في منتصف الستينات. لن اجد اليوم تعليقا لماحا مثل هذا: "الموضوعات التي يطرحها الصحافيون الجدد تأتي دوما وفق سيناريو لا يتغير..اول موضوع عن الشباب والفراغ، يليه موضوع عن معلمي السياقة، ثم اخر عن غلاء المهور ورابع عن غلاء المعيشة".

هكذا كان يعلق حسن بن علي النعيمي، واليوم اجد هذه التعليقات على ألسنتنا نحن الذين كنا داخلين جدد في بداية الثمانينات؟. هل هذا خيط قدري؟.

تغيرت الازمنة الآن، واليوم توالي حرية التعبير ادهاشنا بالمزيد من المفاجآت واخبار من نوع جديد في كل ميدان، لكن خلل الذاكرة لم يتغير. فالاخبار ماتزال تكتب دون خلفيات، والتحقيقات مهما تلونت ماتزال تبدو وكأنها مستجدة وخالية من الارقام، والمقارنات الذكية بين الامس واليوم. المشكلات تبدو دوما وليدة ساعتها وليست ثمرة تاريخ ابعد. هكذا اذا، فعندما تفقد الصحافة احساسها بالتاريخ على النحو الاشمل وشيئا من المهنية في العمل اليومي، سيغدو الصحافيون ايضا مثل الكتاب المياومين والمعلومات وليدة يومها.

تصوروا السؤال نفسه عن محمود المردي مثلا أو علي سيار أو عبدالله الزايد أو ابراهيم العريض أو تقي البحارنة أو الشاعر عبدالرحمن المعاودة أو المرحوم ابراهيم المؤيد أو حسن الجشي. هؤلاء كانوا صحافيي العقود الملتهبة، من الثلاثينات وحتى نهاية الخمسينات والسبعينات، لكن الاسماء لا توحي الا بذكريات غائرة يلفها الضباب لان التاريخ الموثق غائب.

هذه الطبيعة اللاهثة لصحافتنا اثمرت غير هذه الذاكرة المثقوبة امرا آخر: غياب التقاليد المهنية. ولان التقاليد تبنى على تاريخ، فان القطيعة هي الحقيقة الوحيدة السائدة هنا.

مثلما رحل الاخرون، لقي الشيراوي وجه ربه وهو في الظل، لا بسبب الكهولة والمرض بل رحل وهو في ظلال الذاكرة.

لا يتعلق الامر بالاشخاص بقدر ما يتعلق بالتاريخ، ففقدان الاحساس بالتاريخ لا يدفع بالاشخاص الى زوايا النسيان، بل يدفع مجتمعا بأسره الى اللهاث بما يعنيه ذلك من فقدان القدرة على اصدار الاحكام الصائبة وفي حالتنا القدرة على اداء المهنة باقصى حدود الجودة.

اترون محنتنا؟ عبارتي المفضلة حتى يأتي الوقت والمبادرات التي يمكن ان تجعلني اتخلى عنها

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً