العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ

على أوروبا ألا تكرر أخطاءها التاريخية

محمد حسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

حذر آية الله السيد محمد حسين فضل الله أوروبا من الانخراط في صفقات خلفية مع أميركا لأنها بذلك تكرر خطأها التاريخي ضد العرب والمسلمين، فالذي يركز دورها في المنطقة ويعطيه الامتداد هو وقوفها مع القضايا الحية لشعوب المنطقة، وناشد الشعوب العربية والإسلامية أن تسعى للوحدة بكل عناوينها العربية والإسلامية والوطنية، وأن تعمل لانتزاع كل عناصر الفرقة أمام خطورة الهجمة.

جاء ذلك في جوابه على سؤال في ندوته الأسبوعية بشأن موقف الإسلام من العلاقات الدولية وأسسها.

وقال فضل الله: "راعى الإسلام في مسألة العلاقات الدولية خصوصيات الشعوب والمجموعات البشرية فلم يقتحم عليها خصوصياتها أو يسقط اعتباراتها الذاتية التي تصنفها في دائرة حركتها الخاصة، ولم يشترط عليها أن تنزع هذا الثوب... وركز على مبدأ السلم في العلاقات واعتباره الأصل في التعامل مع الشعوب والأنظمة والجهات التي تختلف مع المسلمين، فالحرب هي الاستثناء وليست القاعدة، وهي ليست هدفا ولا غاية، وفي التراث الإسلامي أن أنصار الإمام علي "ع" الذين أخذوا عليه عدم مباشرته أهل الشام وجيش معاوية بالقتال في صفين حاولوا استفساره عن هذا البطء في التحرك نحو الحرب، فقال لهم: "والله ما دفعت الحرب يوما إلا وأنا أطمع أن تهتدي بي فتعشو إلى ضوئي وذلك أحب إلي من أن أقاتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها".

دم ومال الآخر حرام

وأكد الإسلام جملة من الثوابت والمبادئ والأخلاقيات العامة في العلاقات الدولية أبرزها احترام الآخر وعدم الاعتداء عليه، لأن العدوان يمثل ظلما مستقبحا، وقد جاء الإسلام كبقية الرسالات لإقامة العدل في الأرض، والآخر غير المسلم محترم في نفسه وفي دمه وماله. ومن هنا كنا نؤكد على المسلمين وخصوصا أولئك الذين يعيشون في بلاد الاغتراب أن مال غير المسلمين محترم، وأن كفر الإنسان لا يسقط حرمته وحرمة ماله وعرضه وما إلى ذلك.

وثمة مبدأ في العلاقات الدولية أكده الإسلام ألا وهو "التحالف" واحترام المواثيق والعهود في العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول، ولكن على أساس أن ينطلق من أساس متين في احترام حقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين، حتى أن النبي "ص" أشاد بحلف الفضول في الجاهلية، وقال "ص": "لو دعيت إلى مثله لأجبت"، لأنه كان يتضمن نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف. ولهذا فكل المواثيق الدولية التي تحترم الإنسان وتدافع عن حقوقه يقرها الإسلام حتى لو جاءت من غيره وحتى لو وضعها الآخرون. بيد أن الإسلام لا يقر الأحلاف التي تتم على حساب شعوب وجماعات أخرى أو التي تظلم فيها هذه الجهة أو تلك، فموازين القوى ليست هي التي تمنح العقود والمواثيق شرعيتها، وإنما الذي يعطيها الشرعية هو ما تملكه من عناصر الحق ونصرة المظلوم. ولذلك فإن الظلم مهما أعطي من عناوين دولية براقة كعنوان الديمقراطية الذي يمثل الإدارة الأميركية الحالية، فإن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئا.

وعليه، كنا نحذر من الانتقائية في تطبيق المواثيق والعهود، وألا يفسح المجال للقوة الغاشمة أن تفرض نفسها على المستوى الدولي انطلاقا من قدرتها على الضغط وتزييف الحقائق، وهو الأمر الذي تجيده الإدارة الأميركية، إذ تنطلق من موقع عدوانها ومخاصمتها لأسس القانون الدولية لتدعي أن ما تقوم به إنما هو لتطبيق هذا القانون غير آبهة بكل التفسيرات والتحذيرات لها من مخاطر هذا الفهم لمسألة القانون الدولي، والذي ينطلق من نزوة العدوان وحب السيطرة والاستيلاء. وإذا كانت حربها على العراق لا تكتسب أي لون من ألوان الشرعية، كما أكد أمين عام الأمم المتحدة، فقد بنت كل ما تتطلع إليه في المنطقة على باطل، وما يبنى على باطل فهو باطل، وإن لبس هذا الباطل لبوس الحرية والديمقراطية، وما إلى ذلك. ولقد كنا نتمنى على بعض الدول الأوروبية التي حملت لواء الرفض لمشروع الحرب الأميركية وحذرتها من مخاطرها ألا تنخرط في تحالفات خلفية معها، وألا تسكت على جرائم الاحتلال الأميركي في العراق، وألا تنسحب من مطالبتها أميركا بجدولة انسحابها من العراق لحساب الأمم المتحدة، لمجرد أن أميركا الإدارة تعد هذه الدولة وتلك ببسط يدها أكثر في مواقع أخرى، لأنها بذلك تكرر الخطأ التاريخي الذي سبق وارتكبته ضد العرب والمسلمين.

وإننا نحذر هذه الدول من أن أميركا عندما تعقد الصفقات الخفية أو العلنية، فإنها لا تعقدها على أساس مراعاة مصالح هذه الدول، بل لإعطاء الفرصة أكثر لنفسها للانقضاض على بقية المواقع لحساب مصالحها الخاصة، ولذلك فإن ما قد تتعهد به أميركا الإدارة لأية قوة أو فئة ستجعله تحت قدميها عندما تأتيها الفرصة المناسبة.

لقد كنا نريد للدول التي تعتبر نفسها أنها أطلقت مبادئ حقوق الإنسان والمساواة والثورة على الظلم والدكتاتوريات أن تستمر في وقفتها ضد الإدارة الأميركية التي أدخلت المنطقة كلها في جحيم أمني وسياسي قد تمتد نيرانه إلى خارج المنطقة على رغم ادعاءات بوش بأن حربه على ما يسمى "الإرهاب" قد حققت نتائج هنا وهناك، فهو يتحدث عن قبض هذه الدولة وتلك على شبكة أو مجموعة، ولا يشير إلى ردود فعل الشعوب التي انطلق الإرهاب الأميركي ليقهرها وليعاديها، فيجعلها قنابل موقوتة في مواجهة أمنه وسلامه المزعوم.

إننا في الوقت الذي نعرف أن ثمة صفقات دولية قد عقدت على حساب مصالحنا كشعوب عربية وإسلامية، وأن ثمة استهدافات جديدة لقوى الممانعة والمقاومة التي تقدم لها بعض الكلمات الحلوة كطعم وفخ، نقول للدول التي لاتزال تعيش روح الحرية والعدالة في بعض تجلياتها السياسية: إن الذي يركز دوركم في المنطقة ويعطيه الامتداد هو وقوفكم مع القضايا الحية المتحركة لشعوب هذه المنطقة وليس عقد الصفقات الخلفية أو الاتفاق هنا وهناك على ما يصفه البعض بأنه أنصاف حلول تنتظر نتائج قادمة وأوضاع قد تتبلور.

ونقول لشعوبنا إن قوتها في وحدتها تحت العنوان العربي والإسلامي والوطني، فخطورة الهجمة تستدعي انتزاع كل عناصر الفرقة والتزام كل العناوين الجامعة، وعلى هذه الشعوب أن تدرك أن ما تتحرك به المحاور الدولية من رسم للتحالفات وللخرائط السياسية ليست هي الأساس، لأن شعوبنا هي التي تقرر كيف تسقط هذه الخطط كما أسقطت مثيلاتها في الساب

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً