العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ

أنت تذبح ... إذا أنت موجود!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

"من رأى منكم عراقيا فليذبحه بيده، فإن لم يستطع فبمدفع هاون، وإن لم يستطع فبسيارة مفخخة، وذلك أضعف الإيمان"! هكذا يتبلور مفهوم التضحية لدى بعض الجماعات التي باتت تستبيح دم العراق وكرامته. ففي طرفة عين أصبح شعارنا "وأد الإنسانية"، وصار التلذذ بقتل الأخ المسلم "عوضا عن المحتل" فريضة. حلقة إرهابية متكاملة تحركها أياد خفية هي المتمصلحة الأولى، لا ترقب في المسلمين إلا ولا ذمة، تتلقى أوامرها من الأيدي الملطخة بعار ظليمة الأبرياء. لا تكاد تجف الدموع على مأساة دموية في العراق حتى تتجدد مجزرة أخرى. وبدءا من كربلاء وليس انتهاء بالحلة، تبدو الخيوط المحاكة معقدة، إلا ان ما يحل هذه العقدة هو النظر إلى المستهدف والمستهدف فحسب. ما حدث أخيرا في الحلة ويحدث كل يوم من جرائم نكراء يحمل بداخله رسالة مازالت غامضة لدى الكثيرين، إلا ان حكام العالم وسياسييهم يفقهون فحوى هذه الرسالة، وما صم الآذان هذا إلا إتقانا للدور الذي يلعبونه في مسرحية متكاملة الأدوار. انه قدر العراق الذي تصنع مأساته أجيال متعاقبة من الظلاميين والأيدي الآثمة. وهكذا يدور العراق في حلقة دموية لا انتهاء لها، كما يقول شاعر العراق موفق محمد:

"إن العراق أبوالمصائب منذ بدء الخلق

لم يأنس بنهريه

ولم يأمن من الخوف

ولم يطعم جياعه...".

كلنا يفهم أن تقاوم المحتل بهذه الطريقة أو تلك، ولكن ما لا نفهمه أن تشرع لنفسك قتل المئات من اخوتك في الدين اختلفوا معك سياسيا، فتتهمهم بالتعاون مع المحتل. ولك أن تسأل نفسك: كم ألف بريء من شعبك تقتل في مقابل كل جندي محتل واحد؟ وفوق ذلك فكر بحجتك يوم تقف غدا أمام الله "عز وجل".

للشهادة معنى أقدس وأجل من التلاعب الحاصل بالأرواح. وللشهادة قيمة أثمن من الضغائن التاريخية أو السياسية، ومفهوم الاستشهاد أسمى من أن يتحول إلى لعبة يحركها الهوى. ومن الضروري أن نفرق بين مضامين "الاستشهاد" و"الاسترهاب". ولم نكن نتصور أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الخلط بين مفاهيم التضحية ونصرة الدين أو المبادئ. حتى التيارات الفكرية الأخرى التي تتبنى مبدأ الشهادة لنشر الحرية كالاشتراكية وغيرها وضعت مفهوما مقاربا للمفهوم الإسلامي للشهادة في الوقت الذي يلجأ فيه من يدعي الإسلام إلى تحوير هذا المفهوم إلى ما يناسب أهواءه.

أليس مفهوم الشهادة الذي تستحضره غالبية الحركات الإسلامية على مر التاريخ لا يعني إلا تقديم النفس فداء لتحقيق الأهداف الإنسانية السامية على أرض الواقع، ومن أجل تخليص البشرية من همجية الاستغلال...؟ حتى الاشتراكيين يرون تحقيق الهدف السامي من دون أن يعرض حياة المسالمين وممتلكاتهم للهلاك. بينما الإرهاب والاسترهاب يهدد أمن الأمم ويفقدها طمأنينتها. وهذا هو منطق الشهادة والاستشهاد الذي يتميز عن منطق الإرهاب والاسترهاب وسياسة الذبح وقطع الرؤوس.

والسؤال: من يدفع هؤلاء للإقدام على هذه الجرائم؟ ومن يغذيهم بتلك المفاهيم المغلوطة؟ ومن الذي يزرع فيهم خلايا الضغينة السرطانية التي باتت تتفشى في حياة الأمة؟ أليست تلك الفتاوى التي تزين لهؤلاء القتل وتعدهم بالجنة وتعطيهم الضوء الأخضر لقتل مئات الأبرياء من اخوانهم في الدين "تقربا إلى الله"؟!

إن ما جاء على لسان بعض المراقبين في القنوات الإعلامية يدعو حقيقة إلى إثارة كثير من الأسئلة، فهو يصرح بأن بعض المؤسسات والشخصيات العراقية المعروفة مازال باستطاعتها إيقاف العمليات الانتحارية. فلو ثبت صدق ذلك سيبقى على عاتق من أشير إليهم أمام كل العالم إيقاف حمامات الدم في العراق الجريح، وإلا فإنهم سيحملون وزر وعار هذه الجرائم الدموية التي أنهكت العراق المظلوم. ويبقى النداء:

"لمن كل هذا العراق؟

أيبقى جريحا إلى الآخرة؟

فيا رب... لملم جراح العراق

ورفقا بأرحامه الطاهرة

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً