العدد 934 - الأحد 27 مارس 2005م الموافق 16 صفر 1426هـ

جدلية التمييز والعنف... إلى أين؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

نصف قرن من عمر "النهضة"، أيقونة على حائط الوطن، ومحطة وقفت تحت ظلها عضوات جمعية نهضة فتاة البحرين لمعاينة تجربتهن في التواصل مع المجتمع وقضايا النساء، وليؤكدن حقيقة مفادها: "إن ريادة العمل النسائي ليست شعارا لفظيا رفعنه على السواعد، أو أحلام يقظة استغرقت الزمن ضياعا، أو ضوءا اشتعل في أوقات المد وخفت عند الجزر، ووقتما حلت الأزمات. الريادة كانت الحروف التي خطتها أيدي الرائدات، وخطبن بها صفحات التاريخ بالفعل الاجتماعي والعمل التطوعي منذ تأسيس الدولة الحديثة والنهوض بالوطن".

النهضة تحملت برحابة صدر مسئولية الريادة بوعي وروح وطنية عالية عبرت فيها بأنها دار من دور الوطن وجزيرة بين أرخبيله، وربان في سفنه وشعلة موقدة في أرجائه، وهي حملها الثقيل من هموم بناء الوطن والمساهمة في تحديث المجتمع بالتعليم ومحو الأمية والخدمات الاجتماعية، وتبني قضايا المرأة البحرينية والتعبير عن همومها ومشكلاتها والمطالبة بحقوقها التشريعية والقانونية التي تصونها وتحررها وتعزز من مكانتها في الشأن العام.

ولأن دواعي الاحتفال باليوبيل الذهبي كانت تحتم تبادل التبريكات وتستوجب تكريم الرائدات، وتستدعي الحديث بفرح عن الإنجازات إلى الصحافة ووسائل الإعلام، إلا إنها تعبر بجلاء عن التصاق "النهضة" الحميم بقضايا نساء الوطن من أجل تذليل المصاعب والمشكلات وتحقيق المطالب، وهذا بالذات ما بلورته وعكسته محاور الحلقة النقاشية "لنعمل معا من أجل أسرة خالية من العنف"، التي امتد فيها الحوار على مدى يومين متتالين "13-14 مارس/آذار 2005". عرضت فيها تجربتا مكتب الإرشاد الأسري "بالنهضة" و"الخط الساخن" للشقيقة "أوال". تخللهما عرض فيلم حزين بطلاته ثلاث نساء تعرضن للعنف، فكانت شهاداتهن بمثابة صفعة قوية على التصريحات الرسمية القائلة بنفي حقيقة وجود العنف ضد النساء كظاهرة مجتمعية، فضلا عن أنها جرس إنذار يدعو إلى إصلاح سريع للقضاء الشرعي.

الحال الأولى، سردتها الزوجة التي داوم زوجها على إهانتها وضربها منذ 12 عاما، والسبب كما صرحت الزوجة معاناته من مرض "الشك والريبة". أما الحال الثانية فقد عبرت عن حكمة بليغة، دعت فيها النساء إلى الخروج عن صمتهن والكشف عن جرائم العنف. بكت وأبكت الحاضرين معها، فزوجها مدمن كحول ومخدرات، اغتصب "الشغالات" اللواتي عملن في بيته، يضرب الزوجة فيفزع الأبناء، وفي ختام المشهد المأسوي، يغتصب ابنته بدم بارد، ويكذب الأم والابنة حين أبلغتا شكواهما الشرطة، ويحكم عليه القاضي شهرين سجنا لا غير، ليخرج بعدها "فكا مفترسا" للمجتمع.

والحال الثالثة تعبر مما لا يراودنا الشك فيه عن الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في وثيقة الزواج وشروطها. فهي أجبرت من أهلها على الزواج من قادم من دولة خليجية، بدا بضربها منذ الأيام الأولى للزواج، ثم هددها بالسكين، وحاول إجبارها على شرب "مطهر الديتول"، وأخيرا هددها بالقتل. ثم هرب بعد أن لجأت إلى القضاء، وبعد سنوات من المعاناة و"البهدلة" في المحاكم أسقطت عنه حضانة الابنة.

تقول مسئولة مكتب الإرشاد الأسري بـ "النهضة" نوال زباري: "إننا نستقبل كل أنواع حالات العنف الجسدي والمعنوي وغالبه أسري، فالعنف الذي تتعرض له المرأة غير طبيعي وهو أسلوب يحط من شأنها ومكانتها، والخوف كل الخوف أن تعتاد عليه المرأة ولا تقوى على مواجهته، وكسر حاجز الصمت بشأنه، لذلك فالوعي مهم للغاية، وكذا تقوية مهارات المرأة وتدريبها على الثقة ومواجهة المواقف والتعود على أسلوب الحوار والتواصل".

ومن واقع تجربتها تؤشر جمعية "أوال النسائية" في ورقتها إلى "تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة وتعدد طرق تحطيم إنسانيتها، وأمام خوفها من الحديث عما تعاني منه، بل وجهلها بحقوقها وبالقوانين أصبح لزاما أن تغير الجمعية طرق عملها واستراتيجية برامجها من أجل الانتقال من مستوى المطالبة بالحقوق إلى مستوى التعبئة من أجل تغيير القوانين المجحفة أو القوانين العادلة". إذ خلال تجربة "مركز أوال للمساعدة القانونية" تم الكشف عن أحوال النساء اللواتي يفتقدن في ظل وضع أسري، ممارسة أبسط حقوقهن وفاقدات للإحساس بالأمان والاستقرار النفسي، وانفراد الرجل بالسلطة والهيمنة على القرار داخل مؤسسة الأسرة.

أما الحالات التي عرضتها ورقتها فكانت لإحداهن التي تعرضت للضرب طيلة 18 عاما، ولم تسلم حتى عندما كانت حاملا، ولم تجد تعهداته بعدم تكرار الضرب في مراكز الشرطة، وهي لاتزال قابعة في بيت أهلها من دون نفقة مع تسعة من أطفالها انتظارا لحكم المحكمة. والثانية، استولى زوجها على كل ممتلكاتها بعد أن اكتشفت خيانته، ولاتزال قضيتها أيضا عالقة في المحاكم. أما الحال الثالثة فقد تعرضت للضرب والتهديد الدائم بالطلاق، من أجل أن تترك عملها بأمر منه لرعاية الأطفال ووالدي الزوج!

أمر بديهي أن تنغص هذه القصص أجواء النهضة الاحتفالية. وأمر بديهي آخر يدعو إلى السؤال: المرأة البحرينية إلى أين؟ وهو ما ينقلنا إلى إدراك حقيقة التمييز ضد المرأة وما إذا كان الأخير سببا رئيسيا من أسباب العنف. وهو ما عارضه الرأي الرسمي في مؤتمر الشراكة المنعقد الشهر الماضي، إذ جاء الرد على ذلك الرأي لكي يدحض ويفند الحقيقة التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية وهي: "إن التمييز سبب رئيسي من أسباب العنف الممارس ضد نساء الخليج".

بدورها نادية المسقطي رئيسة "الهيئة الأهلية" المكلفة إعداد التقرير الموازي للتقرير الرسمي المتعلق بشأن التمييز ضد البحرينيات، أسقطت ورقة التوت عن الجدل بشأن هذه الحقيقة بما تضمنته ورقتها في اليوم التالي للحلقة الحوارية، وخلصت إلى نتائج وأرقام سبق رصدها وجمعها، أثبتت بما لا يدع مكانا للشك، الظلم والتمييز الذي تعاني منه نساء البحرين في المجالات السياسية والتشريعية والقانونية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، يضاف إليها العرف والموروث وتزاوجهما بالدين، ما رسخ الظاهرة وسارع من وتيرتها في المجتمع.

حسنا أن توصلت "النهضة" إلى استنتاج "منظمة العفو الدولية" نفسها، كون أن التمييز يمثل أحد أهم أسباب ظاهرة العنف في البحرين. وهو من دون شك يتجلى في غياب القوانين التي تجرم ممارسة العنف الجسدي والمعنوي، ولاسيما الاغتصاب الذي أنزل الله فيه أشد العقاب، ومحاكمنا تحكم عليه جزائيا بعقوبة حبس لا تتجاوز الشهر أو الاثنين. وثمة دليل فاقع على ما نقول، في الحكم المخفف مع وقف التنفيذ الذي اتخذ بحق الشاب الذي اغتصب زميلته في الجامعة، فقط لكونه من "أسرة متنفذة". والتمييز يتمظهر في افتقاد البلاد لمراكز إيواء وحماية للنساء المعنفات، وأخرى لإعادة تأهيلهن، والأهم من هذا وذاك غياب القانون الأسري المنصف للزوجات والأزواج.

المفاهيم والمعايير الدولية واضحة كالشمس في كبد السماء، تعرف التمييز والعنف، والاتفاقات الدولية على غرار "اتفاق القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة"، تستلهم في مضامينها تلك المفاهيم والمعايير. بالتالي صار لازما لمن وقع تلك الاتفاقات، إيجاد الآليات والإجراءات الميسرة لتنفيذ بنودها وتفعيلها، حتى يسهم في طي صفحات الوجع والحيف من حياة النسوة. وهذا ما استفز الاجتماعية التربوية هدى المحمود للتعليق على ما وصلت إليه المسقطي من نتائج قائلة: "ليس هناك شأن نسائي، إذ كل شئون النساء هي شأن للرجال وللمجتمع، والأوضاع لن يتم تصحيحها طالما بقيت العوامل التي تكرسها، ومنها الموروثات الاجتماعية المغلفة بإطار ديني، إضافة إلى الفساد المؤسسي والإداري، الذي تمثله وزارة الإسكان، حينما رجحت بعض النساء العاملات للحصول على وحدات إسكانية في الوقت الذي لا يعمم فيه قانون الإسكان هذا الترجيح لجميع نساء البحرين العاملات منهن وغير العاملات، وهو ما اعتبرته زواجا ما بين الفساد والموروث الاجتماعي". ولها ملاحظة جديرة بالإشارة، بشأن ترقية النساء لمواقع صنع القرار، إذ يقتصر فقط على ما أطلقت عليه "آفة الإدارة الوسطى" التي تتسبب في تعريضهن لضغوط مزدوجة من الإدارة العليا وقطاع العاملين الأدنى في السلم الوظيفي. وأضافت "ان قضايا الأحوال الشخصية غير تعبدية، وهي قضايا معاملات، ولهذا لابد من نزع صفة القدسية عنها. إلى ذلك، طالبت بسن قانون أحوال شخصية موحد يستند إلى دولة المواطنة وليس المذهب، وأن أي قانون للأسرة لابد من مروره عبر البرلمان تكريسا لمبدأ الدستور والبرلمان ودولة القانون، داعية إلى عدم التهادن في الشأن الاجتماعي".

إلى أي مطاف تصل بنا الحوارات النهضوية؟ للماضي أم للمستقبل؟

لاشك أن الاحتفالية حطت بنا وعرفتنا على تاريخ شبه مجهول، لم تتضمنه الكتب المدرسية، بل كتبته رائدات "النهضة"، وتبادلن فيه الأنخاب احتفاء بخمسين عاما عرضت بعضا من صورها على جدران قاعة "الفنون"، بيد أن العبور إلى المستقبل يعد فرصة ذهبية سانحة يجب ألا تضيع "النهضة" بوصلتها وهي في غمرة احتفالاتها، وخصوصا هي التي التصقت "بظاهرة العنف" وتعاطت معها منذ أمد، وهي تمثل مفتاحا من مفاتيح ملفات القضايا النسائية ومعبرا لتحديث المجتمع.

ثمة طريق سالك، يستدعي المزيد من العمل الضاغط المتكئ على التحالفات، ومراكمة النضال اليومي لكي تتحقق التوصيات التي توافق عليها المشاركات والمشاركون في الحلقة، ومنها رصد ظاهرة العنف، وتكوين قاعدة معلومات لها ومتابعة، وبرامج للتدريب والتوعية والإرشاد الأسري، علاوة على المطالبة باستحداث للتشريعات والقوانين، ودور مسئول من الدولة وآخر للجمعيات النسائية والمؤسسات الأهلية والمجتمع. فأول بنود أجندة "النهضة" يقول: التكاتف باسم الشراكة، باتجاه فعل الثورة الاجتماعية "الضرورة"

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 934 - الأحد 27 مارس 2005م الموافق 16 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً