العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ

ألا نتقدم أبدا؟

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

ما يجري الآن يعيد ذاكرتنا 30 عاما الى الوراء الى السيناريو الذي جرى: تتقدم الحكومة بمشروع قانون أمني بصفة مستعجلة للبرلمان. قبل ثلاثين عاما كان اسم القانون "قانون امن الدولة" واليوم اسم القانون "مكافحة الارهاب". لقد تبدل المستهدف بذلك القانون، فقبل ثلاثين عاما كان "اليسار" أما اليوم فهو "الارهاب". وبالامس واليوم ايضا تتردد الصيحة نفسها: سيقضي القانون على هامش الحريات. في ،1975 قالوا: انظروا ماذا يجري في الشارع منذ الاستقلال. واليوم سيقال ايضا: انظروا ماذا يجري في الشارع منذ 3 أعوام. بل ان البعض لم يتردد في القول ان تقديم القانون بصفة الاستعجال لم يكن ليتم لولا مسيرة الوفاق في سترة في 25 مارس/ آذار الماضي. الا نتعلم ابدا من التاريخ؟ ألا نتقدم ابدا؟ هل هذا هو قدرنا دوما ان نحظى بهامش حريات وفسحة من حرية التعبير ويتم الارتداد والنكوص عنها بحجة المخاطر؟ كيف يمكن ان يواجه اي مجتمع ديمقراطي اية مخاطر قد تحيق به؟ في الامس واليوم، يتم تصوير الديمقراطية وكأنها خطر على الوحدة الوطنية ومدخل للضعف وكأن حصانة مجتمع وبلد بأكمله ستبقى مرهونة دوما بغياب الديمقراطية. الآن ربما تتم بأقل قدر منها: ان نكتفي بالتوجه الى صناديق الاقتراع كل أربعة أعوام لكي نشعر باننا نملك حق التصويت والاختيار، لكن فيما عدا ذلك فان حركتنا مضبوطة الايقاع بحزمة من القوانين الاخرى التي لا ترى فينا اكثر من مجتمع قاصر يتعين ضبطه. قانون للجمعيات الاهلية يراقب كل شيء وماتزال احدى مواده تحظر على اعضاء الجمعيات الاشتغال بالسياسة. قانون للصحافة لا يرى في نشأة الصحف علامة على شيوع حرية التعبير، بل صداع يتعين القضاء عليه قدر الامكان عبر قصرها على أصحاب الرساميل الضخمة. أما الإنترنت بموجب هذا القانون الكريم في قيوده، فهي ملك للحكومة وليست فضاء دوليا لان من شاء ان يطلق صحيفة الكترونية فان القانون يحيله وبخبث مفضوح إلى شروط الصحف الورقية نفسها. المؤسف ان هذا يأتي ولم يمض وقت على خطاب جلالة الملك في افتتاح الدور التشريعي الحالي للمجلس الوطني الذي دعا فيه الى تطوير البنية التشريعية وتحديث القوانين لمواكبة متطلبات الاصلاح الشامل سياسيا واقتصاديا. فعدا عن بقاء القوانين القديمة التي تمت صياغتها في مرحلة قديمة لم يكن هاجسها سوى الضبط، يأتي هذا القانون لكي يثبت مجددا ان التاريخ بالنسبة لنا ليس سوى دورة محكمة تستنسخ نفسها بعناد. نعم هناك مخاطر وهناك ارهاب، وعندما يحين اوان الجدل سيقال: انظروا ما يجري من حولنا، انظروا لما جرى لدينا هنا ايضا. قبل مسيرة سترة كان هناك انذار كاذب بقنبلة في مدرسة. وقبل هذه وتلك لدينا قضية اسمها "المعتقلون الستة". وفيما بين كل الاحداث التي يمكن ان تساق كمبررات، سيقال انظروا لما جرى في بعض المسيرات. انظروا لهذه الاعتصامات التي لا تتوقف، اي - باختصار - ان حركة الشارع تحتاج الى ضبط. لكن في اعماقنا جميعا ندرك ان حركة الشارع ليست سوى وجه آخر من حرية التعبير. اما الانحراف والتشويه في حركة الشارع فقد كان يقابل في حينه وبكل قوة وهذا ليس المقياس ولا ينبغي ان يكون لان انحرافات الشارع يمكن التعامل معها ويمكن ضبطها بعيدا عن هذا الميل نحو الانتقاص من حرية التعبير او حقوق الانسان. الحصانة التي يبحث عنها هذا المجتمع لا يمكن ان تأتي من غياب الديمقراطية، بل من تطويرها وشيوعها ورسوخها.

صحيفة الوسط 2006 - تصدر عن شركة دار الوسط للنشر و التوزيع - مملكة البحرين - جميع الحقوق محفوظة

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً