العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ

خطنا الأحمر

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

منذ ثلاثة اعوام، كنا نسميه "الحد الادنى" لكننا اليوم لا نجد مناصا سوى تسميته "الخط الأحمر". السبب هو هذا الاستعداد الكامن للنكوص والارتداد.

يقال ان لكل مجتمع "خطوطه الحمراء". خطوط صنعتها حدود التسامح السائد في هذا المجتمع وحدود التطور الذي بلغه. لكن التطور بأي مقياس؟ هل هو التطور الاقتصادي ام التطور العمراني الذي تباهي به الحكومات دوما؟ هل هو مقياس مستوى المعيشة للناس ما اذا كان حسنا أم متدهورا أم يحتاج لعلاج وتدابير؟ ما هو المقياس عندما نقول حدود التطور الذي بلغه المجتمع؟

اننا نتحدث عن حدود التطور في طريقة معالجة مشكلاتنا. ادواتنا لمعالجة قضايانا اليومية والمتوسطة المدى وبعيدة المدى. أي بعبارة اخرى حدود تطور وسيلتنا للعيش معا وإدارة شئوننا مهما تعقدت، فما هي وسيلتنا هذه التي ارتضيناها لأنفسنا؟ انها "الديمقراطية". ألا يعني ارتضاؤنا بالديمقراطية وسيلة للحكم والمشاركة السياسية ان حدود التطور التي وصلنا إليها تضعنا في مصاف الامم المتقدمة ديمقراطيا؟ ألا نباهي نحن بديمقراطيتنا ونردد انها باتت نموذجا يحتذى به؟

هل أتيت بجديد من عندي؟ هل احتاج للقول ان هذا الخط الأحمر الذي لا يتعين على أحد أن يتجاوزه لا الحكومة ولا التيارات السياسة ولا النخب ولا التجار ولا الطوائف ولا الاعراق ولا القبائل هو ما توافقنا عليه لحظة ذهبنا إلى صناديق الاقتراع وصوتنا من أجل ميثاق العمل الوطني؟

خطنا الأحمر هو ميثاق العمل الوطني الذي نص على قيام "ملكية دستورية". أي اننا صوتنا لعلاقة عضوية لا تنفصم بين ملكيتنا ودستوريتها، أي بعبارة أخرى تعبيرنا عن الولاء النهائي غير القابل للنقاش للعرش والاسرة الحاكمة الكريمة والجوهر الدستوري لهذه الملكية.

لكل حكومة خطوط حمراء تعبر عن مصالحها في لحظة ما لكن ماذا بالنسبة إلينا نحن كشعب؟ أليس لدينا خطوط حمراء أيضا؟ ما هي هذه الخطوط الحمراء التي لا نقبل كشعب ان يتم تجاوزها؟

اذا قلنا الميثاق فعلينا أن نحدد الجوهر هنا من هذا الكتيب الصغير الذي طبعناه وتداولناه ووضعناه على أرفف المكتبات: "الحرية". الجوهر الوحيد في الميثاق هو اننا بتفاصيل هنا وهناك بشأن شكل نظام الحكم والمؤسسات وجملة من المبادئ الاخرى، توافقنا على الحرية. توافقنا على ان تكون الديمقراطية هي قدرنا وأداتنا الوحيدة لإدارة بلدنا وقضايانا ومشكلاتنا. الميثاق لم ينص أبدا في أي فقرة على ان ثمة امكان للتراجع عن مبادئه تحت أي ظرف.

اذا قلنا الدستور، فعلينا بالضبط ان نحدد ماذا نعني بان خطنا الاحمر هو الدستور. ايا كان الرأي هنا ومع احترامي لكل وجهات النظر هنا، وجهة نظر الحكومة ووجهة نظر المعارضة ووجهة نظر أي منا، فالدستور لن يعني في نهاية الامر سوى المبادئ الاساسية التي يتعين علينا أن نجسد احترامنا لها عمليا ودون اي استثناءات او تأتاة او تلعثم او استدراك من اي نوع. مبادئ الحرية وحقوق الانسان.

اما اولئك الذين انتخبناهم من النواب وراحوا يخذلوننا مرة تلو الاخرى وهم يبدون كل هذا الميل للانتقاص من حرياتنا وقضم مكتسباتنا واحدا تلو الآخر وصولا الى "حرية التعبير"، مكسبنا الوحيد والاهم وحقوقنا كأفراد، فليس عليهم سوى أن يضعوا الدستور أمام أعينهم وهم يناقشون اي قانون تتقدم به الحكومة او اي قانون يتقدمون هم به: هل يتعارض مع الدستور ام ينسجم مع الدستور؟

لو كلفوا انفسهم عناء تقليب مواد الدستور، لفهموا ان التشريع لا يتأسس على حالات استثنائية مفتعلة في معظم الاحيان. لو كلفوا انفسهم عناء فهم الدستور لما تكلفوا كل هذه المشقة في ادخال مجتمع وبلد بأسره في دوامة من الجدل العقيم وحال من الاحتراب الكامن لأنهم يفصلون القوانين والتشريعات تفصيلا على مصالح ضيقة وأحلام طوباوية ويستنسخون أسوأ التجارب. في كل المناقشات التي تدور تحت القبة لم أسمع واحدا من النواب في يوم يعترض على قانون بقوله انه يناقض الدستور. من يتذكر الدستور على اية حال؟

كفوا انفسكم عناء البحث والنقاش في التفاصيل الصغيرة، مسيرة هنا أو إطارات مشتعلة هناك أو اسطوانة غاز او ان لدينا أفرادا يشتبه في وجود صلات لهم مع تنظيم القاعدة، لانها ليست سوى ذرائع للنكوص والارتداد. فالديمقراطية ومصير بلد بأكمله أكبر من أن يدار على استثناءات وأكبر وأهم من ان تربطونه باطار أشعل في هذا المكان أو بحفنة من الصغار الذين رموا أحجارا هنا أو هناك. كفوا عن هذه الطريقة البحرينية في تأسيس النقاش دوما على الاستثناء وليس على الأصل. الاصل والمرجعية هو الدستور والميثاق وليس حادثا طارئا يمكن ان يحدث في أي يوم وفي أي بلد.

مصير الديمقراطية وحرياتنا العامة والفردية ليست معروضة للبيع أو المساومة بدواعي أحلام المجتمع الفاضل، وليست عرضة للبيع بدواعي التهافت على المصالح الطائفية أو الفئوية أو بهواجس الترقي الاجتماعي لحفنة من الافراد هنا أو هناك، ولا بخصومات من أي نوع بين التيارات السياسية أو المكايدات. حرياتنا أكبر من هواجس الحكومة ومنكم جميعا. مصير ديمقراطيتنا يتقرر باحترام الدستور والمبادئ التي ثبتها الدستور والمعني بهذا الحكومة أولا وجميع هذه النخب السياسية والنواب والناشطين الذين لم يفعلوا طيلة هذه السنوات سوى تقديم استعراضات وتمارين مجانية في استعدادهم للنكوص والارتداد عن الديمقراطية والحريات التي صوتنا عليها وأجمعنا عليها.

هذا هو خطنا الاحمر ولا شيء سواه. أي قانون أو مشروع قانون يحكم عليه بمقياس وحيد: هل يتعارض مع الدستور والميثاق أم يخرقهما؟

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً