العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ

في "التجديد والإصلاح والتغيير"!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

"قد يكون شيء ما وسيلة للهداية، ثم قد يصبح الشيء نفسه في مكان آخر وسيلة للضلالة والضياع. إن المنطق الذي يجعل من عجوز امرأة مؤمنة، قد يقبل المنطق... ورب كتاب متناسب مع ذوق عصر من العصور ومنسجم مع مستواه الفكري وكان وسيلة في حينه لهداية الناس وإذا به يصبح في وقت آخر سببا لضلالهم! لدينا كتب سبق لها أن أدت وظيفتها في الماضي، وأرشدت إلى سبيل الهداية آلاف الناس، إلا أن هذه الكتب نفسها فضلا عن كونها لم تعد تهدي أحدا، فإنها أصبحت سببا لضلال عدد من الناس وشكهم وحيرتهم!".

هذا الكلام الآنف الذكر هو للأستاذ والمفكر والفيلسوف الإيراني الكبير مرتضى مطهري أورده في مقال له قبل أكثر من عشرين عاما تناول فيه موضوع إحياء الفكري الديني أو "تجديده"، وهي المقولة التي نحن اليوم أكثر ما نكون بحاجة إليها من أي وقت مضى، ولاسيما أننا نعيش حالا من الفوضى الفكرية، واضطرابا في المفاهيم والمعايير قل نظيره في تاريخ الأمم والشعوب الحية.

فالخطاب والكتاب والأسلوب أو المنهج الذي كنا نتبعه يوما من أجل إيصال أفكارنا للآخرين ما هي إلا وسائل ربما كانت مجدية فعلا بصورها وأشكالها القديمة التي كانت تعرض من خلالها أفكارنا وقيمنا وأهدافنا وآمالنا، لكنها اليوم قد تبدو بالية وبائسة جدا فعلا فيما لو جربنا استخدامها على جمهور الناس وعامتهم أو حتى النخب منهم. والسبب بسيط للغاية وهو أن المكان والزمان قد تغيرا وكذلك الظروف العامة وما يسمى بحيثيات المقام والموقع، الأمر الذي يتطلب تجديدا حقيقيا في تلك الأساليب والمناهج والأدوات حتى يمكن الوصول إلى النتائج والأهداف نفسها التي ارتأيناها يوما لأناس من الزمن السابق ومازلنا نرتئيها لأناس من الزمن الحاضر.

يقال إن في السياسة كما كبيرا من "التلاعب" بالكلمات والأساليب والأدوات، والألفاظ والتعابير.

ويقال إن في الفلسفة كما كبيرا من "النمطية" في التعابير والمعايير والمقولات والألفاظ.

كما أنه في السياسة ليست هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة كما يقال.

وإن في الفلسفة طريقا واحدا لفهم معاني الفلسفة وجوهرها، وكما كتب على باب مدرسة أفلاطون: "إن من لم يقرأ الهندسة لا مكان له في هذه المدرسة"، فإن مدرسة الفكر الديني ومنهج "أكاديميا" الرسل والأنبياء تقول كما ورد في الحديث الشريف المتفق عليه: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم".

أي أننا عندما نكلم الناس نأخذ في الاعتبار الزمان والمكان والظروف والحيثيات والمستوى الذي فيه هذا الجمهور أو ذاك.

ففي الوقت الذي انتقل فيه الخصوم التاريخيون للعالم الإسلامي من استخدام السلاح الحربي أداة رئيسية في المعركة والمدفع والرشاش والقنبلة والطائرة سلاحا وحيدا للقضاء على خصومهم، إلى دور المستخدم النشط والحيوي للخطاب والكتاب واللغة والأحاسيس والمشاعر ودغدغة الوجدان لدى العامة، فإنه لم يعد جائزا من جانبنا أن نبقي على الوسائل والأدوات نفسها والنوع نفسه من الخطاب والكتاب في مواجهة ما نعتبره بحق "مؤامرة" وما نعتبره بحق عداوة أو عدوانا. بل لابد من تجديد الخطاب والكتاب ووسيلة أو أسلوب التعامل مع الوسائل والأساليب الجديدة.

وفي هذا السياق ثمة من يلحظ أن الخصم بدأ يلجأ منذ مدة وبشكل محسوب وملحوظ ومبرمج إلى الأساليب نفسها التي سبق لنا أن لجأنا إليها، وكانت مجدية فعلا في حينه للإطاحة بمشروعاته الاستعمارية، ألا وهي حركة التظاهرة والاحتجاج.

لكنه طورها اليوم بعد أن أخذها منا وبدأ يستخدمها استخداما نموذجيا من أجل الإطاحة ليس فقط بالمتمردين عليه والخارجين على قانونه بل و"المارقين"، بل أيضا ضد كل من تسول له نفسه الوقوف على مسرح المتفرجين أو في موقع الحياد، ما يجعله عرضة لخطر الزوال والاضمحلال حتى لو كان من جنس الحلفاء والمتعاونين أو الموالين.

في فلسطين كما في العراق كما في أفغانستان كما في لبنان كما في سورية كما في أي بلد إسلامي يمكن أن تضمه إلى القافلة ثمة شعور عام بأن هناك حاجة ماسة إلى التجديد في الوسائل والأساليب وإحياء لدور الناس وضرورة إنزالهم إلى الشارع ليأخذوا موقعهم ودورهم الطليعي في الإصلاح والتغيير، وتجديد الفكر الديني والخطاب الديني ولغة التخاطب العامة.

ليس هذا فقط، بل لابد من روح ودماء جديدة كما يردد الكثيرون بخصوص الرموز التي ينبغي لها أن تتصدر من جديد حركة الإصلاح والتغيير، بل المطلوب ذهنية جديدة في النظر إلى الأمور ونفسية جديدة في التعامل مع الحوادث الواقعة تأخذ في الاعتبار كل ما تغير أو تطور أو تفاقم سواء في معسكر الذات أو معسكر الخصوم.

مطلوب فضح الكم الهائل من الخداع والتضليل والتزوير المستخدم في إطار ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب أو ما بات يعرف بنشر الحرية والديمقراطية بين الشعوب وعلى امتداد البلدان.

ولكن بالتأكيد ليس من خلال ما اعتاد الناس سماعه وتلقيه بمثابة "الوعظ والإرشاد" أو تكرار الحديث عن "المؤامرة"! ذلك أن الحديث بوسيلة الوعظ والإرشاد عن المؤامرة من دون تقديم وعرض جديدين وملموسين عما يحاك ضدنا من مؤامرة حقيقية باتت موجودة ومدونة في كل وسائل الإعلام الحديثة أمر قد يتحول إلى ضده.

لابد إذا من تجديد الروح في كل ما هو بيدنا أو في حوزتنا من أجل الحصول على المزيد في أيدينا وفي حوزتنا.

يقول الحديث الشريف: "من تساوى يوماه فهو مغبون".

* رئيس منتدى الحوار العربي الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً