العدد 973 - الخميس 05 مايو 2005م الموافق 26 ربيع الاول 1426هـ

أزمة المعامير... أنموذج

عبدعلي التناك comments [at] alwasatnews.com

-

تقاس المجتمعات المتقدمة عن غيرها بمدى اهتمامها بالإنسان، وتوفير وسائل العيش الكريمة له، من تعليم ودخل مستقر وضمان اجتماعي، وعلاج راق، إضافة إلى تهيئة صحية، تناسب الإنسان، فعندما تسافر إلى دولة من هذه الدول سواء في زيارة ترفيهية، أو مهمة رسمية تؤديها، تلاحظ هذا الكلام واضحا وجليا أمام عينيك، وأقصد البيئة المناسبة، فالمنازل سواء في المجمعات السكنية، أو العمارات الشاهقة تحيطها الأشجار الرفيعة، ثم الحدائق بأراضيها المزروعة بالحشائش الخضراء، فلا ترى أدخنة، ولا تسمع ضرب مطارق الورش، أو أصوات الآلات المختلفة، ولا تشم رائحة الأدخنة والغازات المنبعثة من المصانع، ولا ترى طوابير السيارات تسير أمام المجمعات السكنية، بل نشاهد تلك السيارات العامة التي تسير بواسطة الطاقة الكهربائية، أو الترام الكهربائي، وهناك محطات مظللة لوقوف المواطنين لركوب هذه الوسائل من المواصلات المنظمة والمنتظمة في أوقاتها. هذه بعض ملامح المجتمعات الحضارية، أما مجتمعات العالم الثالث، فالأمر مختلف تماما ولننظر إلى الوضع عندنا في البحرين، فبعد أن كانت مقسمة إلى مناطق زراعية، وأخرى تجارية، وثالثة صناعية، ومناطق خاصة للسكن الآدمي، أصبحنا الآن لا نفرق بين منطقة وأخرى، هنا قرية مثلا وإذا بقدرة قادر يشيد مصنع في وسطها، فتبدأ مشكلة الازعاج والسيارات الخاصة بالمصنع، ورمي المخلفات وانبعاث الروائح، كيف حصل ذلك؟ لا ندري، ومثال آخر هذه المنطقة زراعية، وإذا بمزرعة تتحول فجأة إلى مخطط سكني بإزالة الأشجار والمزروعات ويباع هذا المخطط، بعد أن تنصب المصارف شباكها للقروض، وتقام المباني والبيوت السكنية وسط المزارع، فترتفع الأصوات من هؤلاء المواطنين، بأن روائح كريهة تنبعث لهم من هذه المزرعة أو تلك، والسؤال كيف تم السماح لهم بالبناء وسط المزارع؟ وأين التخطيط؟ يبدو أن التخطيط للاسم فقط، وقس على ذلك، فقد مرت فترة طويلة ونحن نسمع ونرى، بناء مصنع جديد... أين؟ والجواب في جزيرة سترة، إقامة مشروع صناعي كبير.

في جزيرة سترة وهكذا. هل هذه الجزيرة غير مأهولة أم أنها مكتظة بالسكان من المواطنين، وأين التخطيط؟ وإذا كانت الغازات والروائح في المعامير، فكم تبعد المعامير عن بقية قرى ومناطق جزيرة سترة، بيوت متلاصقة وقرى ملتحمة لا يفصل بينها إلا شارع أو شارعان فقط، ثم كم تبعد منطقة سند الجديدة عن جزيرة سترة؟ شارع واحد، وكم تبعد سند عن مدينة عيسى؟ لاشيء، بيوت متلاصقة مع مجمعاتها ومطاعمها ومصارفها وأسواقها، فإذا حدث لا سمح الله مكروه أو وباء في المعامير فإن فرصة الانتشار والانتقال سريعة جدا لتلاحم المناطق واختلاط الناس في الأعمال والمدارس والأسواق والمتاجر والمطاعم، ففي البحرين المعامير متعددة وكثيرة فبالله عليكم مجمع 812 في مدينة عيسى أليس معامير أخرى، وخصوصا عند نزول الرطوبة وانتشار الروائح الكريهة من محطة ضخ المجاري هناك فهذه المنطقة تعتبر معامير، وشارع توبلي بروائحه المنبعثة من مصنع أسمدة المجاري أيضا معامير أخرى، وإذا أردتم زيادة أيضا، اذهبوا إلى أشجار النخيل في شارع الملك فيصل في المنامة والقريب من دار الحكومة، وشاهدوا السعف الأخضر وقد تحول إلى بقع سوداء من كثرة عوادم السيارات، فالمسألة في حاجة إلى نظر ودراسة، فلابد من تشكيل لجنة من المختصين، والمهندسين وعلماء البيئة، ولا بأس بالاستعانة بخبرات الدول الأخرى، والعمل على تخصيص أرض في جنوب البلاد وفي المنطقة المعروفة ببر الغزلان والبدء في تفكيك المصانع الخطيرة ونقلها هناك ضمن خطة على مدى خمس سنوات مثلا، وإعادة النظر في مسألة التخطيط العام للبلاد، وتحديد الأماكن الخاصة بالورش والأماكن السكنية، وإبقاء الأراضي الزراعية، وعدم العبث بها، والقيام بحملة وطنية جادة للتشجير وخصوصا أشجار النخيل في طول البلاد وعرضها، فهي المحامي الرئيسي للإنسان، وهي المقاتل الشجاع للتلوث والمنقي السليم للهواء، فلنبعد اليأس ونبتعد عن توجيه اللوم، ونواجه المشكلة بشجاعة وشفافية، كما أن على مجلس النواب مهمة حث الحكومة للاسراع في تشكيل اللجنة لتبدأ عملها ومساعدتها ودعمها بكل ما تريد، وبهذه الوسيلة سنقضي على التلوث، وإلا فالتلوث قادم والغازات والروائح ستشمل الجميع

العدد 973 - الخميس 05 مايو 2005م الموافق 26 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً