العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ

و"..." بالإشارة يفهم!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

هل من الممكن في عالم لا يعترف إلا بالورق والحسابات والأرقام المدونة والمكتوبة وباللغة الصاخبة وسيلة للحوار الذي في الغالب ما يكون خاويا من أي مضمون أو لا يؤدي إلا إلى تناحر ومهاترات لا طائل منها. .. هل من الممكن في هذه الأجواء المشحونة بكل أنواع التوترات أن نفهم لغة الإشارة أو على الأقل نحاول أن نستخدمها ولو لمرة واحدة في حياتنا لنرى إن كنا سنستطيع إيصال الرسالة التي نود من المتلقي إدراكها؟ وهل سيتقبل ذلك المتلقي لغتنا الجديدة أصلا؟!

كثيرون منا باتوا مسايرين للعصر... عصر السرعة... حتى باتوا سريعين حتى في ارتجال الكلام، تجلس مع أحدهم وربما تلتقيه للمرة الأولى، ولكن ما إن تبدأ بالسلام حتى تدخل في غرفة حوار طويلة تخلص منها بفقرات تحوي صنوف الكلمات قد تؤلف فيها كتابا عن حياة ذلك الشخص الذي هو غريب عليك وليس غريبا!

ولكن في الجهة المقابلة هناك من لايزالون يؤثرون الصمت على لغو الحديث... حديث المجالس و"رغي النسوان"... تحسبهم لقلة كلامهم من أولئك الذين مورس في حقهم أبشع أنواع التنكيل وفرضت عليهم قيود الصمت العربي المأثور الذي من النادر أن يتخلص "العربي" منه، وإن تخلص وانطلق لسانه حجز له مقعدا في مجالس الصخب الفارغ من المحتوى المفيد!

أولئك المطبقة ألسنتهم قد يمتازون بصنوف أخرى من الكلام لا يتقنها غيرهم من "الرغايين"... نظرة عين، حركة يد، ملامح وجه، انفعالات تعبيرية... وسائله للكلام الذي قد يكون قاسيا أو جارحا أو حنونا ومحبا بشكل يعجز الكلام العادي عن النطق به، ولكن من يفهم في زمننا هذا الكلام البعيد عن اللسان؟!

لغة الإشارة كانت أصل انطلاقنا نحو عالم الكلام، ولكننا رويدا رويدا طعمنا تلك الإشارات بأصوات فسرناها بكلمات منطوقة حتى اختفت الإشارة وبالتالي اختفى الذي يفهمها ويتقن كيفية التعامل والتخاطب بها حتى عددنا من يلقط إشارة واحدة ويفهم مغزاها لبيبا عاقلا وقد نصنف فهمه ذاك من المعجزات النادرة!

البعض ينظر إلى "الإشاريين" على أنهم كائنات نادرة مرجعها إلى زمن ولى وفات... زمن الرومانسية والأحلام والمشاعر الفياضة... وطبعا تلك الأحلام الرومانتيكية لا تتناسب أبدا مع زمن العقل والتفكير والحاسبات الالكترونية والأجهزة الدقيقة التي تحسب كل قطعة فيها بالملليمتر... إذا وجودهم بيننا كالمجانين وسط عقلاء إما يستهزئون بهم أو يشفقون لحالهم! ولا أعلم من يستحق أن يشفق على الآخر؟!

تلك حقيقة لا يمكن لأحدنا تجاهلها وهي أنه بالكلام وحده لا يمكن أن تصل إلى قلوب المحبين... جرب مرة وأطلق كلمة مودة كالصاروخ في وجه من تحب من دون أن تلتفت إليه... أجزم بأنه إن لم يتجاهل كلمتك فسيلقنك درسا في أصول الكلام الودود لن تنساه أبدا... أو سينتهي بك المطاف بتلقي صفعة من يد محبك مفادها "ما هكذا تكسب ودي"!

ولكن هناك حقيقة أخرى للإشاريين للأسف نحن في غفلة عنها تماما... فبالإشارة أستطيع أن أصنع ثورة عارمة في وجه كل أشكال العبودية التي نعيشها... لماذا؟ لأنها "الإشارة" مدخلها القلب... وشعوبنا العربية على رغم حال الكبت أو الصخب الفارغ الذي تعيشه سرعان ما تهيج مشاعرها مشكلة موجات من الغضب والاستنكار والرفض وخصوصا عندما يطال الظلم - أيا كان نوعه - شخصية قريبة للقلب... العربي قد يسكت عن ظلم طال حقه الشخصي لفترة من الزمن، ولكن ما إن يمتد هذا الظلم إلى عدد من المحبين أو القريبين إلى قلبه فـ "..." لن أكمل فـ "..." بالإشارة يفهم! ولكن لأطرح السؤال الآتي: في وطننا العربي الملازم للكبت والظلم وفي حربه المستعرة ضد التخلف المفروض عليه وعقوله المسيسة بالغث والتقليد الأعمى ومعاركه التي يديرها الغرباء، أي سلاح سيضمن بقاءه في يديه من دون أن يأتيه يوم يكتشف فيه فساده وخرابه وعدم جدواه؟!... إشارة لا تحتاج إلى لبيب لفك طلاسمها، بل إلى "..." يشعر بها

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً