العدد 981 - الجمعة 13 مايو 2005م الموافق 04 ربيع الثاني 1426هـ

رفسنجاني مرشح "الضرورة" الإيرانية تحت الاختبار "الميداني"

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما يجد رجل من وزن هاشمي رفسنجاني نفسه مجبرا على ما سماه "بتجرع العلقم" والنزول بكل ثقله مجددا إلى "الميدان" مخاطرا باحتمال الفشل في كسب أكثرية الأصوات الانتخابية، وهو الرجل الذي لخص تعريف بلاده يوما بأنها "منعطف تقاطع وقائع التاريخ" فانه لابد أن هناك شيئا ما خطيرا ومهما للغاية يحوم في أفق ذلك "المنعطف" وهو قيد "الوقوع" أو يكاد، يأتي الرجل اليوم لمنع وقوعه أو السيطرة على تداعياته إلى حين فالرجل معروف عنه انه رفض قبل نحو ثماني سنوات تعديل الدستور الذي اقترحه عدد من حوارييه من أجل تأمين فرصة إضافية له للترشح لولاية ثالثة يومها، وهو الذي كان قادرا على "لعب" تلك الورقة لكنه استنكف ذلك الخيار وعزف عنه لاعتقاده بضرورة "تجديد" الدماء في مطبخ صناعة القرار باستمرار كعلامة من علامات نجاح أي نظام، وفي غير ذلك يعني التعثر أو حتى الفشل كما عبر عن ذلك هو بنفسه مجددا وهو يوضح بعض معاني اضطراره للنزول مرة أخرى إلى "الميدان" خلافا لأمانيه ورغباته التي لم تتحقق في هذا المجال كما قال.

داخليا ثمة خطر يتهدد "مسار الاعتدال والتنمية" لابد من "إشراك الجميع" كما قال كخيار وحيد "يمنع استشراء النزاعات والتوترات والأحقاد التي تودي بإيران إلى التهلكة وبالنخب إلى الاستنزاف وبالشعب إلى الخروج من دائرة التأثير والنفوذ" وعندها لا إيران تبقى "ولا هم يحزنون" ولهذا يصبح الرجل خيار الضرورة لا محالة.

خارجيا فإن الأعداء باتوا يحيطون بإيران من كل جانب وهدفهم عزلة إيران في مقدمة لإخراجها من دائرة التأثير فضلا عن لعب دور الرقم الصعب في الإقليم كما يعتقد الرجل، ولما كان "السلام والتنمية والاستقرار في الشرق الأوسط غير ممكن من دون إيران مستقلة حرة متقدمة وقوية تلعب دور جسر الارتباط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب بما يوفر لها مكانتها وموقعها الممتازين في المعادلة الدولية" كما جاء في بيانه الانتخابي. ولما كان الطريق الوحيد والناجع "لمنع مخططات الأعداد" تلك وإعادة جلب "الثقة الدولية" بإيران "والتعايش السلمي" فيما بينها وبين العالم وإعادة الموقع المناسب لها والذي تستأهله وهو "بوابة السلام والاستقرار للشرق الأوسط" هو من خلال "إعادة الانسجام لمطبخ صناعة القرار وتفعيل الوحدة الوطنية والإجماع القومي" عندها يصبح رفسنجاني هو الحل دون غيره باعتباره الرجل "الجامع المانع" كما يقول الفقهاء والراسخون بعلم الرجال.

ان يوجه رفسنجاني خطابه الانتخابي إلى "الاخوات والاخوة الصابرين والشاخصة عيونهم نحو المستقبل" والشابات والشباب والفتية والفتيات من صناع المستقبل، يعني أنه عازم على تجديد خطابه و"الإذعان" بوجود ثمة مسافة يجب ردمها بين "الحرس القديم" والحرس الجديد والأهم من ذلك استعداده "لسماع نقد الماضي باعتباره خيارا لا مناص منه"، كل ذلك أمر يوحي بأن الرجل يستعد لافتتاح مرحلة جديدة فعلا، فيها من المجازفة كما من "المغامرة" الأمر الكثير، لكنه يبقى واضحا وثابتا في خياراته الأساسية التي هي "لا مستقبل من دون التعمق في الماضي شرط ألا نبقى فيه راكدين، وانه لا ديمقراطية سياسية أو ثقافية أو اجتماعية من دون ديمقراطية اقتصادية ونمو صناعي" كما ورد في بيانه الانتخابي. والأهم من كل هذا وذاك والتعبير له حصرا من بين المرشحين. إن الإسلام والنظام الإسلامي قادر على التكيف مع كل العصور. هكذا كان وهكذا هو الآن وهكذا سيبقى أكبر هاشمي رفسنجاني الرقم الصعب في "لعبة صناعة الملوك" الإيرانية رجل كل الفصول صاحب العقل البراغماتي البارد عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات والتكتيكات بشأن المنهج والأداء، والرجل الأكثر حزما وصلابة عندما يتعلق الأمر بثوابت الدين والثورة والنظام. من هنا يهلك في حكمه اثنان: متطرف يميني غال ومتطرف يساري غال. صقور "المحافظين" كما صقور "الإصلاحيين"، لا يحبذون عودته مجددا إلى "الواجهة" على رغم معرفتهم بانه لم يغادرها يوما إلا "للضرورة" تماما كعودته التي يعتبرها من أجل "الضرورة" لا غير. ومن هنا بالذات كان وصف شيخ الصحافيين "الليبرالي" الشهير ما شاء الله شمس الواعظين له "بمرشح الضرورة" هو عين الصواب. كما يعتقد الكثير من مخالفيه كما مؤيديه، الذين يعرفون إيران جيدا يعرفون تماما أن إيران ثرية بالرجال وأنها بالتأكيد ليست بلد "قحط الرجال" كما يقال. وأن ثمة كثيرين ممن يستطيع كل واحد منهم أن يقوم بالكثير من المهمات الصعبة التي تنتظر إنجازها بامتياز على يد رجال هذا البلد التي تتزاحم من حوله المهمات والتحديات.

لكن العارفين ببواطن الأمور أيضا يقولون إنه عندما يكون المطلوب اجتماع الرجال في رجل واحد، واجتماع المهمات والتحديات في تحد مهم واحد فإن مثل هذا "السهل الممتنع" في الساحة الإيرانية لا يستقيم في الظروف الراهنة إلا على يد رجل شاءت الأقدار كما يقول الراسخون بعلم الرجال الإيرانيين أن يكون هو الشيخ الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني، والذي سيتذكر الجميع جيدا بأنه نفسه الرجل الذي قال عنه يوما رجل النظام الأول وصاحب الكلمة الفصل في الاستراتيجيات الإيرانية، أي مرشد الثورة آية الله علي خامنئي وهو يودع رئاسته قبل ثماني سنوات ويستقبل خلفه محمد خاتمي: "لن يكون أحد بالنسبة إلي مثل رفسنجاني"

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 981 - الجمعة 13 مايو 2005م الموافق 04 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً