العدد 991 - الإثنين 23 مايو 2005م الموافق 14 ربيع الثاني 1426هـ

بريطانيا تسعى إلى مد جسور الحوار مع حماس وحزب الله

على خلاف مع الموقف الأميركي

مهدي السعيد comments [at] alwasatnews.com

تتحرك السياسة البريطانية في أطر تختلف أحيانا مع مواقف واشنطن المتزمتة تجاه حماس وحزب الله اللذين تعتبرهما الإدارة الأميركية منظمتين خارجتين على القانون الدولي وتصطفان مع الإرهاب جملة وتفصيلا.

ويبدو أن منطق الحكومة البريطانية الذي لا ينسجم مع منطق السياسة الأميركية في هذا الخصوص قد بدا أكثر وضوحا في الآونة الأخيرة، حينما نشرت الصحافة البريطانية معلومات تشير إلى وجود تيار قوي في وزارة الخارجية البريطانية يدعو إلى فتح أبواب الحوار والتفاهم مع حماس وحزب الله، إذ نقلت هذه الصحف عن مصادر موثقة "أن وزارة الخارجية البريطانية تحبذ فتح اتصال مع حماس وحزب الله على رغم رفض البعض لمثل هذه المبادرة قبل أن تتخلى كلا المنظمتين - بحسب تعبير هذا البعض - عن أعمال العنف".

والشيء الذي يقف على نقيض مع سياسة واشنطن في هذا الخصوص أن الجانب البريطاني لا يطلق الأحكام على عناتها كما يقولون، إذ لا يسمي المنظمتين بالإرهابية، وإنما بـ "أعمال العنف"، وهذه القضية بالذات تميز الموقفين البريطاني والأميركي عن بعضهما بعضا، ولكن مع ذلك فإن التوجه البريطاني هذا أثار حفيظة الطرف الإسرائيلي الذي استبق أي تحرك من جانب لندن نحو مخاطبة حماس وحزب الله بتحذير الحكومة البريطانية من مغبة ذلك، كما جاء على لسان ناطق باسم الحكومة الإسرائيلية.

وأشارت صحيفة "الغارديان" إلى أن إمكان الاتصال بحماس وحزب الله من قبل بريطانيا جاء بعد أن فرضت وقائع العملية السياسية في غزة والضفة الغربية تطورات جديدة تلعب فيها حماس دورا مؤثرا استنادا إلى نتائج الانتخابات الأخيرة، أما على صعيد حزب الله فإن أية محاولة لتسوية أزمة الشرق الأوسط تتطلب إشراك الأطراف المعنية جميعها، وخصوصا أن هنالك مستحقات مازالت تعرقل أي إجراء للبحث عن حلول ناجزة في أزمة الشرق الأوسط.

وهذه الإشارة ربما تتعلق بالموقف من الخط الحدودي اللبناني الذي تحتله "إسرائيل" والذي يشمل مزارع "شبعا"، ويعتبره حزب الله دافعا أساسيا لإبقاء التوتر في المنطقة، ومحفزا لاستمرار المقاومة اللبنانية المسلحة التي يقودها حزب الله في جنوب لبنان.

الموقف البريطاني تجاه حماس وحزب الله في حال الاختمار حاليا، وبمجرد تسريبه إلى الصحافة ووسائل الإعلام، فإن ذلك يعني وجود نية واضحة المعالم لدى الحكومة البريطانية للبدء بمثل هذه الاتصالات.

ولم تكشف الصحافة البريطانية ردود الفعل الأميركية تجاه هذا التحول، لكن بعض المعنيين بشئون الشرق الأوسط يعتقدون أن الطرف البريطاني ربما فاتح الإدارة الأميركية بشأن هذا الموضوع، وقد تكون هنالك مواقف متقاطعة بين الجانبين، لكن سياسات الدول الكبرى تتميز عادة في النظرة الاستراتيجية الخاصة لكل دولة من هذه الدول، ولا ينتظر أن تؤدي وجهات النظر المختلفة بين الطرفين البريطاني والأميركي في هذه القضية بالذات إلى إبعاد الاختراق المطلق في معالجة أزمة الشرق الأوسط، بل بالعكس، فإن كلا الحكومتين البريطانية والأميركية ربما تحتاجان أكثر من أي وقت مضى إلى إشاعة صورة التباين في المسارات السياسية بعد أن تعزز الاعتقاد بأن بريطانيا أصبحت تابعا للولايات المتحدة منذ صعود رئيس الوزراء الحالي طوني بلير إلى دفة الحكم ومرورا بحرب العراق.

بريطانيا قد تكون تعرف أوضاع المنطقة أكثر من غيرها بحكم علاقتها التاريخية بها منذ مرحلة الاستعمار البريطاني للدول العربية، وهي مازالت تملك حزمة من المفاتيح التي بإمكانها فتح أبواب الحوار والتفاهم مع الأطراف المختلفة والمعنية بحل هذه الأزمة، وهذا الأمر تدركه واشنطن التي ربما تستمع في أحيان كثيرة إلى نصيحة البريطانيين، كما هو الحال بالنسبة إلى مناطق التوتر الأخرى في العالم الذي حكمته "الامبراطورية العجوز" وخصوصا العراق وغيره.

بيد أن المشكلة تكمن أساسا في استجابة "إسرائيل" للأجندة البريطانية، فقد شاطت الحكومة الإسرائيلية من هذه التوجهات في الحال، في حين أن تلك التوجهات لم تظهر بشكل رسمي من قبل الجانبا لبريطاني، الأمر الذي قد يفسر بأن المعلومات الإسرائيلية وهي في الكثير من الحالات تستند إلى وقائع ملموسة، قد أيقنت بأن نوايا بريطانيا في هذا الإطار تستند إلى مصادر حقيقية خرجت من داخل التداولات التي تجريها الحكومة البريطانية مع طواقمها الدبلوماسية في وزارة الخارجية، ولم ترد الحكومة البريطانية على تصريحات الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية الذي حذر بريطانيا من مغبة فتح الحوار مع حماس وحزب الله، وبحسب بعض المراقبين فإن ذلك دليل على أن توجه حكومة بلير هو توجه حقيقي، لكنه يحتاج إلى بعض الوقت لامتصاص ردود الفعل من الطرفين الإسرائيلي والأميركي

العدد 991 - الإثنين 23 مايو 2005م الموافق 14 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً