العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ

متى يُمكنك القول... إن عملاً فنياً قد تم الانتهاء منه؟

معرض للوحات ومنحوتات لم تكتمل في «كوتولد» بلندن

رالف فوغان وليامز
رالف فوغان وليامز

لا فنَّ مُكتملاً ونهائيَّاً. استمرار العملية الفنية والخلْق الفني دليل على أن في اكتمال الفن، أياً كانت ألوانه وأشكاله ومسمياته، خديعة ما. استمرار العملية تلك إيحاء بعدم اكتماله. ما المناسبة؟

معرض للوحات لم تكتمل، ومنحوتات ورسومات ومطبوعات أيضاً، في المعرض المُرتقب بـ «كوتولد غاليري» في العاصمة البريطانية (لندن)، وهو واحد من متاحف الفن، وتمتد المجموعات فيه من مطلع عصر النهضة مروراً بالقرن العشرين، ويتم عرض المُقتنيات في بيئة أنيقة من قبل «سومرست هاوس»، كما أنه واحد من الأماكن الثقافية الأكثر ديناميكية في المدينة.

يُشتهر الغاليري خصوصاً بمجموعته التي لا مثيل لها من لوحات المدرسة الانطباعية وما بعد الانطباعية، بما في ذلك روائع مونيه وفان جوخ وغوغان، وأكبر مجموعة لسيزان في المملكة المتحدة.

كما يحوي المعرض أيضاً مجموعة رائعة من الرسومات والمطبوعات وأعمال الفنون الجميلة من النحت والفنون الزخرفية.

الغاليري يقف على موضوعة عدم اكتمال مشروع فني... إبداعي ورؤيوي. لا يهتم بموضوعات كتلك إلا الذين حققت الأعمال عندهم درجات ومستويات فارقة. لا ينصبُّ الاهتمام على ما تم وما يُظن أنه اكتمل من أعمال. ينصبُّ أيضاً على تلك التي لم تكتمل؛ ليس بفعل موتٍ أو مرضٍ أو نسيانٍ. ثمة أعمال تُركن جانباً ريثما تخْتمر وتنضج. لا مجال للارتجال بالنسبة إلى الأسماء الكبرى في عالم الفن والكتابة والإبداع. ترْكُها... نسيانها، ومن ثم العودة إليها؛ إذا لم يحل الموت دون ذلك، يمنحها النضجَ بالانتظار والتأجيل الذي حدث. بعض تلك الأعمال في تقييم أصحابها لا يستحق الذكْر؛ وبالتالي لا يستحق أن يرى النور. بعض الأعمال ربما لم ينظر إليها الجمهور باعتبارها غير مكتملة. كلٌّ من زاويته. بعضها لا يحتاج إلى زاوية نظر أو تفكير، فهي فعلاً تبدو غير مكتملة.

ثمة معنى في ما وراء تلك النماذج من الأعمال يمنحها قيمتها في الاكتمال: إنها صادرة عن فنانين ومُبدعين كرَّسوا حيواتهم للوصول إلى الكمال والتفرُّد. أعمال كتلك ستجد اكتمالها ونهايتها بالطاقات والأرواح المُبدعة التي كانت من ورائها. تفاصيل ما لم يكتمل من تلك الأعمال، على اختلاف أنواعها، هو الذي يمنحها أهمية، وستكون لها زمنيتها الخاصة؛ بمعنى زمن عدم اكتمالها وتفاصيله، ذلك بحد ذاته جدير بالتأمُّل هناك، ربما أكثر من أي مكان آخر.

بعض المُكتمل عربياً... غير مُكتمل أحياناً

عربياً؛ وضمن معاينة من قبل المهتمِّين بالحراك الثقافي والإبداعي، ممارسة أو تلقياً؛ وحتى ضمن تجربة شخصية وطوال عقود ثلاثة أو تزيد، لم نقف على معرض ذي أثر وقيمة يُحاكي معرض «كوتولد». عرض ما يُظن أنها - أو ما هو فعلاً -أعمال غير مُكتملة؛ يحتاج ذلك بالدرجة الأولى إلى الاحتفاء بالأعمال التي من المُفترض أنها مُنجزة/ مُكتملة. لا يستقيم جفاء المكتمل من الأعمال، مع الاحتفاء بغير المُكتمل منها، تلك هي المسألة ببساطة!

ثم وبالبديهة أيضاً، إقبال الجمهور أو المتلقي على الأعمال المُنجزة عربياً يكاد لا يشعر به أحد؛ حتى بالنسبة إلى الأسماء الكبيرة على مستويات الفن والإبداع المختلفة؛ ثم إن الثقافة البصرية لدى الجمهور العربي لم تستوِ على عمقها بعد؛ فكيف سيكون الأمر لو فكَّرت جهة في تنظيم فعالية لما لم يتم تشطيبه وإتمامه من الأعمال؟! فبعض المكتمل من الأعمال عربياً غير مُكتمل أحياناً!

الكاتب سيمون هيفر، من صحيفة «التلغراف» البريطانية، كتب مقالاً يوم السبت الماضي (13 يونيو/ حزيران 2015)، بدأ بعنوان مُلفت: متى يمكنك القول، إن عملاً فنياً قد تم الانتهاء منه؟ من يحدِّد تلك المسألة؟ هنا مراجعة لمقال هيفر.

بالتساؤل أيضاً يبدأ هيفر مقاله «هل يمكن أن يُنظر إلى عمل فني باعتباره مُنجزاً أو مُنتهياً؟». مناسبة المعرض مدخل أو ربما تكون المحفِّز على السؤال، بإشارة هيفر إلى أنه سؤال طَرَحَه المعرض المُرتقب في «كورتولد غاليري» بمدينة لندن، والذي سيتضمَّن أعمالاً من مجموعة صالونات العرض من بينها، المنحوتات واللوحات والرسومات والمطبوعات، تلك التي تُعتبر غير مُكتملة. كما سيضم المعرض أعمالاً لفنانين كبار من بينهم، إدغار ديغا، بول سيزان وأونوريه دومييه، مورداً هيفر على لسان القائمين على المعرض قولهم، إن العرض سيُعطي «فكرة لم يسبق لها مثيل عن العملية الإبداعية للفنان». كل بحسب تجربته والمجال الذي يُبدع فيه.

بورتريهات من دون رؤوس

يشير هيفر إلى «أننا شهدنا بوضوح جميع الأعمال الفنية التي لم تنتهِ. هنالك بورتريهات لم يتم رسم الرؤوس فيها بعد، أو مبانٍ نفد المال قبل إمكانية إضافة الجناح النهائي إليها، أو أعمال مرمُوقة كسيمفونية لم تنتْهِ لشوبرت. لكن ما يهمُّني أكثر هو فكرة أن العمل الذي عُرض للجمهور باعتباره كاملاً يُمكن أن يُعتبر من خلال صانعه بأنه غير كامل»، ويُمكن التراجع عنه، إما للمراجعة، أو استبداله ببساطة عن طريق تثبيت نسخة أخرى من العمل نفسه.

ويضيف بأن هذا يحدث لجميع المُبدعين. «نادراً ما رأيت مقالاً مطبوعاً في الصحيفة مما كتبته ولم أشعر بحاجة إلى تغييره أو إحداث تغيير عليه؛ ويبدو هذا أكثر سوءاً حين يتعلق الأمر بالكتب. إذا كان لدى أحد سوء حظ أو ما يقترب من مصيبة تتحدَّد في العودة إلى قراءة جزء من كتاب وضعه أحدهم قبل 10 أو 15 عاماً في وقت سابق، فلربما يرى شخص الأشياء وحتى الأمنيات حتماً من منظور مختلف عن رؤية وتعبير شخص بعينه، أو ربما لم يتم قوله على الإطلاق لا على مستوى الأشياء ولا على مستوى الأمنيات. وكما كتبتُ في الأسبوع الماضي، التعليم لا ينتهي عندما يترك أحدهم المدرسة أو الجامعة، الشخص يتعلَّم دائماً ويستوعب الأشياء. بالنسبة إلى الأشخاص المبدعين، هذا التجميع الذي يتم عرضه في (كورتولد) يعني حتماً إبداعات سابقة، من وقت إلى آخر، وبشكل أقلَّ من مُرْضٍ كما بدتْ عليه تلك الأعمال عندما أُنجزت للمرة الأولى؛ لأن قدرات المرء تتطوَّر بالضرورة».

مُشيراً إلى أن الإغرَاء هو دائماً هناك، في الثنايا؛ وليس من السهولة دائماً مقاومته. «أعرف رسَّاماً شهيراً يتوق إلى أن يعود بتجربته إلى سنوات مُبكرة، ليقوم بتغيير تفاصيل صغيرة لصور أنجزها بسبب عدم وجود الاقتناع والرضا الفني لحظة تنفيذ العمل في صورته الأصلية. في بعض الأحيان يُمكن للكتب أن تُعدَّل في الطبعات الثانية، على رغم أنه الشائع الآن، فيما هو أقل ممارسة بالنسبة إلى جيل مضى».

لا يمكن التلاعب بأعمال الخيال

في المقاربة بين أعمال يتضح الفارق في إمكانات المبادرة إلى إدخال إضافات أو تعديلات عليها، يتناول هيفر عوالم تتصل بالتباين، من حيث القدرة أو عدمها، والأثر الذي يترتب على ذلك التغيير، حذفاً أو إضافة، فبحسب قوله «هناك عالم من الفرْق الشاسع بين إضافة معلومات جديدة، أو رؤى جديدة، إلى عمل غير روائي مثل التاريخ أو السيرة الذاتية، والتلاعب بأعمال الخيال مثل الرواية».

يحضر الروائي الإنجليزي أنتوني ترولوب، ويتناول هيفر هنا المُعجبين بأسلوبه وكتابته؛ إذ يشير إلى أنهم «شعروا بالإثارة في الآونة الأخيرة بسبب اكتشاف مسألة استثنائية في اليسير من رواياته، وتحديداً في روايته (أطفال الدوق). بدلاً من ذلك، تظل النسخة الأصل مُتْعبة، وثمة مسارات أو بالأحرى منافذ للقيام بعمليات تحسين في بُنيَتها؛ سواء كانت هذه المواد الجديدة من التحسين ستجعل الأصل في حال أفضل أو خلاف ذلك، هو ما يجب عليَّ أن أتعلَّمه. وإذا كان مثل ذلك التحسين سيأتي بنتائج، فما الذي سيتم اعتباره بالنسبة إلى النسخة النهائية من النص؟ النسخة التي تم نشرها بموافقة المؤلف خلال حياته، أم تلك التي يحب أن تظهر، وتولَّى أمرها الناشر ظناً منه بأنها فكرة جيدة في توقيتها»؟ (بغضِّ النظر عن مدى التماسك والتقنية المُتبعة في الكتابة الأصل. تلك تفاصيل لا يمكن أن يواريها أحدهم، أو يقوم بمحاولة استنساخها، كثيراً ما يكتشف القارئ ولو بقليل من الفطنة البون الشاسع بين قبل وبعد). في ما يتعلق بالموسيقى يرى هيفر أنها منطقة تظل أكثر تعقيداً.

التسجيل الأصلي لسمفونية وليامز

ومن الفنانين والكتَّاب، ينتقل هيفر إلى نموذج مُهم في المجال الموسيقي، هذه المرة إلى المؤلف الإنجليزي رالف فوغان وليامز، ويتناوله بهذا التمهيد «بعض منَّا، ممن أحبَّ ودرس أعمال رالف فوغان وليامز، علمَ بأنه نقَّح سمفونيته الثانية (لندن)، مباشرة بعد الحرب العظمى، من خلال اقتطاع أقسام منها، فالحرب عملت على تغيير وجهة نظر الملحِّن بشأنها. في مطلع هذا القرن، بعد 90 سنة من السيمفونية الأولى التي تم أداؤها في العام 1914، أصدرت تسجيلات ريتشارد هيكوكس وشندوس، تسجيلاً للعمل الأصلي.

كان أمراً مُثيراً للقلق نوعاً ما. نحن الذين كنا نعرف النسخة المنقَّحة طوال حياتنا وجدنا أنفسنا وقد ضللنا الطريق من خلال النسخة غير المنقَّحة: عندما استمعتُ لها للمرة الأولى، بدتْ متنافرة في بعض مساحات من مقاطعها؛ حيث لم تكن الأمور كما كانت دائماً. وإذا تم تنحية هذا جانباً؛ شعرتُ بأن فوغان وليامز كان مُحقاً في اقتطاع ما أقدم عليه. بعد إتاحة الاستماع للعمل الأصلي عدَّة مرات وحتى الآن، أنا أميل إلى الاعتقاد بأن القليل منه قد خبت جذوته أمام التفوُّق الذي حاول الملحن توليده أو إحداثه، ولم يستطع إحداث أي تغيير عليه.

أما بالنسبة إلى هذا المقال، فقد انتهى. على الأقل، ذلك ما أعتقده».


ضوء على أعلام وردتْ أسماؤهم في مقال سيمون هيفر

إدغار ديغا

وُلد في 19 يوليو/ تموز 1834 في باريس, وهو من رُوَّاد الحركة الانطباعية. ظهرت براعته في رسم راقصات الباليه.

مكث 5 أشهر في لويزيان، ولم يرجع إلى باريس حتى فبراير/ شباط 1873م. شارك في كثير من معارض الانطباعيين، وعَرض أعماله في لندن العام 1883م. وحتى العام 1892م ترك الرسم بالألوان الزيتية. توفي في 27 سبتمبر/ أيلول 1917م، ودُفن في مقبرة مونتمارتر بفرنسا.

بول سيزان

فنان فرنسي وُلد في العام 1839، وتوفي في العام 1906. من رُوَّاد المدرسة الانطباعية. مارسَ الرسم في الهواء الطلق (مشاهد طبيعية)، إلا أنه قام بنقل أحاسيسه التصويرية، في تراكيب جسمية وكُتلية (ملامح بشرية وغيرها). كان له تأثير كبير على العديد من الحركات الفنية في القرن العشرين، من بينها المدرسة الوحشية (الوحشية حركة تميَّزت باستخدام ألوان غريبة صارخة، وتحريف الأشكال بتغيير أحجامها ونسبها وألوانها التقليدية)، وكذلك التكعيبية والتجريدية.

أونوريه دومييه

وُلد بمرسيليا في 26 فبراير/ شباط 1808، وتوفي في 10 فبراير 1879. عمل ساعياً لأحد المحامين، وقد أمدَّته تجاربه داخل المحاكم وبأزقة باريس برؤية عميقة حول الصراعات الاجتماعية آنذاك. درسَ الرسم في العشرينيات من عمره. عمل بعد ذلك رساماً كاريكاتيرياً بالصحف والمجلات السياسية الفرنسية. في العام 1832م، قضى ستة أشهر سجيناً بعدما أنجز رسماً كاريكاتيرياً للملك لويس فيليب.

كان رساماً غزير الإنتاج؛ فقد أنتج نحو 4000 عمل، ولعل أكثر ما اشتهر به، رسوماته الساخرة للشخصيات السياسية، وهجاؤه لرجالات البلد.

أنتوني ترولوب

روائي إنجليزي اشتُهر في القرن التاسع عشر. من مواليد العام 1815، وتوفي في العام 1882. بلغت رواياته وقصصه القصيرة أكثر من 50 مجلداً.

وتحتوي المُجلدات على «الوصيّ» (1855م)؛ «أبراج بارستشاير» (1857م)، «الدكتور ثورون» (1858م)؛ «بيت الكاهن المركب» (1861م)؛ «المنزل الصغير في ألينغتون» (1864م)؛ «أخبار بارست الأخيرة» (1867م). كما تتضمَّن أعمال ترولوب الأخرى مُجلدات الهجاء الاجتماعي والروايات السياسية وروايات التحليل النفسي.

رالف فوغان وليامز

مُؤلف موسيقى إنجليزي للسيمفونيات, وموسيقى الحجرة, والأوبرا, وموسيقى الكورال, وتحرير النصوص للأفلام. ولد في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1872، وتوفي في 26 أغسطس/ آب 1958. كان يعمل على جمع الموسيقى الشعبية الإنجليزية، وكان لذلك أثره على نهْج تحرير كتاب التراتيل الانجليزية، والتي بدأت في العام 1904.

أنتوني ترولوب
أنتوني ترولوب
لم يُنهِ بيرينو ديل فاجا لوحة الأسرة المقدَّسة مع يوحنا المعمدان
لم يُنهِ بيرينو ديل فاجا لوحة الأسرة المقدَّسة مع يوحنا المعمدان

العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً