العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ

إسكات الصوت الآخر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حين تعلو الأصوات المتصايحة لإسكات الصوت الآخر، المختلف، المعارض، في أي بلد، فاعلم بأن هذا البلد يعود القهقرى للعيش في القرون الوسطى.

وإذا أرادت أمةٌ أن تنهض من كبواتها وعثراتها، ونكساتها وهزائمها، فعليها أن تؤمن أولاً بحق الشعب في التعبير عن رأيه في مختلف شئون الحياة، بدءًا من أداء حكومتها ووزرائها، وانتهاءً بأداء الجمعيات والأحزاب والنواب.

حين تفتح الصحف فلا تقرأ إلا تحريضاً على قطاع واسع من أبناء الشعب، وإصراراً على تمزيق الصف الوطني، ودعوات مفتوحة لبثّ الكراهية علناً، فاعلم بأن هذا البلد يسير برجليه إلى مشروع انتحار جماعي.

لماذا هذه النزعة الموغلة في التوحش، والرغبة السادية الشديدة في إقصاء الآخر، والتحريض على المعارضين، وكأنهم مخلوقاتٌ غريبةٌ قادمةٌ من كوكب آخر لغزو البلد وليسوا مواطنين أصليين؟ ومتى نصل إلى درجةٍ من النضج والرشد السياسي، بحيث نقر ونسلّم بوجود أشخاص يحملون فكراً مختلفاً عنا، ولهم مواقف سياسية مخالفة لتوجهاتنا، ولهم قناعات تختلف عمّا نؤمن به؟

الله لم يخلقنا نسخاً كربونية متطابقة، وكما خلق أصابعنا مختلفة الأطوال، وخلق لكلٍّ منا بصمةً خاصة، فعلينا بالأولى أن نسلّم للآخرين باختلافهم عنا في مواقفهم وآرائهم السياسية، ونقبلهم كأشخاص لهم وجودهم وكيانهم وعقولهم، وكمواطنين يجب أن لا تُنتقص حقوقهم، في ظل دولة عادلة لا تفرّق بين المواطنين ولا تستخدم التمييز والإقصاء وإنزال العقوبات المشدّدة على معارضيها، حتى وصلت إلى إسقاط الجنسية.

إن حوادث القتل والتفجير التي شهدتها السعودية والكويت مؤخراً، وتشهدها الآن مصر وليبيا وتونس، ومن قبلهم سورية والعراق ولبنان... كلها بدأت من هذه الخطيئة القاتلة: عدم الاعتراف بوجود «آخرين» مختلفين عنا، في ظلّ عملية تحشيد وتحريض مركّز وبثٍّ للكراهية، بحيث تتدحرج الكرة حتى تتحوّل إلى قناعةٍ بعدم حقّهم في الحياة. فالتفجير يبدأ في النفوس، وينتهي في المساجد والكنائس والأسواق.

ماذا يعني أن يخصّص خطيبٌ كاملَ خطابه يوم الجمعة، للتحريض على طائفةٍ معينة، وبدل أن يكرّسه للحديث عن «محرّكات الإيمان» والاقتداء بالرسول (ص) في مثل هذه الليالي المباركات، حيث «(يتفرق) فيها للعبادة، معتكفا في مسجده؛ منقطعا عن الدنيا، مقبلا على ربه، مجتهدا في طاعته»، كما يشهد على نفسه... تراه يخصّص كل خطابه للتحريض على الآخرين واستعداء الدولة عليهم، ويرميهم بالتدليس والتلبيس والتآمر والتحريف، والنفاق والشرك... وغيرها من مفردات هذا القاموس المليء بالشتائم والرعونة و«التحريش» والكراهية التي تمتلئ بها النفوس المريضة.

ليس هناك شعبٌ واحدٌ في الدنيا، يُجمع على رأي واحد في قضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع والفكر والثقافة، وحتى في الرياضة والفن، فلماذا تريدون إجبار الناس على تبنّي آرائكم الأحادية، والتسليم بصحة مواقفكم السياسية، ومن يخالفكم تعتبرونه من أصحاب الجحيم؟

إن محاولة تكميم أفواه الناس بهذه الطريقة القمعية الفظة والبائسة، لم تعد ممكنةً في هذا الزمان، فالشعوب تتطلع اليوم إلى حياة حرة كريمة، غير منقوصة الكرامة ولا الحقوق. هذه هي حقيقة الحقائق في هذا العصر، أما محاولة العودة إلى أغلال الماضي، والتحكّم في عقول البشر وجرجرتها كالأنعام، فهي محاولةٌ تقع خارج الزمان.

انزلوا من أبراجكم، واخرجوا من شرنقاتكم الطائفية، وخففوا من غروركم وغلوائكم، ففي هذا المقطع المضطرب من التاريخ، كل شيء بات موضع مساءلة ومناقشة، من السياسة إلى مسلمات الفكر والدين، خصوصاً بعد انتشار هذه الموجة التكفيرية التي زلزلت قناعات الشعوب وباتت تهدّد البلدان.

وجود هذا الفكر الإقصائي المتغطرس... هو أحدى آفات هذا الزمان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 2:02 م

      رد على 25

      انت شكلك مايفيد وياك النصيحة لانه قلبك مليان حقد على الدين ورجال الدين الصالحين الي اخافون الله خلاص قلبك لا يريد ان يتقلم ويه الحق كله اتهاجم رجال الدين وادافع عن....... الي نهبو البلد ......

    • زائر 25 | 11:56 ص

      كل مذهب يدعي هو الإسلام الصحيح في كل شئ يعني غيره المضاد علط

      لهذا نجد هذا التناحر والكراهية في المنطقة فيجب احترام كل مذهب للآخر ولا أحد له ذنب في انتمائه المذهبي هو ولد على هذا المذهب او هذه الديانة فلي يجمع كل الديانات والمذاهب الدولة المدنية والديمقراطية وهذه صناعة بشرية يتبعها الشعوب المتحضرة العريقة فلا كل مذهب يفصل ديمقراطية مختلفة عن المذهب الاخر

    • زائر 24 | 11:15 ص

      الى زائر 15

      تدخل الدين الصحيح الذى يحمل شعار محمد واله \\ص\\ هو الذى يصلح للسياسة وللمعاملة ويه المسلمين مو اجى اليه واحد مايعرف كوعة من بوعة ولايعرف الاسلام و اقول سياسى واكبر دليل سياسة محمد واله من اعظم السياسات وانصحك ان تقرا عن سياسة محمد واله \\ص\\ ومن اتبعهم من العلماء الافاضل لانه الي دمر الكون سياسة ......التكفيريين الله يبعد عنا الاشرار

    • زائر 21 | 7:38 ص

      بلد يسجن معارضيه بسبب المطالبة بحقوقهم المشروعة ....

      هذا البلد يقمع حرية التعبير ويعذب المعارضين وينفي المعارضين هذا البلد يريد ..... بسبب الاغلبية المعارضة التي لا يستطيع السيطرة عليها هو يسجن الان الاف من المواطنيين داخل السجن بسبب ارءهم السياسية

    • زائر 18 | 6:33 ص

      لاحول ولا قوة الا بالله

      ليهم يوم ما بيعداهم وستدور الدوائر

    • زائر 15 | 4:51 ص

      ماذا تتوقع من تدخل الدين في السياسة

      كلنا تشاهد المآسي في المنطقة من هذا التدخل وشعب قبلنا عانة كذالك من هذا ورجال الدين يعرفون لايمكن أن يلتقون مع المضاد في المذهب لهذا رجال الدين لا يؤمنون بالوحدة الوطنية ولا يقبلون الغير في المذهب

    • زائر 14 | 4:31 ص

      تمزيق الصف الوطني يبتدا من تجزاة المواطنين على أساس طائفي وهذا ما ابتلاء

      به وطننا العربي والبحرين هي لاتختلف عن ما أصاب المنطقة من تناحر و كراهية وظهور التعصب والتكفير والاصطفاف الطائفي الجمعيات الوطنية هي أساس والطريق الصحيح لتفكير الأبواق الناعقة

    • زائر 10 | 2:40 ص

      عبالهم للحين انعيش في البداوة الشعوب الان حرة لاتقبل بزمن العصور المظلمة

      زمن تكميم الأفواه ولى وأنتهى والشعوب جميعها الان واعية الا من رحم ربي (العبيد ) المطالب العادلة للجميع وخطباء السوء للجحيم

    • زائر 7 | 1:50 ص

      سبحان الله

      سبحان الله و كأنك تتكلم عن العراق و ايران حيث قتل المعارضين شيء عادي جداً

    • زائر 20 زائر 7 | 7:11 ص

      تسلم

      يسلم تمك

    • زائر 4 | 12:01 ص

      بارك الله فيك .

      استادى !هؤلاء لديهم حاظنه تغذيهم با الافكار المنحرفه وهم انفسهم فقراء دين فلا امل فيهم غيرقدرة اللهعليهم.فبارك الله فيك على هذا المقال الرائع.

    • زائر 3 | 11:44 م

      اليس

      اليس فيكم رجل رشيد

    • زائر 1 | 10:31 م

      أتذكر هنا قول المتنبي: وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ ...

      ماذا يعني أن يخصّص خطيبٌ كاملَ خطابه يوم الجمعة، للتحريض على طائفةٍ معينة، واستعداء الدولة عليهم، ويرميهم بالتدليس والتلبيس والتآمر والتحريف، والنفاق والشرك... وغيرها من مفردات هذا القاموس المليء بالشتائم والرعونة و«التحريش» والكراهية التي تمتلئ بها النفوس المريضة...

    • زائر 8 زائر 1 | 1:56 ص

      خطيب احمق

      خطيب احمق

اقرأ ايضاً