العدد 4699 - الأحد 19 يوليو 2015م الموافق 03 شوال 1436هـ

«تويتر» والتشويش على الهوية

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

المفكر الإسباني مانويل كاسيلز الذي اشتغل على دراسة عالم ومجتمع الانترنت لمدة عشرين عاماً، دارساً دور الشبكة وعلاقتها بإعادة صياغة الهوية. هوية الأفراد تحديداً، والسياقات الجديدة في العلاقات بينهم، ربما لم يكن موضوع دراسته نشوء شراسة في العلاقات تلك أيضاً في العالم الافتراضي. ربما لم يكن معنياً بالشرق العربي ولأنه لا يجيد لغته، لم يضع حساب أمزجة وسلوكيات وطبيعة ثقافات وأنظمة في مسألة الدراسة، أو لأن خط البحث لا يعنى بكل ذلك.

وإذا كانت جاذبية العالم الافتراضي بالنسبة إلى كاسيلز، تتحدّد في قدرته على تحقيق اكتشاف الذات باعتبارها حاجة؛ إلا أن العالم نفسه وبالاستخدام السيء والمرعب في الشرق العربي تحديداً، لا علاقة لأفراده بتلك المسألة ممن يتصدون لإشعال حروب التكفير والدعوة إلى الاستئصال والإبادات. لن يقتنع أحد في العالم أن استخدام المتعاطفين - على أقل تقدير - مع المنظمات الإرهابية بالممارسات اليومية لهم واللغة التي يتبنونها يمتثلون للحاجة إلى اكتشاف الذات والهوية.

كاسيلز يتوصل إلى قناعة أن ذلك العالم لم يعد افتراضيا بطبيعة تكوين وسياق العلاقات التي أقامها وثبّتها. لكن تظل العلاقات بخيرها وشرها، بالخروج على المصادر التقليدية لتشكيل الوعي والهوية والعلاقات لم تنج من امتداد حروب الكراهية وثقافتها، وتداول التحريض، الأمر الذي نشأ وينشأ عنه استماتة لتثبيت وفرض هويات تهدف إلى التعميم، والحطّ من قيمة وقدر هويات أخرى.

التهديد والتحريض على القتل لا اعتبار له في إثبات أو تثبيت الهوية، إلا إذا قرّرنا أنها هويات قتلة أو محرّضين على القتل. التحريض على الإقصاء هو الآخر لا مجال له في دراسة كاسيلز، أو لم يكن ضمن اهتمامه وتناوله. نحن إذاً أمام فراغ يحتاج إلى تناول وتعمق يحدّد تفرعات للهوية تلك التي تصول وتجول في ذلك الفضاء. والتحديد هنا بمعنى العبث، أو هوية العبث في ذلك الفضاء.

ذلك لا يعني أن التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي في بقية دول العالم مليئة بالمثالية ولا شيء فيها من التماثل ويلتقي مع الاستغلال السيء لها. لكنها لا تعبّر ولا تلح بتلك الشراسة على استمرار حالة الغليان والتهديد للهويات المقابلة، ولسبب بسيط أن القانون لا يجامل أحداً، وليس محسوباً هناك على هوية دون أخرى، وليس متساهلاً مع مجاميع على حساب مجاميع أخرى.

لجوء البعض إلى اعتماد الخصوصية في «تويتر» تحديداً لا يعني التواري عن كشف الهوية. تفرض ذلك اللجوء حقيقة وواقع جهات الرقابة التي تحدّ من ذلك الفضاء، وتلك مسألة مهمة. وتلعب المناورة، والرمز، والأقنعة أدواراً في التشويش على التعبير عن الذات والهوية كما هي بعيداً عن كل ذلك. كل ذلك بفعل ارتباك التواصل، ولغز العلاقات التي يضج بها ذلك الفضاء.

في جزء كبير وغالب في الشرق العربي، هناك من هو متورطٌ في هذه المساحة. المعطيات التكنولوجية وأدوات التواصل التي يتم استقبالها من الآخر «الملعون» يتم تحويلها إلى صورةٍ أخرى من صور اللعنة بالاستغلال السيء لها.

الحروب في «تويتر» لم تعد افتراضيةً وإن كانت في عالم افتراضي. لقد بات الموقع الشهير ساحةً للاعتراك واستحضار التاريخ، سواءً بالنسبة لأولئك الذين يلمّون بجزء من أطرافه أو حتى أولئك الذين لا دراية لهم به.

تناول الجانب الخيّر من مكتسبات ذلك العالم الافتراضي لا ينفي سوء الاستقبال والتعامل معه، وما نتج عن ذلك من حروب وصراعات لا أحد يجرؤ على القول بأنها افتراضية، وإن بدت وكأنها فضاء للتعبير عن الهوية.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4699 - الأحد 19 يوليو 2015م الموافق 03 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً