العدد 4708 - الثلثاء 28 يوليو 2015م الموافق 12 شوال 1436هـ

وظلم ذوي القربى

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

قال الشاعر «وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً... على المرء من ضرب الحسام المهند»، وبالفعل فإذا ما يممنا شطر المغرب العربي أو مشرقه، فماذا نرى؟

معظم الشعوب العربية تعاني من ظلم أنظمتها، وأجهزة دولتها والمتنفذين فيها والأغنياء الطارئين. لكن الأنكى هو تحول مواطنين عرب إلى ظالمين لأبناء أوطانهم، بسبب اختلاف القومية أو الدين أو المذهب أو العرق أو القبيلة، ويشمل هؤلاء الظالمين مختلف الفئات من رجال دين (باعتبار أننا العرب ليس لدينا نساء دين) وصحافيين وإعلاميين وسياسيين وقادة مجتمع، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً.

لكن الظاهرة الأغرب هي اتهام الضحايا بعدة تهم ومنها أنهم مصابون بعقدة الاضطهاد، أو أنهم يطمحون إلى انتزاع السلطة أو حتى اغتصابها من أصحابها، أو أنهم - وهذه ثالثة الأثافي- عملاء لدول أجنبية تريد الشر بالوطن، وهذه الدول الأجنبية تتغير مع تغير مراحل الزمن، ففي وقت من الأوقات كان الاتحاد السوفياتي هو العدو، ثم أضحى النظام الناصري، ثم أضحى النظام البعثي، وأخيراً العدو الفارسي. وبعد تسوية الملف النووي الإيراني، قد يكون الأميركي المتآمر مع العدو الفارسي وشريكه، على رغم أن أميركا حليفتنا.

وبالنسبة إلى دول عربية معينة، فإن العدو الذي يجند العملاء هو نظام لدولة عربية شقيقة أو جارة، وقد شهدنا في بعض دول المنطقة، مسرحيات بتوجيه تهم العمالة لمواطني دولة عربية من دولة عربية أخرى، على رغم أننا جميعاً ننتمي إلى المنطقة نفسها، فأهازيجنا واحد، سواءً كنا في مجلس التعاون الخليجي، ونردد «خليجنا واحد»، أو «بلاد العرب أوطاني».

وفي الصراعات بين الدول العربية التي وصلت إلى حد الحروب، كما في عهد حكم البعث للقطرين الشقيقين سورية والعراق، فإن الاتهام بالانتماء إلى تنظيم حزب البعث للطرف الآخر، كان كفيلاً بالإعدام. وقد دخل شطرا اليمن في صراع استمر لثلاثة عقود، حتى قيام الوحدة المأمولة في يونيو/ حزيران 1990، حيث كانت تجرى اعتقالات ومحاكمات بل وتصفيات بتهم مثل عمالة اليمني الجنوبي للشمال، أو العكس عمالة اليمني الشمالي للجنوب!

وكلنا نعرف التوترات التي وصلت لصدام عسكري حدودي بين ليبيا ومصر في عهد السادات، حيث جرت عمليات اعتقالات متبادلة بالحجة ذاتها، أي العمالة. وما بين الجزائر والمغرب ما صنع الحداد حتى اليوم، وكلنا نتذكر الحوادث الإرهابية في المغرب ومنها تلك التي حدثت في مراكش، حيث اتهمت المغرب الجزائر بأن عملاءها وراء ذالك الحادث بتعاون عملاء مغاربة للجزائر، والعكس صحيح.

لكن هذه الاتهامات لا تقتصر على العرب فيما بينهم، بل توسعت الدائرة إلى اتهام كثير من الخليجيين بتهمة العمالة لإيران لمجرد أنهم يشتركون مع الإيرانيين في الانتماء الديني أو المذهبي، أو لأنهم يختلفون مع سياسات بلدانهم، وتستفيد إيران طبعاً من ذلك بالترويج، وإطلاق التصريحات ضد هذا النظام أو ذاك، والتعاطف مع بعض الشعوب من دون أن يكون للمواطن الخليجي المستهدف يد في ذلك. وعلى رغم ذلك يدفع الثمن، ويُطالَب في كل مرةٍ بأن يثبت وطنيته، وهو في وضع الرعية وليس المواطنة. ومع تعاظم الدور التركي وتدخلاته في الحرب الجارية في سورية والعراق ضد «داعش»، فمن المتوقع أن يتهم بعض العرب بالعمالة لتركيا أيضاً.

في الحالة اليمنية، يحتدم النقاش والاتهامات في كون تحالف الحوثي - صالح عملاء لإيران، والحراك الجنوبي أو اللجان الشعبية بالعمالة للخليجيين، وفي الواقع فإن الحرب تشوّه كل شيء، وتدفع كل طرف إلى الاستعانة حتى بالشيطان. نستطيع أن نستطرد كثيراً في ضرب أمثلة على سياسة الأنظمة وقوى سياسية قومية دينية ومجموعات طائفية وعرقية وغيرها في شيطنة من يكرهونهم أو يختلفون معهم، ووصمهم بأقبح النعوت بما في ذلك العمالة، لكن ذلك يكفي.

المهم أنه آن الأوان للأنظمة العربية أن تتصالح مع شعوبها، فلم تعد هذه الشعوب تطرح مطالب ذات سقوف عالية، وهذه الشعوب لا تسعى أصلاً لقلب أنظمة الحكم والاستيلاء على السلطة، بل إنها تريد أن تعيش بكرامة وحرية وأمان، مع ترك الحكم للحاكمين.

كما أنه آن الأوان للتكتلات الدينية والقومية والطائفية وغيرها، أن توقف حملات الكراهية والتخوين بحق من يختلفون معهم قومياً أو دينياً أو مذهبياً أو عرقياً أو غيره، من أبناء وطنهم، ويتقبلوا الاختلاف كأمر واقع وحميد «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» (المائدة، 48) وأن يتعايشوا مع بعضهم كأبناء وطن واحد، وشعب واحد، وأمة واحدة.

آن الأوان لننهي هذا الاحتراب ما بين الأنظمة وشعوبها، وفيما بين هذه الشعوب، وفيما بين شعوب الأمة وفيما بين الأنظمة، حيث الشعوب هي الوقود والخاسر دائماً. كما آن الأوان لكي لا نحمل مشاكلنا وأخطاءنا الآخرين، بلصق تهمة العمالة لكل من يطالب بحقوقه المشروعة.

واللهِ إني لأخشى بعد هذا المقال أن اتهم بالعمالة، ولمن؟ لا أدري! فمن السهل على البعض أن يفبرك أية تهمة ضدك، وهناك من هو مستعدٌ لسماعهم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4708 - الثلثاء 28 يوليو 2015م الموافق 12 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 1:06 م

      لو

      لو زين الحكومات العربيه تطبق كلام عبد النبي العكرى حفضه الله لكنا امة خير وسلام خصوصا هنا فى البحرين البلد ادمر وسبه شيطنة الاوادم الكبار المشتكى لله

    • زائر 19 | 11:09 ص

      انه الخريف

      من يحارب الانظمة ليس الشعوب وانما جماعات اما لها ولاءات عابرة لاوطانها او تتبنى اجندات جهات خارجية .نظرة سريعة على رقعة العالم العربي بعد الثورات المزعومة ، يتضح انها تتمنى العودة لليوم الي سبق هذه الثورات .انه حلم صار بعيد المنال اذ عدنا للخريف.الديمقراطية ليست الحل الامثل لاوطاننا . لقد جربتها دول عربية كثيرة وتمخضت عن حروب وكوارث .

    • زائر 13 | 4:27 ص

      إبتعدنا عن الإسلام الأصيل

      فصرنا نفعل ما نهينا عنه (ولا تنابزوا بالألقاب) ولا نأخذ بتعاليمه مثل (لا فرق بين عربي و عجمي إلا بالتقوى) و (جادلهم بالتي هي أحسن ) و ( ادعو الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) فرجعنا ممزقين ضعفاء نحكم بنظام القبائل و نتناحر كما كان العرب في الجاهلية والطامة الكبرى ان كل فريق يفعل ذلك تحت راية ما يسميه الإسلام والإسلام برئ من كل ذلك

    • زائر 12 | 3:54 ص

      زائر

      الأخ الأستاذ عبدالنبي العكري قد اتفق معك في أمور ولكن لا اتفق معك تماما في أمور منها لا يوجد شك تماما في تدخل ايران في شئون العربية خاصة منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية وهذا العراق العربية الإسلامية يشهد الكثير من العراقيين ومنهم السياسيين بتدخل ايران ورايت بأم عيني ويشهد العارقيين قبلي برؤية قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري في الحرب ضد داعش في العراق اهي موكلة من الأمم المتحدة بالتدخل ام لها أهدافها المكشوفة ومصالحها الفرسية

    • زائر 10 | 2:15 ص

      تحول مواطنين عرب إلى ظالمين لأبناء أوطانهم اذا كان هذا صحيحا فماهو

      السبب وليش هذا التحول الخطير لنصف شعب فجاتا لظالمين أهذا الاتهام يعقل إو يمكن أن يحدث بين مواطنين متعاونين مع بعض ابن عن جد سنين طويلة في محبة وطيبة تجمعهم لازم في سبب كبير جدا أحدث الخوف والكراهية وإزالة الثقة بينهم فما هو هذا الطارئ الخطير هذا يختلف عن الايدلوجيات البشرية طبعا واحتظرناه بانفسنا لخلق هذه العداوة فهل نبعده لنرجع إخوان في الوطن

    • زائر 9 | 2:10 ص

      احم احم

      انا للامانه من معرفتي بالبحرين اشوف الكلام والاحراج مؤثر ازيد من الاحتجاجات والمظاهرات او الاعتصامات وحتى اعمال العنف ؟

    • زائر 8 | 2:06 ص

      احم احم

      في البحرين ايتهمونك بالعمالة صحيح ؟ اللي المفروض يحميك هو اللي راح يتهمك ؟
      والكارثة حتى المواطن البسيط اللي ممكن لا يعرف يقرا ولا يكتب ممكن حتى هدا يتهمك ؟
      لكن ؟ الحامي او الحرامي يتهمك اذا شاف في كلامك تحريض مبطن فقط ؟ ما يتهمونك ولا يعتقلونك اذا كلامك يعبر عن رايك او اللي اتشوفه ؟ احنا اسنين نتكلم واناقش لكن ما حد كلمنا ولا اعتقلنا لسبب الكلام

    • زائر 4 | 1:08 ص

      الله يصبحك بالخير

      لاننا لا نريد ان نحل الازمات الداخليه فمن الطبيعي ان تنهم الاخرين بالتدخل تهم جاهزه ومعلبه نستجدي العطف والتمسكن لماذا؟وكاننا شعب ارهابي لاشغل له سوي حرق البلد وقتل رجال الامن وتخريب البني التحتيه ماعادت تنفع هذه المسرحيات لتغطيه علي الفشل في اداره امور البلد الشعب يعاني ومنذ زمن بعيد جدا

    • زائر 3 | 12:51 ص

      اعداء الامة

      اعداء الامة هما اسرائيل و ايران فكلاهما يعادي الاسلام و العروبة

    • زائر 778 زائر 3 | 7:50 ص

      منطق اعوج

      ايران محاصره اقتصاديا وتسمى بالدوله المارقه لدعمه قضية العرب وفلسطينيين والاسلام وفي مره من المرات قلت لها اميكه تخلي عن قضيه القدس والمقاومه سنعطيك كل ماتريدين المهم ان تكوني على راينا وشورنا ايران رفضت لان ايران اقسمت بدماء الشهداء لولائها لقضيا المسلمين

اقرأ ايضاً