العدد 4710 - الخميس 30 يوليو 2015م الموافق 14 شوال 1436هـ

الأمن البيئي منجز السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الأمن البيئي ثروة إنسانية وتَبصرت فوائده الأمم والشعوب في سياق مسيرة تطورها الحضاري وتشعب علاقاتها بالموارد الطبيعية في إطار جهودها للبحث عن الموارد الغذائية والمعيشية، وسعيها لتأمين ضمانات حماية وجودها وأمنها الشخصي وصون بقائها على البسيطة.

والأمن البيئي صار هدفاً في محور السياسات الاستراتيجية الوطنية للدول والمجتمع الدولي، القانونية والإجرائية والادارية والفنية والمجتمعية والتنموية، وذلك بعد أن تصاعدت آثار الجرائم البيئية المختلفة في أنماط وسائلها التدميرية ومخاطرها على أمن المجتمعات البشرية؛ وبعد أن عصفت أيضاً بالمجتمع البشري المخاطر الطبيعية المتمثلة في الكوارث والبراكين والأعاصير الطبيعية والمصطنعة منها، مثل حوادث التلوث النووي والكيماوي والنفطي بفعل السلوك البشري غير الرشيد التي تسببت في تدهور المعالم البيئية ونقص الموارد الطبيعية وتراجع مستوى الرأسمال الايكولوجي من جانب، وتصاعد مستوى تلوث المحيط البيئي للإنسان وبروز المعضلات البيئية الخطيرة على الأمن البيئي للبشرية من جانب آخر. وذلك كما هو عليه الحال في واقع مخاطر مشكلة تغير المناخ المتسبب الفعلي في تصاعد ظاهرة التصحر في العديد من مناطق العالم، وارتفاع مستويات درجة الحرارة وذوبان الجليد في المحيطات المتجمدة وارتفاع مستوى مياه البحر.

الجريمة البيئية، وكما يتفق عليه الخبراء والمختصون في علم البيئة الحديث، تمثل أشد المصادر خطراً على الأمن البيئي للبشرية، ويتمثل ذلك الخطر في أنشطة التدمير الشامل للبيئات الطبيعية والمحيط البيئي للإنسان، وتشمل الاستغلال غير الرشيد للموارد البيئية والتي تسببت في تدهور مخزون الرأسمال الايكولوجي، إلى جانب إدخال وطمر المواد الخطيرة في البيئات الطبيعية وإغراقها في البحار والأنهار، وتلويث المحيط البيئي للإنسان بالمواد الخطيرة والكيماوية والأدخنة والغازات السامة ذات الآثار الخطيرة والبعيدة المدى على صحة الإنسان والبيئة.

الأمن البيئي المبني على أسس رصينة والذي يجري إرساء ثوابت قيمه الإنسانية بمنهجية الاتجاهات العملية، يمثل أداة فعلية في مواجهة الجريمة البيئية وقمعها والحد من تداعيات مخاطرها، ويسهم في توفير الضمانات الاستراتيجية في بناء مجتمع الاستقرار والرفاه الإنساني، وتحجيم واستبعاد الأدوات والوسائل المخلة بأمن المجتمعات البشرية. ويشكل الأمن البيئي في جوهره منجزاً فعلياً لنهج السلوك البشري الرشيد وجهود إرساء مبادئ التنمية المستدامة وأهدافها.

بناء نظام الأمن البيئي المؤسس مدخل لتغيير واقع الحالة المأساوية في الممارسات غير الرشيدة، وفي العلاقة البشرية مع معالم الأنظمة البيئية. والأمن البيئي نظام متداخل الاجراءات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والادارية والفنية حيث تدخل في مسئولياته الالتزامات الدولية في واقعه الشامل والمسئولية الوطنية في واقعه الوطني.

والأمن البيئي نظام إجرائي متناغم في أدواته ووظائفه وأهدافه ووسائله وآلياته التنظيمية والتنفيذية. ويدخل في هذه المنظومة قواعد التشريع الوطني والدولي التي تحدّد معايير وأسس تنظيم العلاقة مع مكونات النظم البيئية، وتصنف أنواع مظاهر التعدي على النظام البيئي ومحددات الجريمة البيئية ووسائل الردع والمعالجة، وضمانات التعويض وإعادة التأهيل البيئي. وقد تبنت الدول والمجتمع الدولي في هذا السياق منظومة متداخلة من المبادئ والقواعد القانونية، من قوانين وطنية واتفاقيات دولية متنوعة في مجالات أهدافها ووظائفها القانونية، تشكّل في مجموعها قاعدة تنظيمية لبناء نظام الأمن البيئي الشامل.

ويتقاطع مع تلك الاجراءات، النظام القضائي البيئي كأعلى سلطة قانونية لفرض النظام القانوني وإقرار الجزاءات القانونية على مختلف أنماط المخالفات ومظاهر التعدي على الإنسان والمعالم البيئية. كما يدخل ضمن نظامه الإجرائي آلية الرقابة البيئية كأداة للمتابعة والضبط وفرض الالتزام بمعايير الادارة البيئية والقانون البيئي.

ومع تطور وسائل وآليات الجريمة البيئية، عمل عدد من الدول على تحديث أدواتها القضائية ضمن تشريعها البيئي، ومن ذلك ما تبناه المشرع الإماراتي في القانون الاتحادي رقم (24) لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها، حيث تجيز المادة (69) من القانون، لوزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، بالاتفاق مع السلطة البيئية المختصة، إصدار «قرار بتحديد موظفي الهيئة والسلطة المختصة الذين تكون لهم صفة مأموري الضبط القضائي في مجال التفتيش على المنشآت والأماكن وغيرها، للتحقق من التزامها بتطبيق أحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذاً له». وتجيز المادة ذاتها لمأموري الضبط القضائي «أن يضبطوا أية مخالفة لأحكام هذا القانون وأن يحيلوا المخالف طبقاً للإجراءات المعمول بها في الدولة إلى السلطات القضائية المختصة».

ويتوافق مع ذلك النهج خطط العمل والاستراتيجيات الوطنية للبيئة التي تعنى بإعداد الدراسات المختصة في جمع البيانات البيئية وتشخيص الواقع البيئي، وإجراءات العمل لإعادة التأهيل البيئي وتحديد الاتجاهات المنهجية لتغيير الحالة البيئية إلى جانب الإجراءات المرتبطة بالخطط التنموية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المرتكزة على مبادئ المشروع الدولي البيئي، والتي تهدف إلى تغيير الحالة المعيشية والحياتية للمجتمع، والقضاء على حالة الفقر بمختلف صنوفه، وتوفير متطلبات الكرامة الإنسانية، إلى جانب الإجراءات المرتبطة بخطط التوعية وبناء القدرات البيئية. ويدخل في هذا السياق برامج التربية والتعليم البيئي والتوعية والتثقيف، بيد أن توفر الإرادة السياسية والقرار السياسي البيئي المدعوم من قمة الهرم السياسي يشكل القوة والضمانة الرئيسة في بنية نظام الأمن البيئي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4710 - الخميس 30 يوليو 2015م الموافق 14 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً