العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ

التعلم من الآخرين لا يشترط الوقوع في مصائبهم

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مرَّت يوم أَمسِ الذكرى السبعون لإلقاء القنبلة الذريّة على ناغازاكي اليابانية (بعد 3 أيام من إلقاء القنبلة الأولى على هيروشيما)... ففي العام 1945 أسقطت طائرات الولايات المتحدة الأميركيَّة قنبلتين ذريَّتين، إحداهما على هيروشيما، والأخرى على ناغازاكي، والولايات المتحدة الأميركيَّة كانت الأولى والوحيدة في ذلك الوقت التي لديها أسلحة نووية...

لقد كنت من الذين زاروا اليابان في 2005 (حينها بمناسبة الذكرى الستين لإلقاء القنبلة النوويّة)، والتقيت اثنين من الذين نجوَا منها، أحدهما يدعى «سيناو سيبوي»، وكان عمره 20 عاماً عندما ألقيت القنبلة (أعتقد أنه توفي خلال السنوات الماضية)، والآخر، سيدة اسمها «كيكو أوغورا»، وكان عمرها آنذاك ثماني سنوات فقط (لاتزال حيّة إلى الآن) عندما أسقطت القنبلة على مقربة من منزلها، وذكرت لنا تفاصيل تتذكرها عن الحادثة، وكأنّها حدثت قبل يوم واحد.

«أغورا» لم تذهب إلى مدرستها في هيروشيما ذلك اليوم؛ وذلك لأنَّ والدها قال لها إنَّه يشعر بأنَّ شيئًا ما سيحدث، وكان بقاؤها في المنزل السبب في نجاتها من الموت، إذ قتل نحو 70 ألف إنسان (من أصل 350 ألف نسمة آنذاك)؛ بسبب ارتفاع درجة الحرارة النووية إلى 7000 درجة مئوية. الشخص الآخر الذي قابلته، وهو «سيبوي»، أطلعنا على صورة له (في المتحف)، وكان شخصاً منهكاً يشبه الشبح، بعد إلقاء القنبلة، وقد التقطها آنذاك أحد الصحافيين.

على أننا عندما زرنا هيروشيما تفاجأنا بأمرين غريبين، الأول هو أنَّ المدينة بدت من أكثر المدن اليابانيَّة جمالاً، وعدد سكانها يبلغ مليونين ومئتي ألف نسمة، كما أن الزراعة تنتشر في كل مكان فيها، ولاسيما في المنطقة التي ضربتها القنبلة النووية.

الأمر الآخر، أنَّ الضحايا أصبحوا أبطال السلام، وأبطال حقوق الإنسان، وقال لي أحدهم: «إن التضليل الإعلامي، وإثارة الأحقاد هي التي أوصلتنا إلى استخدام أسلحة دمار فتاكة ضد بعضنا بعضاً، وإنَّ الإنسانيّة جمعاء هي التي تخسر مع انتشار الحقد في أوساطها».

وأضاف «أوصيكم كإعلاميين بأن تقوموا بدوركم بكل صدق وأمانة، وألا تكذبوا على شعوبكم كما كانت الحكومة اليابانيَّة تكذب علينا قبل انتهاء الحرب العالميَّة الثانية، وبسبب ذلك ارتكبنا الأخطاء الجسيمة ضد الآخرين، وارتكب الآخرون أخطاء جسيمة ضدَّنا».

هناك من يطرح بأنَّ على مختلف الشعوب أن تمرَّ بالمصائب والمحن؛ لكي تتخذ قرارها وتسير نحو العيش بسلام مع بعضها بعضاً، من خلال التوافق الإنساني. ويشير هؤلاء إلى الكثير من البلدان والمناطق المتطوّرة حاليّاً والتي مرَّت بمثل ما نمرُّ به حاليّاً. ففي أُوروبا كانت هناك حروب طائفيّة (بين طوائف المسيحيين) استمرَّت طويلاً حتى العام 1646، وبعدها اتفَّق الأوروبيون على تغليب «الوطن» على «الطائفة». ومن ثمَّ أَدخلت أوروبا العالم في حربين عالميَّتين في القرن العشرين، قبل أنْ تتسيّد شرعة حقوق الإنسان بالصورة التي نراها حاليّاً. وكذلك مرَّت الولايات المتحدة الأميركيَّة بحربها الأهليَّة لمدة أربع سنوات بين الشمال والجنوب، والتي انتهت في 1865 بتحرير السود من العبوديَّة.

وفي الواقع، فإنني لا أميل إلى هذه النظرة التي تقول إنَّ علينا أَنْ نمرَّ بالمصائب التي مرَّ بها غيرنا؛ لكي ننعم بما ينعمون به حاليّاً من تطور اقتصادي وتقدُّم سياسي، وأدعو دائماً إلى أنْ نتعلم من الآخرين من دون الحاجة إلى المرور بالمصائب التي مرُّوا بها.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 4:14 ص

      السلام

      مقال ايجابي و متفاءل و عقلاني

    • زائر 16 | 9:50 ص

      دمتم دخر لنا يا دكتور

      انتم سند المظلومين والمحرومين
      مقال رائع وفيه عبر الى من يريد ان يعتبر اذا اراد ذلك
      سيروا يا دكتور في خطكم المعتدل والوسطي فالله هو ناصركم
      قريبا سوف يتغير الوضع وتخرس كل الاقلام المأجورة واصحاب الفتن عبدت الدينار الذين يعيشون على الفرقة والشتات
      الحمدلله الذي عاد لنا صحيفتنا الشريفة

    • زائر 9 | 1:27 ص

      صوت العقل

      التاريخ خير معلم

    • زائر 8 | 12:42 ص

      التعلم

      ان نبدأ بما انتهي اليه الغرب .. ان نبعد الدين عن الدولة .. الدين لله والوطن للجميع هذه ليست علمانية ولكن الحل لما نحن فيه الان

    • زائر 14 زائر 8 | 5:54 ص

      عقدة

      اظن هناك عقدة من الدين.. و لا تاتي هذه العقدة إلا إذا اراد المجتمع و مؤسساته التمسك بتعاليم الدين..أما إذا ركبت الحكومات موجة الدين و استعبدت الناس من خلال المفاهيم الخاطئة و المذلة للدين فلا اعتراض و لا مطالبة بفصل الدين عن السياسة.
      اتفق ان الفهم الخاطئ للدين يؤدي لكوارث.. و لكن علينا ان نبحث عن الفهم الانقى لا ان نفصل الدين عن الحياة.

    • زائر 7 | 12:30 ص

      ونظرة أخرى

      إضافة إلى هذه النظرة الخاطئة يطرح البعض بأن الوصول إلى الديمقراطية يحتاج مئات السنين لأن بلدان متقدمة مرت بهذه المدة.. هذا منطق غريب فالتجربة البشرية يجب الاستفادة من خلاصتها والأخذ بإيجابياتها لا البدء من الصفر!

    • زائر 13 زائر 7 | 5:49 ص

      المفروض

      أولاً نستورد المركبات البخارية لعشرات السنين اولا
      ثم نجرب تجربة الاخوات رايت في الطائرة الشراعية لسنوات طوال
      و هكذا
      ليش بس الديمقراطية لازم نمر بتجربتها بالكامل؟!!!!!!!

    • زائر 6 | 11:35 م

      صوت العدالة

      الوسط تمثل صوت العدالة وصوت المحرومين في هذا الوطن.. الوسط تمثل الوسطية والاعتدال في الطرح لذلك هي محاربة من المتطرفين ..سلم قلمك يادكتور ..ونعلن تضامنا ومحبتنا للوسط مجدداً

    • زائر 4 | 10:54 م

      الظاهر مكتوب علينا أن نمر بالمصاءب التي مر بها غيرنا

      والله أمامنا وبقربنا الحروب الطائفية في المنطقة وماسببته الأحزاب الدينية والمذهبية من حقد وكراهية بين أبناء الوطن الواحد وأصبح القتل على الهوية المذهبية وأصبح الجميع في مستنقع الطائفية فهل نبعد بلدنا عن هذا بالرجوع إلى المواطنة وأهم شئ المشاركة في العمل السياسي جنبا إلى جنب على أساس المواطنة فقط

    • زائر 3 | 10:36 م

      السعيد

      السعيد من اتعظ بغيره
      و امير يقول لابنه الحسن عليهما السلام
      لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَ تَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَ عُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ وَ اسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ

    • زائر 2 | 10:32 م

      الحروب القادمة ستكون نووية بامتياز .... ام محمود

      خاتمة المقال .....ماذا تسمى الاوضاع منذ يناير 2011 في الوطن العربي هل يوجد بلاء مثل هذا قتل و نحر و قطع للرؤوس و خطف و ابادة من يومين خطفت داعش 40 شاب في الموصل و اعدموهم و هناك الاف قتلوا بنفس الطريقة و لكن سرا .. العام الماضي قرأت تقرير ان نهري دجلة والفرات امتلأ بالقتلى بسبب التنظيم الارهابي

      و سبي واغتصاب

      الحروب القادمة اذا حدثت بين الكوريتين او بين امريكا و روسيا او بين اليابان و دولة اخرى ستكون نووية و هناك 3 قارات ستمحو من الخارطة ..و اذا تم ضرب ايران ايضا سيحدث شيء هائل و غير متوقع

    • زائر 1 | 10:21 م

      تغليب العقل على الجنون و الوطن على الطائفة... ام محمود

      من المفارقات الغريبة ان امريكاهي ام القنابل النووية ومنذ 1945 ارتكبت كوارث و محت مدن يابانية من الوجود بدون سبب سوى حب الدمار وهي هيروشيما و ناجازاكي و القنابل التي القيت كانت كافية على القضاء على البشر و النبات و الحيوان و تدمير كل شيء بمعنى اخر دمرت الحياة الطبيعية و اليوم تحاول ان تقنعنا بان ايران تسعى لصنع قنبلة نووية و هذا يخالف الإسلام الذي يعتبره محرم جدا و مرتكب هذه الجريمة مخلد في النار
      مستقبلا ستحدث حروب نووية هذا مؤكد دكتور من خلال الكتب في سوريا و بالقرب من تركيا سيذهب ضحيتها 100الف

اقرأ ايضاً