العدد 4722 - الثلثاء 11 أغسطس 2015م الموافق 26 شوال 1436هـ

أول مدرسة للبنات العام 1899... وتقارير عن الصعوبات والمشكلات

«مئة عام من التعليم النظامي في البحرين» لمي آل خليفة...

بيت جمعة أول سكن ومكتبة ومدرسة للإرسالية في البحرين
بيت جمعة أول سكن ومكتبة ومدرسة للإرسالية في البحرين

تظلُّ معلومة أن أول مدرسة تم افتتاحها في البحرين كانت مخصَّصة للبنات، أمراً شبه مجهول بالنسبة إلى كثيرين. في الذاكرة قبل تلك المدرسة، أن المستشفى الذي افتتحته الإرسالية الأميركية أو المُفتتح في تلك الانتقالة التي شهدتها البلاد، هو الأكثر حضوراً في الذاكرة.

كتاب الباحثة ووزيرة الثقافة السابقة، رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، الشيخة مي آل خليفة، «مئة عام من التعليم النظامي في البحرين... السنوات الأولى للتأسيس»، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، العام 1999، يضعنا أمام حقيقة أنه سبق افتتاح المستشفى الأول في البحرين بفضل المساعدة السخية التي تلقتها البعثة من قبل عائلة ماسون، والتي وصلت وقتها إلى 6000 دولار، شروع زوجة القس زويمر (إيمي إليزابيت ويلكس) في افتتاح «أول مدرسة نظامية للبنات في البحرين العام 1899، وتلتها مدرسة أخرى للبنين العام 1902». نتحدَّث هنا عمَّا يشبه الجرأة والتحدِّي بقيام مدرسة للبنات سبقتْ مدرسة البنين بثلاث سنوات.

لم تَخْلُ تلك البدايات من المشكلات والصعوبات، وخصوصاً في مجتمع محافظ وملتزم دينياً. نحن نتحدث هنا عن تقبُّل ذلك المجتمع لإرسال بناته إلى تلقي التعليم. وإلى أين؟ إلى جهة لم تُخْفِ الأهداف الأولى لوجودها: التبشير. للمشكلات والصعوبات تلك وجوه، تصغر أو تكبر، سنأتي عليها في ثنايا استعراض الكتاب.

في الانتقالة التي ستُحقق تأسيساً لقاعدة التعليم المنتظم، في البحرين؛ وإن كان في شكله الأوَّلي البدائي، كانت البحرين على موعد في العام 1900، مع صورة من صور تلك الانتقالة؛ إذ «استطاع أعضاء البعثة التبشيرية الحصول على أول عقد إيجار لفترة أطول لأحد المنازل في البحرين، وكان ذلك المنزل يخص جمعة بوشهري. وقد أطلق المبشرون على ذلك المنزل في مراسلاتهم تسمية (بيت جمعة)، وهو البيت ذاته الذي تحوَّل فيما بعد إلى مدرسة العجم، ثم إلى المدرسة الحكومية للبنات (عائشة أم المؤمنين)».

ويُلفت في الكتاب - وفي مساحات كبيرة منه يظل مُلفتاً - إلى الآتي: «في 26 مايو/ أيار 1891، غادر كانتين (جيمس) عدن متجهاً إلى مسقط، وغادر زويمر الحُدَيْدَة عن طريق البحر إلى صنعاء في رحلة استغرقت ستة وعشرين يوماً. وفي صنعاء وجد زويمر المكان المناسب للعمل، ولكن كانتين كان قد سبقه في اكتشاف موقع آخر يبدو مناسباً أكثر وكتب إلى رفاقه قائلاً: (لم أجد مسقط مناسبة للعمل أو لبداية حركة التبشير لذلك ألغيت الفكرة)». تعلِّق الشيخة مي «يبدو أن كانتين كان يفكِّر في البحرين التي توقف فيها لمدة ساعة أو ساعتين فقط في طريقه إلى بوشهر، وهناك التقى المقيم السياسي البريطاني الذي أكَّد له حاجة البحرين للخدمات الطبية بسبب تفشِّي الأمراض فيها ولأنها (بحسب تعبير المقيم): (أكثر المناطق وباء)».

وفي تعليق كانتين على الاقتراح نقرأ في الكتاب «لقد كان شعوري مع زويمر واقتراحه القائل، لتكن البداية في جبال اليمن ووديانها»، (ومع ذلك استقر الرأي في النهاية على اختيار البحرين مراكزاً للبداية)، والأخير هو تعليق مي آل خليفة.

ثلاثة هم من شكَّلوا فريق البعثة التطوعي من قبل الكنيسة الإصلاحية: صموئيل زويمر، ابن لراعي الكنيسة نفسها في ميتشيغان، وفيليب فيليبس، شخص ظهر منذ بداية تحديد أهداف البعثة، ورافق الآخرين، لكنه اختفى فجأة لأسباب صحية وعائلية، إضافة إلى جيمس كانتين، الذي انضم إلى البعثة في آخر سنوات دراسته الهندسة المدنية. كان التوجُّه إضافة إلى التبشير، هو تأسيس خدمات طبية لم تكن المنطقة تعرفها أساساً، وذلك لاعتمادها على العلاج البدائي الذي ارتكز على الأعشاب والكيِّ، والرقى الشرعية، والدجل أحياناً؛ مع اجتياح وباء الطاعون، وعديد الأمراض للمنطقة التي كانت في أقصى درجات فقرها وتخلُّفها، وعزْلتها عن عالم الوقاية.

كان التعليم - افتراضاً - هو المرحلة الثالثة من أهداف البعثة، بعد التبشير والطبابة، لكن بداية التعليم والطبابة كانا متزامنين تقريباً، فيما لم يحقق التبشير أدنى أهدافه.

تأخذنا مي آل خليفة إلى بداية تأسيس التعليم في البحرين في نهايات القرن التاسع عشر، بعد عودة زويمر في الثالث من فبراير/ شباط 1894، مرة أخرى إلى البحرين؛ إذ شرع في فتح أول محل لبيع الكتب التبشيرية «وكان ذلك المحل يُستخدم في الوقت نفسه كعيادة صباحية لتقديم الخدمات الطبية». في الشهر الذي تلاه، من العام نفسه التحق داود يوسف بزويمر في البحرين التي أصبحت إحدى المحطات الرئيسية للإرسالية الأميركية.

الشيطان والعقول التي لا تعمل

وبحسب كتاب مي آل خليفة، كانت زوجة القس زويمر (إيمي إليزابيث) أول امرأة تلتحق بالمبشِّرين القادمين من أميركا. أصبح بيتها في البحرين محطة لاستقبال نساء المنامة والترحيب بهن، كما أنها بعد افتتاح المستشفى كانت مسئولة عن عيادة النساء؛ إلى جانب مسئوليتها الأخرى «كأول مُعلِّمة للبنات في مدرسة نظامية في البحرين».

في الكتاب جانب من المذكرات التي تركتها زويمر. تلك الدقة في توثيق وكتابات المذكرات والملاحظات التي ستشكِّل فيما بعد مرجعاً لكثير من الباحثين للتعرُّف على تلك الفترة المبكِّرة من تأسيس كثير من المرافق والدوائر في البحرين، التي سبقت غيرها من دول المحيط الجغرافي.

ماذا عن مدرسة الرجاء؟ تكشف أمرها مذكرات زويمر نفسها «كانت مدرسة صغيرة في شرفة منزل الإرسالية الأميركية في البحرين، وكان ذلك في العام 1899، حين كان أطفال أمين السجين العراقي بتهمة عقائدية يقيمون مع والدتهم في منزلنا، وكان أولئك الأطفال بحاجة إلى التعليم، إلى جانب طفلين آخرين (...) واللذين كان يقدمان بعض الخدمات البسيطة في منزل الإرسالية، وكان من المناسب لهما التعلم بدلاً من الجلوس دون عمل (لأن الشيطان يتسلَّل إلى العقول التي لا تعمل)».

وتضيف زويمر في مذكراتها، التي يستند إليها جانب من كتاب الباحثة ووزيرة الثقافة السابقة، رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، مي آل خليفة «من حاجة أولئك الأطفال، برزت فكرة المدرسة، وبدأتُ بهؤلاء المقيمين في بيت الإرسالية. كانت فترة الدراسة تستغرق ساعتين يومياً في الصباح، يتخلَّلها نشيد وطابور يعلِّم الطلاب الانتظام في سيرهم، وحين علم الأهالي بذلك، حاولوا إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة، ولكن إمكانياتنا كانت محدودة، ولم يكن المكان مناسباً».

أوضاع المدرسة في التقارير

تناولت «نشرة المناطق العربية المُهملة»، سير العمل في مدرسة جوزة البلُّوط؛ حيث تَرِدُ تقارير عن التعليم في البحرين، من بينها ما جاء في تقرير شهر يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار العام 1900، بذكر بدء مدرسة (حضانة) في منزل الإرسالية في جزء منفصل من الشرفة العلْوية للمنزل؛ حيث يتم تعليم الأطفال القراءة والإملاء والغناء والأبجدية العربية «وكانت ربة المنزل السيدة زويمر هي المعلمة، وإلى جانب المواد المذكورة، كان يتم تدريس إنجيل مرقص إلى اثنين من الأطفال القادمين من مسقط (من مدرسة القس بيتر زويمر)، كذلك كانت هناك طفلة أخرى تدعى نجمة (عراقية الأب تم تعميدها والعائلة بعد نزوحهم من البصرة إلى البحرين) تتلقى بدورها دروساً في الديانة المسيحية».

هنالك تقرير يبدأ من يناير ومارس العام 1901، وآخر لشهر أكتوبر/ تشرين الأول، وديسمبر/ كانون الأول 1901، ويرد فيه أنه منذ افتتاح مستشفى الإرسالية في البحرين العام 1902 استطعنا إعداد مدرسة من غرفتين من غرف بيت الإرسالية، استخدمتا في السابق كعيادة للمرضى، وقد خصصت الغرفة الكبيرة لتعليم الصبيان، والصغيرة لتعليم البنات.

وصولاً إلى أكتوبر - ديسمبر العام 1904، نقف على خطاب من القس مانسيوم إتش هوتون، ويرد فيه: «إننا بحاجة ماسَّة إلى مدرسة، فنحن لا نستطيع دخول فصول المدرسة الحالية في البحرين لأنها صغيرة جداً، ونحن بحاجة إلى مبنى يزيد عن حجم المدرسة الحالية مرتين». ليأتي تقرير آخر يتناول الوضع الحالي واحتياجات المدرسة كتبه الطبيب كوبس بتاريخ أكتوبر - ديسمبر 1904، نصه: «من المستشفى توجَّهْت إلى المدرسة؛ حيث شاهدت مبنى المدرسة الصغيرة والتي يبلغ عدد طلابها ثلاثين طالباً، والتي كانت مغلقة في هذه الفترة أثناء عطلة شهر رمضان. الغرف في هذه المدرسة صغيرة جداً، ولا تخدم الغرض المرجو منها».

تفضيل الموت على المدرسة

في فصل «ماذا حدث في البحرين»، تأخذنا مي آل خليفة إلى تقرير فاني ليوتون، عن مدرسة جوزة البلُّوط، تذكر فيه بعض الصعوبات التي واجهت مدرسة البنات، من بين تلك الصعوبات بالنص «في البداية كان الكثير من الأهالي المسلمين يفضِّلون موت أطفالهم على إرسالهم إلى مدرسة مسيحية».

وجه آخر من تلك الصعوبات في تلك الفترة من تأسيس أول مدرسة نظامية، أن الأطفال الذين التحقوا بمدرسة الإرسالية، يعانون بسبب حضورهم للمدرسة، وفي بعض الأحيان يتعرَّضون للضرب والإنذار والتحذير».

جانب آخر من الصورة يكشف عن انفتاح لدى بعض الأوساط في ما يتعلق بتعليم البنات، من تلك الصور؛ بحسب التقرير نفسه، أن «بعض الطالبات بعد الزواج يحضرن إلى المدرسة بكامل زينتهن من الذهب في الأنف والأذن والمعصم والأصابع. وذلك يكشف جانباً من تقبُّل بعض العائلات الميسورة لمسألة تعليم بناتهن أو زوجاتهن.

كان التعليم في المدرسة الأولى وقتها بدائياً بحسب توصيف التقرير نفسه، فيما يتعلق بالمواد التي يتم تدريسها، وهي الأبجدية، والإشكالات المتعلقة بمنهج اللغة العربية، كون بعض الفتيات في المدرسة يتحدثن اللغة الفارسية؛ إلا أنه علاوة على تلك المواد، ومن بينها الأرقام والرياضيات، أدخلت المدرسة - وقتها - عدداً من المواد خُصِّص لها يومان في الأسبوع، منها الخياطة والتطريز.

لكن ذلك لم يمنع من العمل على التأسيس لواحدة من مؤسسات الإشعاع التي كانت البحرين سبَّاقة إلى تقبُّله ووجوده على أراضيها من قبل بعثة الإرسالية الأميركية؛ إذ على رغم حالات الفقر المستشري وقتها، وانتشار الأوبئة، إلا أن طبيعة شعب الجزيرة، بأصالته وانفتاحه في الوقت نفسه؛ أو الوافدين إليها، تقبُّل الآخر، وعدم الريبة المطلقة التي تقطع كل أوجه التواصل مع الغريب، وإن جاء بأهداف تبشيرية لدينه؛ إلا أن أنه شعب بقدر انفتاحه وتقبّله للآخر، يظل متمسكاً بدينه وعقيدته.

لا قانون للتعليم الإجباري

في تقرير ميني دبليو ديكسترا، الذي يغطّي الفترة ما بين يوليو/ تموز وسبتمبر العام 1909، يشير في بدايته إلى أن أغلب الطالبات اللواتي التحقن بالمدرسة، هن من غير العربيات. في ذلك العام، وبلغت أعداد الفتيات اللواتي تم تسجيلهن في المدرسة أربعين فتاة، ولكنهن لا يحضرن إلى المدرسة بصورة يومية منتظمة.

من القضايا المهمة التي التفت إليها التقرير، في استناد إلى البيئة التي جاء منها أفراد البعثة، والتي استوى فيها التشريع المتعلِّق بالحقوق، متغافلاً عن طبيعة البيئة التي لم تتشكَّل فيها مؤسسات الدولة الحديثة بعد. من تلك القضايا مثلاً، إشارة التقرير إلى أنه لا يوجد في البحرين (ولا في أي مكان آخر في هذه المنطقة «الخليج»)، قانون للتعليم الإجباري، كذلك لا يوجد قانون يمنع تشغيل الأطفال.

مع دخول العام 1910، تزايدت أعداد الطالبات الملتحقات بالمدرسة الوحيدة وقتها؛ إذ وصلت إلى إحدى وخمسين طالبة.

في تقرير لميني دبليو ديكسترا، هنالك إشارة إلى مفارقة بالنسبة إلى البعثة، لكنها تظل رد فعل عادية بالنسبة إلى مجتمع محافظ؛ إذ يتعامل معها بمثابة انتشار وتمدد للفتنة التي تريد النيل من معتقدات شعب الجزيرة. من ذلك مثلاً ملاحظة ديكسترا أنه «كلما تقدمت المدرسة، كلما زادت معارضة الأهالي، وكثَّف رجال الدِّين حملتهم في التشنيع بالمدرسة». المفارقة الأكبر أن تفسيراً يكاد يكون عاماً في أوساط رجال الدِّين، بحسب ملاحظة التقرير «ربما كان وباء الطاعون الذي أصاب البحرين، منفذاً يدخل منه رجال الدِّين في هجومهم على المبشِّرين، واتهامهم بأنهم تسبَّبوا في هذا المرض»!

مع وصول العام 1912، يشير تقرير فان إيس، إلى أنه تم تسجيل إحدى وستين فتاة في المدرسة، وبلغ متوسط الحضور ما بين 30 و 40، كما تم فرْض دروس الإنجيل إجبارياً بسبب تغيُّب الكثير من الطالبات في تلك الحصة.

يشير الكتاب إلى قيام مدارس أهلية عديدة، بعضها للجاليات في ذلك الوقت، وبعض بادر إليها بحرينيون من الطائفتين الكريمتين، في نزعة تفكير ترمي إلى النأي عن ترك الحبل على الغارب للبعثات التبشيرية تتحكَّم في مسار العملية التعليمية، والأثر الذي يمكن أن تتركه على عقائد الناس وعاداتهم وتقاليدهم. كل ذلك بدأ في التواري مع عملية تنظيم التعليم وبقية مؤسسات الدولة التي كانت تتجه إلى التحديث، وحققت في هذا المجال قفزات نوعية كبرى، مقارنة بأوضاع دول الإقليم، وتأخر مبادرات التحديث. كتاب ممتع، توقفنا في جانب من فصوله عند التقارير والصعوبات والمشكلات التي اكتنفت وواجهت مثل تلك المبادرات النادرة، في تلك الفترة المبكِّرة من تاريخ البحرين.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
طلاب وطالبات أول مدرسة نظامية في البحرين
طلاب وطالبات أول مدرسة نظامية في البحرين

العدد 4722 - الثلثاء 11 أغسطس 2015م الموافق 26 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً