العدد 4724 - الخميس 13 أغسطس 2015م الموافق 28 شوال 1436هـ

القرار السياسي البيئي أداة استراتيجية في بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الحراك البيئي يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لفاعلية القرار السياسي البيئي على المستويين الدولي والوطني في إنجاز أهداف خطط العمل التنفيذية الموجهة لبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة ويتعزز ذلك بفاعلية أكثر جذرية ونوعية في الحراك البيئي على المستوى الوطني وهناك تجارب بارزة تشير إلى حقائق جودة المنجز في تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية في الشأن البيئي المدعومة بالقرار السياسي، ويتمثل القرار السياسي البيئي في المراسيم والأوامر الإجرائية والقوانين والمعايير والأنظمة الإدارية المنظمة للمناهج الموجهة لحماية النظم البيئية والخطط والاستراتيجيات الوطنية المحددة لمناهج اتجاهات العمل لصون وتنمية المعالم البيئية المدعومة بالإجراءات والأوامر من قمة الهرم السياسي في الدولة.

القرار السياسي البيئي كآلية موجهة لتنظيم العلاقة مع مكونات الأنظمة البيئية ليست ظاهرة حديثة العهد كما يتصور البعض بل هو ممتد في عمق التاريخ الإنساني وتشير البحوث العلمية التي تعالج العلاقة التاريخية للمجتمعات البشرية مع الموارد الطبيعية إلى الحقائق المؤسسة لثوابت القرار السياسي البيئي قبل الميلاد، المتمثلة في الأوامر التي أصدرها عدد من الملوك في حقبة الإمبراطوريات القائمة على الزراعة والتي يجري تبيان مفاصلها في كتاب (البيئة والإنسان عبر العصور) للباحث إيان ج.سيمونز الصادر عن عالم المعرفة، ووفق ما يجري تشخيصه من حقائق ساهمت الأوامر والمراسيم في تنظيم العلاقة مع مكونات الأنظمة البيئية وصون وتنمية الموارد البيئية.

المقارنة التاريخية لواقع القرار السياسي البيئي تؤكد على جوانب الإختلاف من حيث الشكل، بيد أنهما متفقين في المضمون والجوهر، حيث أن كلاهما يرتكزان على منهجية قانونية وإدارية وأهداف محددة لتنظيم العلاقة مع الموارد البيئية، وصون معالم النظام البيئي مع الأخذ في الاعتبار جوانب الفوارق في مستوى تطور منظومة المعايير والمبادئ القانونية في التشريع الحديث، وذلك يقتضيه عنصر الزمن والخبرات التراكمية لمسيرة التطور التاريخي للمجتمعات البشرية إلى جانب المتغيرات العصرية في واقع القضايا البيئية وما يحيط بها من مشكلات.

القراءة المتمعنة في منظومة القرار السياسي البيئي تفضي إلى تشخيص محددات تكوينه، وتتكون منظومته من جزئين وطني ودولي بيد أنهما يتوافقان في طبيعتهم البرامجية والقانونية من حيث الشكل والمضمون والجوهر والمتطلبات الإجرائية لتفعيل أهدافهما فكلاهما يرتكزان على مجموعة من البرامج والخطط الدولية والوطنية، كما هو عليه الحال في الخطط البيئية التي يعتمدها المجتمع الدولي وكذلك في الخطط والبرامج البيئية التي تعتمدها الحكومات في الدول، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى برنامج عمل الحكومة 2015 - 2018 في مملكة البحرين الذي يحدد في محور البيئة والتنمية الحضرية منظومة من الاتجاهات الموجهة لتعزيز كفاءة استخدام الموارد والطاقة، وتتناول إيجاد مصادر جديدة للطاقة المتجددة لتلبية الطلب المتنامي في البحرين وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز فعالية استخدام الأراضي، كما تتناول التوجهات لتوفير بيئة آمنة وملائمة للسكان، تتمثل في العمل على تعزيز التنمية الحضرية وحماية البيئة.

القرار السياسي البيئي الدولي والوطني يحددان أيضاً منظومة من القواعد والمعايير والمبادئ والالتزامات القانونية والإدارية التي تحددها الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في الشأن البيئي، وكذلك محددات مبادئ الدساتير الوطنية ويمكن تبيان ذلك في ما يحدده على سبيل المثال دستور مملكة البحرين في الباب الثاني «المقومات الأساسية للمجتمع» الذي يؤكد في «المادة11» على أن «الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني».

كما أن القرار السياسي البيئي الدولي والوطني يرتبطان بمنظومة من المبادئ التوافقية التي يجري التوافق بشأنها ضمن منظومة العمل الدولي ومن أبرزها وثائق مؤتمرات القمم العالمية بشأن البيئة والتنمية المستدامة، كما يكون لذلك العمل فعله أيضاً ضمن منظومة العمل الوطني وتتعزز قيمته الفعلية في المواثيق الوطنية ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى ما هو محدد في المحور الخامس «البيئة والحياة الفطرية» من الفصل الثالث «الأسس الاقتصادية للمجتمع» في ميثاق العمل الوطني الذي يشير إلى منظومة من المحددات والتدابير والإجراءات القانونية والمعايير والأنظمة للحد من حالات التلوث وصون الموارد الطبيعية ومعالم النظام البيئي.

وتتعز فاعلية القرار السياسي البيئي بتوفر العوامل المساعدة كقوة فعلية في تعضيد مقومات أهدافه، وذلك في سياق مساهمة الخبراء والمختصين في بناء منظومة البيانات حول واقع القضايا البيئية، وتشخيص المحددات والمخارج العلمية في شأن الطرق المنهجية لمعالجة المشكلات البيئية، ويتمثل ذلك في ما يجري تنظيمه من ورش عمل علمية على المستوى الدولي، كما هو عليه الحال في ما يجري تشخيصه في ورش العمل البيئية المختصة التي ينظمها برنامج الأمم للبيئة (UNEP) التي تعنى بإعداد التقارير بشأن حالة البيئة العالمية، ويتمثل ذلك أيضاً في ورش العمل الوطنية التي تتولى مسئولية تشخيص محددات تقييم الواقع البيئي على المستوى الوطني، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أعمال ورشة العمل الوطنية الثالثة لمشروع تحديث الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية للتنوع الحيوي التي نظمها المجلس الأعلى للبيئة في الفترة من 2-4 أغسطس/ آب 2015.

خلاصة القول إن الاهتمام الذي توليه القيادة السياسية بالعمل البيئي مطلب استراتيجي ويسهم في تحقيق جودة المنجز للاستراتيجيات الوطنية البيئية للدول ودون توفر ذلك الاهتمام لايمكن أن تكون هناك نتائج مثمرة لخطط العمل البيئي الوطنية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4724 - الخميس 13 أغسطس 2015م الموافق 28 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً