العدد 4729 - الثلثاء 18 أغسطس 2015م الموافق 04 ذي القعدة 1436هـ

توظيف النصوص لا يكفي لتقديم أطروحة فارقة... ولا تأصيل للواقع

«التعدُّدية والحرية في الإسلام» للشيخ حسن الصفَّار...

سنة وطبيعة الحياة أن يبقى البشر مختلفين. ذلك هو الضابط أيضاً لمحاولة الفهم: فهم الاختلاف. التشابه لا يستدعي مثل ذلك الإجراء. على مستوى الدِّين يبدو الأمر أكثر حساسية، ويتم النظر إليه - راهناً - على أنه أحد المُهدِّدات لاجتماع بشري هنا وآخر هناك؛ على رغم أن الرجوع إلى القرآن الكريم يحلينا إلى وعد باستمرار أن يكون الناس مختلفين «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» (هود: 118).

كتاب «التعدُّدية والحرية في الإسلام... بحث في حرية المعتقد وتعدُّد المذاهب» للشيخ حسن الصفار، في طبعته الثانية، الصادر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ضمن «سلسلة الدراسات الحضارية»، في 288 صفحة من الحجم المتوسط، العام 2010 يشتغل على معالجة المفهومين: التعدُّد والحرية، في محاولة لتأصيل هذين المفهومين وما يرتبط بهما ويثار حولهما من أفكار في ضوء النص القرآني أولاً والنص النبوي والإمامي ثانياً.

مساحات من الكتاب عالجت المفهومين، دون أن تخرج بأطروحة يمكن اعتبارها جديدة وفارقة؛ إذ لا يكفي توظيف النصوص التي تم الاشتغال عليها في معالجات ظاهرة، من جهة، ومن جهة أخرى، محاولة المزاوجة في استدعاء النصوص والشواهد التي تقرِّب المفهومين إلى الأذهان، وتعمِّق حضورهما، من كلا الفريقين، طالما أن البحث يتناول التعدُّدية والحرية في الإسلام؛ إلا أن الكتاب لم يقترب من التأصيل للواقع، بحكم الإشكالات القائمة في طبيعة الدول اليوم، تلك التي ينشط فيها الإرهاب والتكفير. تم إهمال الذهنية التي تقود طبيعة تلك الدول، والمصالح - التي تم إهمالها - بقيام تلك التنظيمات التكفيرية التي أصبحت لها منابر مُشهرة بشكل رسمي في بعض الدول، وتستند إلى تمويلات ضخمة لا يمكن لمكنة وآلة التكفير تلك من دونها. أقول: المصالح؛ مادامت الأمور في حدود التكفير؛ نأياً عن العنف المسلّح الذي يمسُّ هيبة الدول ومركزية دورها.

غياب الأطروحة الفارقة

بحديثنا عن نفي تقديم الكتاب لأطروحة جديدة، تلك التي تعمل على مواجهة واقع المسلمين اليوم ضمن شواهد شاخصة، لم يعد فيها الإسلام حاضراً بتلك السماحة التي نعرف، ويعرفها العالم المنصف. الكتاب صدر في العام 2010، ربما بعد 9 سنوات من حدوث أفظع الهجمات التي قام بها منتسبون إلى الإسلام، في عقر دار أقوى دولة في العالم (الولايات المتحدة الأميركية)، وتمتلك مكنة إعلامية جنّدتها في سبيل تقديم الصورة المغالطة التي تريد عن الإسلام والمسلمين. لا تبرز الأطروحة بسبب الاتكاء على النصوص وإهمال تفاصيل في واقع الأقليات من جهة في بعض بلاد المسلمين، وواقع المسلمين أنفسهم في ظل تنوع وتعدد في المذاهب، لم يسلم أي منها من تمييز شاهر ظاهر.

الإشكال هنا أيضاً، يبرز في النأي عن تفكيك بنْيَة تفكير الدول التي برزت فيها ظاهرة التكفير.

تثير كلمة المركز جانباً مهماً مما يُظَنُّ أنه تناقض في بعض نصوص القرآن، يرتبط بمسألة حرية الاعتقاد والتعدُّد، بالذهاب إلى المعنى المباشر للآية دون فهم سياقاتها ومقامات ما تتحدث عنه وتتناوله.

من ذلك «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخسرين» (آل عمران: 85)، وآية أخرى «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة: 62)؛ إذ في الآيتين نحن أمام موقف الإسلام في مقام الدعوة والهداية، في الآية الأولى، وموقفه في مجال التعامل مع الواقع «الذي يصعب بل يستحيل توحيد وإلغاء ما فيه من ألوان التعدُّد»، في الآية الثانية.

الكتاب استهل بثلاث مقدمات، الأولى بمناسبة صدور الطبعة الثانية منه، كتبها الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، والثانية، مقدمة الطبعة الأولى كتبها محمد فتحي عثمان، والثالثة بقلم المؤلف نفسه.

شرعية وجود العقائد

شمس الدِّين أكد في جزء من تقديمه أن الإسلام يُعطي شرعية الوجود في العقائد والمذاهب والاتجاهات الفكرية المخالفة له، ولا يفرض على أصحابها الإذعان له من دون قناعات، ولا يُكره على اعتناقه أحداً، متناولاً واقع المسلمين اليوم، أمام مشكلة شاخصة عليهم مواجهتها في حل إشكالهم الخاص من الداخل، وضرورة توحّدهم داخل الإسلام وإن تنوَّعوا داخل المذاهب. مُعرّجاً على المبدأ التشريعي الواضح والتصريح الذي جاء به الإسلام والمتمثل في: «لا إكراه في الدِّين».

وتتطرّق مقدمة شمس الدِّين إلى الناحية الفقهية، في أن الشريعة الإسلامية تقر مبدأ التنوع، وأن الانطباع السائد خطأ عن أن الإسلام يُلغي جميع التنوُّعات في داخله.

احتوى الفصل الأول من الكتاب على موضوعات جاءت في الترتيب الآتي: الإنسان والدِّين، «لا إكراه في الدِّين»، كيف انتشر الإسلام، الإسلام والحرية الدينية، والحوار لغة التعامل.

يستعرض الصفَّار في العنوان الأول عدداً من آراء الفلاسفة والمفكرين الغربيين في جانب من التناول، مستهلَّاً بالقول، إن الدين حالة وظاهرة عميقة الجذور في تاريخ البشر، ذلك أن الاعتقاد والإيمان انبعاث فطري وحاجة معنوية روحية في شخصية الإنسان لا يمكن تغافلها.

ضمن الأطروحات والمناقشات التي ظلت قارَّة في الوعي الغربي، والمتمثل جانب منها في أن الذين تصدَّوا لها هم من الصف الأول من المفكرين هناك، مسألة الدوافع الحقيقة للتدين عند البشر، عبر تلمُّس الأسباب والجذور، استبعاداً للفطرة والروح، ومن ذلك ما ذهب إليه العالم الإنجليزي برتراند راسل، الذي يرى أن منشأ ظاهرة الدِّين هو الخوف من العوامل الطبيعية، فيما يرى الماركسيون، أن الظروف الاقتصادية، والحالة الطبقية هي التي تصنع الدِّين والاعتقاد.

أطروحات ومناقشات

في المقابل، هنالك أطروحات ومناقشات تذهب إلى النقيض من ذلك، وفي الغرب نفسه، من ذلك ما ذهب إليه ويل دورانت من أن «الإيمان أمر طبيعي، وهو وليد الحاجات الغريزية والإحساسات المستقيمة بصورة مباشرة، أقوى من الجوع وحفظ النفس والأمان والطاعة والانقياد»؛ علاوة على ما طرحه المؤرخ الإغريقي بلوتارك قبل أكثر من ألفي سنة بقوله «من الممكن أن نجد مدناً بلا أسوار، ولا ملوك ولا ثروة ولا آداب ولا مسارح، ولكن لم نرَ قط مدينة بلا معبد، أو لا يمارس أهلها عبادة».

في الفصل نفسه، يتناول الصفَّار توارث الأديان، والصعوبة التي تنتظر أي دين جديد، من جهة انتشاره، مسلطاً الضوء على شخصيات إسلامية خرجت على الميراث ذاته، باختيارها الدِّين الذي تجد فيه استقرارها وتوازنها النفسي والروحي، في تجلٍّ لشاهدين، الأول مصعب بن عمير وما تعرض له من أبويْه كي يعود إلى ملّة آبائه، وسعد بن أبي وقاص الذي عانى من أمه ما عانى في سبيل أن يركن لدينها.

في عنوان «اختيار الدِّين» لا يحصل تعميق للمفهوم إلا بإيراد نماذج من التاريخ. ذلك الربط مهم؛ لكن الانشغال بتلك النماذج يفوِّت الكثير من الفرص في الالتفات إلى اللحظة الراهنة التي تكاد تدخل حقبة الحروب الدينية - على الأقل في الشرق - لمنشغل أساساً بمنجزه في التخلف والتأخر والانشقاق والفتن؛ فيما الغرب منشغل بمنجزه المديني والحضاري، ولم يتم ذلك بعد فصل الدِّين عن الدولة التي تعاملت مع مواطنيها والمقيمين على أراضيها على قدم المساواة احتكاماً للقانون الذي هو الفيصل في كل أمر وخلاف.

نفي الدِّين الإجباري

يأخذنا الصفَّار في تناوله لهذا العنوان المتفرِّع عن الفصل الأول، في رحلة إلى العصور الوسطى التي رزحت فيها الشعوب الأوروبية تحت نيْر القمع والإرهاب باسم الكنيسة والدِّين المسيحي، والتشريعات التي ظهرت، تلك القاضية بإعدام كل من لا يتنصَّر، كما فعل الملك الفرنسي شارلمان، مروراً بمحاكم التفتيش، والمحاكمات التي طالت أكثر من 300 ألف أحرق منهم 32 ألفاً أحياء، ومن بينهم العالم الطبيعي برونو، لقوله بتعدّد العوالم، وما حصل للعالم الطبيعي جاليليو لقوله بدوران الأرض حول الشمس.

وينتقل بنا الصفَّار هنا إلى كبار مفسري القرآن الكريم، ومن بينهم العلامة الطبطبائي في «الميزان»، الذي يرى أن في قوله تعالى «لا إكراه في الدِّين»، نفي الدِّين الإجباري، ذلك أن «الدِّين وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عملية يجمعها أنها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار».

وفي باب كيف انتشر الإسلام، يقتضي ذلك الوقوف على البيئة المتخلفة والمتوحشة التي ظهر الدِّين فيها، والذي كان من أولى مهماته استعادة الإنسان لفطرته السوية، وأن يكون متجانساً مع المجموع البشري من حوله، وتلك مهمة تتطلب نسف النظام الأخلاقي والتربوي المضاد للفطرة الإنسانية. ذلك أصعب مهمات وأدوار الإسلام، وأقسى ما مر به نبي في قومه. في ظل ظروف كتلك، لا شيء يؤهل الإسلام للانتشار السريع وسط تلك البيئة.

هنا يستند الشيخ الصفَّار كعادته إلى رؤى غربية في هذا المجال، وتحديداً المؤرخ الأميركي ستودارد، في قوله «كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دُوِّن في تاريخ الإنسان. ظهر الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد، متضعضعة الكيان، والبلاد منحطة الشأن، فلم يمضِ على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقاً ممالك عالية الذرى، مُترامية الأطراف (...)».

في مقابل الفكر الشيوعي، لا يحيلنا الصفَّار إلى اسم المؤلف الذي اقتبس منه العبارة الآتية «إن الإنسان ليدهش إذا تأمَّل السرعة الغريبة التي تتغلب بها طوائف صغيرة من الرحالين الذين خرجوا من صحراء العرب مشتعلين بحماسة دينية على أقوى دولتين في الزمن القديم. لم تمضِ خمسون سنة على بعثة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى عزم أتباعه على الفتح على حدود الهند في جانب، وعلى ساحل بحر الأطلانطيكي (المحيط الأطلسي) في جانب آخر (...)».

ليعود إلينا الصفَّار، مُرجعاً العامل الأساس في سرعة انتشار الإسلام، وإقبال الأمم والشعوب على اعتناقه إلى «أحقية مبادئ الإسلام وانسجامها مع الفطرة والعقل، وأفضلية القوانين والتعاليم التي جاء بها، وعامل آخر أدَّى دوراً مساعداً هو كفاءة وجدارة حملة الإسلام وروَّاده الأوائل (...).

قاعدة الإلزام

يُرجعنا الشيخ الصفَّار إلى القار والمؤكد بالنصوص، إلى أنه في ظل الإسلام لا تُلغى الديانات الأخرى، كما أنه لا يُحظر وجود سائر المبادئ والملل، استناداً إلى الخطاب القرآني «لكم دينكم وليَ دين» (الإنسان: 3)، مُستدركاً أن الإسلام نظَّم تشريعات ووضع قوانين لحماية أتباع الأديان الأخرى، مشيراً إلى أن المشركين الكفار وإن كانوا لا ينتمون إلى ديانة معينة، ويعكفون على عبادة الأصنام والأوثان، فإن الإسلام لا يقسرهم على ترك ديانتهم، ولا يرفض وجودهم في ظله، بل شأنهم كأتباع الأديان الأخرى من يهودية ومسيحية ومجوسية.

وفي باب حرية العبادات والأحكام، يكرر الصفَّار رأي أن الإسلام يقبل بوجود حرية الأديان والاتجاهات، ضمن مجتمعه وفي ظل دولته، في حقهم الكامل بممارسة شعائر أديانهم والقيام بطقوس عباداتهم، مورداً في هذا الشأن تعهُّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لنصارى نجران بضمان حريتهم الدينية في عباداتهم وشعائرهم، ونص كتابه إلى أسقف نجران أبي الحارث بن علقمة.

كما يورد الشيخ الصفَّار حديثاً «يعتبره الفقهاء قاعدة وأصلاً للعديد من الأحكام الشرعية، ينص على حق أهل كل دين أو مذهب بالالتزام بأحكام دينهم وطريقتهم»، وتعرف بقاعدة الإلزام «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم».

وضمن فضاء الاستشهاد الذي يتكئ عليه الصفَّار، يورد قصة العهد الذي أعطاه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأهل الكتاب بعد استيلائه على حصن بابليون، بحماية كنيستهم، ولعن أي مسلم يخرجهم منها. «وكتب أماناً للبطريق بنيامين، وردَّه إلى كرسيِّه، بعد أن تغيَّب عنه ثلاثة عشر عاماً، وأمر باستقباله بالحفاوة (...)».

احترام الديانات وأتباعها

في هذا الباب، يأخذنا الصفَّار إلى الرابط الوثيق بين الالتزام بالإسلام، واحترام الإنسان كإنسان، بغضِّ النظر عن دينه أو مذهبه؛ ما لم يكن معتدياً وظالماً. بل أكثر من ذلك، في صورة من الصور الرائعة التي أدَّب بها الإسلام أتباعه، في نص صريح ينهى فيه القرآن الكريم المؤمنين به، عن سبِّ أصنام الكفار وأوثانهم، باعتبارها مقدسات لهم، ومن الفطرة والطبيعة أن كل إنسان يدافع عن المقدَّس عنده، وإن كان زائفاً أو باطلاً؛ انتباهاً لرد الفعل الذي يمكن أن يصدر عن فعل الإهانة والسب، بتعرُّض المسلمين أنفسهم إلى الإجراء والموقف نفسه.

يُفصِّل الصفَّار في هذا الباب حقوق غير المسلمين على المسلمين، ومن بينها: الحماية من الاعتداء الخارجي، وذلك بمنع من يؤذيهم، وفك أسرهم، والحماية من الظلم الداخلي، وتأمينهم عند العجز والشيخوخة والفقر، وتأمين حق الحرية لهم، وأولها حرية الاعتقاد والتعبُّد والعمل والتكسُّب، كما جعل الإسلام من حق أهل الذمة تولِّي وظائف الدولة كالمسلمين، إلا ما غلبت عليه الصبغة الدينية، في موارد الإمامة ورئاسة الدولة والقضاء والقيادة في الجيش والولاية على الصدقات.

وفي ما يتعلق بواجباتهم، يورد منها: أداء الجزية، وهذه تسقط عنهم إذا لم تستطع الدولة حمايتهم؛ أو حين يشتركون مع المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام، والتزام أحكام القانون الإسلامي في المعاملات المدنية ونحوها، واحترام شعائر المسلمين ومشاعرهم.

التعدُّدية والوحدة

في الفصل الثاني من الكتاب، الذي يحمل العناواين الآتية: التعدُّدية في حياة البشر، حديث عن الوحدة، ولا للإرهاب الفكري، يضعنا الصفَّار أمام واقع وحقيقة أن الاختلاف سمة الحياة والبشر، وأن الاعتقاد بتحقق الوحدة وجمع الشمل باتفاق الآراء وتطابق المصالح، لا يعدو كونه صورة مثالية، ليس من المبالغة القول بأنه مستحيل التحقق في حياة أي أمة، وهو يرى هنا إمكانية تحقق ذلك «بوجود قيادة معصومة تخضع لها كل الأمة وتقبلها كقيادة الرسول الأعظم».

تكمن المسألة أساساً، في استيعاب وتقبُّل موضوع الاختلاف الذي لا يعني بأي صورة من الصور، المناهضة للوجود طرف لآخر. ذلك الفهم القارّ في بعض الذهنيات التي تتصدَّى للعمل الدعوي والتبليغي، هو ما يجعل الإسلام اليوم في مأزق حقيقي، بالنفور والصدود الذي يُستقبل به في بعض البيئات؛ وخصوصاً الجديدة منها؛ بحكم أن الصورة الذهنية، والممارسة على الأرض، وطريقة تعاطي بعض المسلمين مع الطوائف والمذاهب بينهم، يجعل الحديث عن دعوة جامعة لوحدة المسلمين في العالم أمراً يقترب من الخرافة هذه المرة، وليس المثالية فحسب، في ظل التشرذم والتشظي والفرقة والتمييز الذي يكاد يسم معظم مجتمعات المسلمين؛ عدا أتباع الأديان الأخرى التي كانت سابقة في وجودها المسلمين أنفسهم، ممن يتعرضون اليوم إلى شتى ضروب التمييز والحرمان من الحقوق.

هنالك اتكاء واستناد على كثير من الروايات والأحاديث التي تحاول تعزيز مفهومي التعدُّدية والوحدة، ضمن سياق تاريخي، يكاد لا يكون له ملمحَ وجود في راهن المسلمين وممارساتهم.

يتناول الفصل نفسه موضوعات: مستوى المعرفة والوعي، اختلاف الفقهاء في الفتوى، اختلاف المصالح، مورداً خلاصة الفصل في التأكيد والتنبيه إلى أنه حينما تدعو الفطرة، ويشجّعنا العقل على التعاون، ويأمرنا الدِّين بالوحدة والتآلف فذلك ليس مشروطاً بأن نكون متفقين في كل أفكارنا ومواقفنا ومصالحنا فذلك أمر مستحيل أو مُتعذّر، وأن المطلوب منا التآلف والتعاون حتى مع وجود حالات الاختلاف والتنافس، وأن الذين يجعلون الاتفاق في كل شيء شرطاً للوحدة والتعاون إما أن يكونوا غافلين عن الحقائق الواقعية، وإما هم غير جادّين في التطلّع لوحدة الأمة وتماسك قواها الخيّرة.

وفي تناولات ذات صِلة، يبحث الفصل الثالث عناوين: الديانات وتعدّد المذاهب، العوامل والأسباب، والتعامل بين المذاهب. أما الفصل الرابع فبحث فيه: المذاهب الإسلامية: أصول مشتركة، لا للتكفير، المتعصبون يُشهرون سلاح التكفير، التعصُّب والإرهاب الطائفي، والانفتاح الفكري بين المذاهب الإسلامية.

ضوء

يُذكر، أن الشيخ حسن الصفَّار، وُلد في العام 1377هـ (1958م)، في مدينة القطيف بالمملكة العربية السعودية. تلقَّى تعليمه الأوَّلي في الكتاتيب الأهلية في مسقط رأسه، وتابع دراساته الأكاديمية، حتى التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف العام 1971. استمر في تلقِّي دراساته الدينية مع عدد من أساتذة الحوزة العلمية في النجف وقم والكويت. من الناشطين في مجال التعليم الديني والعمل الدعوي الاجتماعي.

عضو في عدد من المؤسسات الفكرية والعلمية، ومستشار لعدد من المجلات العلمية والثقافية.

إلى جانب اهتماماته الاجتماعية والدعوية، له عدد من الدراسات المنشورة في مجلات فكرية وثقافية.

من مؤلفاته: «التسامح وثقافة الاختلاف: رؤى في بناء المجتمع وتنمية العلاقات»، «المرأة العظيمة: قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي»، «التنوُّع والتعايش: بحث في تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية»، «علماء الدِّين: قراءة في الأدوار والمهام»، «شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين»، «الحوار والانفتاح على الآخر»، «فقه الأسرة: بحوث في الفقه المقارن والاجتماع»، «الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان»، و «السلفيون والشيعة... نحو علاقة أفضل».

العدد 4729 - الثلثاء 18 أغسطس 2015م الموافق 04 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً